كان لي صديق صيني يدرس معي في جامعة جورج واشنطن، وذات يوم دعاني هذا الصديق على وجبة غداء في أحد المطاعم الصينية في العاصمة الامريكية، واذكر ان لقائنا كان قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وتحدث صديقي الصيني عن وطنه الصين بكل فخر واعتزاز لكن أيضا بكل حكمة ودهاء. لقد قال لي " اننا ننتظر قرار بوتين حيال أوكرانيا، فاذا هاجمها فأنها فرصة جيدة لمستقبل الصين " ثم سألته وما فائدة ذلك للصين؟ فقال " لاستعادة تايوان فقلت له كيف: فرد قائلا (ان حاربت أمريكيا في أكثر من جبهة وان فتحت جبهة أوكرانيا فهي فرصة لفتح جبهة أخرى في الشرق الأوسط وبالتالي ستكون جبهتين لأمريكيا وبالتالي يمكننا استعادة تايوان لان من الصعب فتح ثلاث جبهات في ان واحد).

هنا اعدت سؤالي قائلا لكن من سيخلق حربا لأمريكيا في الشرق الأوسط فرد قائلا وضاحكا (لو ان صدام حسين كان موجود لتمكنا من إغرائه بهجوم جديد، ولكن بالتأكيد هناك خيارات أخرى).

بعد أسابيع من هذا اللقاء بدا هجوم بوتين على أوكرانيا واشتعلت الحرب واستمرت ومر على الحرب أكثر من عام وانا اسأل ما هي الخيارات الأخرى التي يمكن ان تشعل الحرب في الشرق الأوسط وتفتح جبهة ثانية لأمريكيا كما قال الصديق الصيني لأفاجئ بالأخبار بهجوم في السابع من تشرين الأول وشن مقاتلوا حماس هجوماً مفاجئاً على جنوب الأراضي المحتلة، ما أسفر عن مقتل 1300 مدني واحتجاز 150 رهينة. ورداً على ذلك، شنت إسرائيل هجوماً عنيفا غير مسبوق على قطاع غزة أدى حتى الالاف، من ضمنهم الاطفال، وكذلك تشريد نصف سكان غزة، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية المدنية في القطاع.

وبعيدا عن تفسيرات نظرية المؤامرة، ولكنني وجدت ان ما ذكره صديقي الصيني اصبح واقعا وهناك جبهات فتحت في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط بل توسعت هذه الجبهة لتمتد لليمن وبالتالي تعددت الجبهات وتوسعت وان كان ما ذكرة صديقي الصيني كان وكانه تنبؤ بالمستقبل.

من جانب اخر اتهم تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست ان الصين تنشط في مجال سرقة الأفكار الإبداعية الأميركية وبين ان الصين تسعى للسيطرة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ولكنها لا تبحث عن ذلك من خلال التطوير فقط، إنما تستخدم السرقات ومحاولات اختراق الأمن القومي للدول، خاصة الولايات المتحدة ويدعو التقرير واشنطن لضرورة التنبه إلى ما تقوم به بكين واهتمامها بالتكنولوجيا الناشئة، والتفكير بعمق سياسيا وتكنولوجيا فيما تقوم به الصين من خطوات.

ورغم ان التقارير ومنها تقرير ناشونال إنترست بان الصين تسرق الاختراعات والابداعات الامريكية وتعيد انتاجها صينيا لكن أنى أرى ان الصين استعارت شيء اهم من أمريكيا وهو ليس التكنلوجيا، بل الفلسفة وهي اهم من الابداعات والاختراعات، لقد تبنت الصين فلسفة فكرية وسياسية أمريكية من خلال تبني الصين لمفاهيم الفلاسفة الأمريكيين جون ديوي صاحب نظرية البراغماتية وجوزيف ناي صاحب نظرية القوة الناعمة.

فالحزب الشيوعي الصيني لم يتحدث للعالم عن شيوعيتة ولم يؤسس احزبا سياسية مساندة له ولم يسجل أي محاولة صينية لفرض رؤية او شكل نظام سياسي معين، لقد تعامل الصينيون مع كل الأنظمة سواء كانت ديمقراطية او دكتاتورية، رأسمالية او غير رأسمالية من خلال المبدأ البراغماتي، أي تغليب المصالح والتعاون من اجل الوصول للهدف، فلم يكن للصينين مواقف أيدلوجية من دولة بقدر ما كان لديهم رغبة بالاستثمار والتجارة والتعاون الاقتصادي.

كذلك طبق الصينيون باحترافية مبدا جوزيف ناي للقوة الناعمة ذلك الفيلسوف الأمريكي الذي نصح الساسة الامريكيون في كتابة المميز ( القوة الناعمة ) على انها القوة الأفضل للتغلغل في العالم من خلال تأسيس الجامعات الامريكية والاستثمار بدلا من الحروب ، ولكن فعليا طبقت الصين هذا المبدأ واطلقت مشروع الطريق والحزام وهو قوة ناعمة اقتصادية يقرب المسافة بين الشرق الغرب وتعيد امجاد طريق الحرير القديم من جديد للعالم ، ويوسع حدود الصين الاقتصادية لاوربا وفعلا اشترت الصين موانئ إيطالية واليوم يأتي اردوغان لبغداد ليضمن حصته في القوة الناعمة الصينية عبر طريق الحرير الذي سيغرق الأسواق الاوربية ببضاعها التجارية وسيغير العالم ، وهنا اطرح تساؤلي الى أي الحدود سيتمدد سور الصين العظيم عبر البراغماتية والقوة الناعمة و بماذا سيعلمنا المستقبل وكيف سيتغير التاريخ ؟