الأحد 2025/7/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 41.95 مئويـة
نيوز بار
إنجازات حكومة محمد شياع السوداني: قراءة قانونية في الأداء التنفيذي والمؤسسي
إنجازات حكومة محمد شياع السوداني: قراءة قانونية في الأداء التنفيذي والمؤسسي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. سيف هادي عبدالله الزويني
النـص :

 

مقدمة

 

شهد العراق في تشرين الأول من عام 2022 انتقالًا سياسيًا مهمًا مع تسنم السيد محمد شياع السوداني رئاسة مجلس الوزراء. وقد جاء هذا التحول بعد أزمة سياسية، وسط تحديات جسيمة شملت تردي الخدمات، وارتفاع نسب البطالة، وتراجع ثقة المواطن بمؤسسات الدولة. ومنذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة، ظهرت ملامح لرؤية إصلاحية تسعى إلى إعادة هيبة الدولة وتفعيل العمل التنفيذي عبر مسارات تتعلق بمكافحة الفساد، وتحسين الخدمات، وتحريك عجلة الاقتصاد، وإعادة بناء علاقات العراق الخارجية وفق مبدأ السيادة والتوازن.ويأتي هذا المقال لتحليل هذه المسارات، من منظور قانوني – إداري، يراعي التدرج الزمني في الإنجاز، ويبتعد عن المبالغة أو التسويق السياسي، منطلقًا من معايير الحكم الرشيد والمساءلة الدستورية، لا من الدعاية أو الانحياز.

 

أولا: مكافحة الفساد كأولوية حكومية: من أبرز التحديات التي ورثتها حكومة السوداني، ملف الفساد المالي والإداري، والذي بات يُهدد فعليًا بنية الدولة العراقية. وقد أبدت الحكومة الحالية توجهًا واضحًا نحو المعالجة الجادة، من خلال:* تفعيل دور هيئة النزاهة وتوسيع صلاحياتها التنسيقية مع الادعاء العام.* استرداد الأموال العامة، لاسيما المرتبطة بفضيحة “سرقة الأمانات الضريبية”، حيث أُعلن عن استعادة مبالغ جزئية ضمن إجراءات مستمرة.* إحالة ملفات فساد إلى القضاء بشكل علني، ومتابعة الدعاوى تحت إشراف مجلس الوزراء.ومع أن هذه الخطوات لم تصل بعد إلى “تفكيك بنية الفساد” بشكل جذري، لكنها أظهرت تغييرًا في نمط التعامل الحكومي مع هذا الملف، باتجاه تعزيز مبدأ الشفافية والمحاسبة.

 

ثانيًا: تحسين الخدمات العامة والبنى التحتية: ركزت الحكومة في عامها الأول على الملفات الخدمية، باعتبارها مدخلًا لاستعادة ثقة المواطن بالدولة، ومن أبرز ما تحقق:* إطلاق مشاريع استراتيجية في مجال الطرق والكهرباء، ومنها تنفيذ الطريق الحلقي لمدينة بغداد، والعمل على تطوير شبكة النقل الوطنية.* تعزيز قطاع الكهرباء من خلال توقيع عقود مع شركات عالمية لرفع الإنتاج وتنويع مصادر الطاقة.* المباشرة بمشاريع الماء والمجاري في عدد من المحافظات التي تعاني الإهمال، مع اعتماد آلية تمويل لامركزية عبر تخصيصات موازنة تنموية لكل محافظة.وتُعد هذه المشاريع من دلائل التحول من “إدارة الأزمة” إلى “الإدارة التنموية”، على الرغم من التحديات المالية والإدارية الكبيرة.

 

ثالثًا: السياسة الخارجية وإعادة التوازن الإقليمي: تبنت الحكومة الحالية منهجًا متوازنًا في العلاقات الخارجية، يقوم على قاعدة “المصلحة الوطنية أولًا”، ومن أبرز معالم هذا التوجه:* تعزيز العلاقات مع دول الجوار، لا سيما إيران وتركيا، في ملفات المياه، والطاقة، والتبادل التجاري، مع سعي لإيجاد حلول تفاوضية طويلة الأمد.* الانفتاح على دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، عبر توقيع اتفاقات استثمارية ومشاريع للربط الكهربائي.* تفعيل الشراكة مع الولايات المتحدة ضمن اتفاق الإطار الاستراتيجي، من خلال حوارات أمنية واقتصادية.وقد انعكست هذه السياسة على حضور العراق في المحافل الدولية، حيث شارك السوداني في عدد من القمم والمؤتمرات الإقليمية والعالمية، ما أعاد للعراق جزءًا من ثقله الدبلوماسي.

 

رابعًا: الإصلاح الاقتصادي وتنشيط القطاع الخاص: تحاول حكومة السوداني التحول من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد متنوع، وذلك عبر:* إطلاق برامج دعم للقطاع الخاص، وتوفير القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.* تحفيز الإنتاج المحلي في القطاعين الزراعي والصناعي، عبر حماية المنتج الوطني، وتنظيم عمليات الاستيراد.* اعتماد موازنة ثلاثية السنوات (2023–2025)، لأول مرة في العراق، بما يوفر رؤية مالية مستقرة ومتوسطة الأمد.* تشجيع الدفع الإلكتروني للحد من التعامل النقدي، وتوسيع مظلة النظام الضريبي.ويُلاحظ هنا أن الحكومة أدركت أهمية التخطيط الاقتصادي لا كإجراء مالي فقط، بل كأداة لإعادة هيكلة الدولة وتحديث إدارتها المالية.

 

خامسًا: معالجة البطالة وقضايا الشباب: استجابةً للضغوط الاجتماعية وتفاقم نسب البطالة، أطلقت الحكومة حزمة إجراءات تضمنت:* توفير آلاف فرص العمل في القطاع الحكومي ضمن حركة الملاك أو التعيينات الجديدة.* إطلاق برنامج “فرصة” لدعم تشغيل الشباب في القطاع الخاص.* تعيين أعداد كبيرة من حملة الشهادات العليا والخريجين الأوائل في الوزارات والمؤسسات الحكومية، تنفيذًا لقرارات سابقة لم تُفعّل لسنوات، مما يُعد استجابة فعلية لمطالب النخب الأكاديمية، ومحاولة للحد من ظاهرة الهجرة العلمية والبطالة المقنعة.* تشجيع المشاريع الصغيرة من خلال صندوق دعم المشاريع المدرة للدخل.* دعم القطاع الرياضي والشبابي من خلال تنظيم الفعاليات، وتحسين البنى التحتية للملاعب والمؤسسات الشبابية.ويُلاحظ أن هذه الإجراءات، رغم أهميتها، لا تزال بحاجة إلى ربط استراتيجي بين التعليم وسوق العمل، بما يعزز الكفاءة التشغيلية، ويقلل من التوظيف غير المنتج

 

سادسًا: تعزيز الأمن وتثبيت سلطة الدولة: حققت الحكومة تقدمًا ملحوظًا في الملف الأمني، ومن أبرز ما يُذكر:* تعزيز سيطرة الدولة على الحدود، ومحاربة تهريب المخدرات والسلاح.* تقنين حمل السلاح خارج إطار الدولة، مع التشديد على وحدة القرار الأمني.* دعم الأجهزة الأمنية في المحافظات، وتوفير احتياجاتها اللوجستية والتقنية.ويُسجل لحكومة السوداني محاولتها إعادة التوازن بين فرض القانون واحترام الحريات، من خلال ضبط الأداء الأمني وتقليل المظاهر المسلحة غير الرسمية.

 

خاتمة

 

يمكن القول إن حكومة محمد شياع السوداني قد أظهرت، خلال عامها الأول، توجهًا واقعيًا نحو إعادة ضبط الإيقاع التنفيذي للدولة العراقية، مستفيدة من الدعم السياسي النسبي، والرغبة المجتمعية بالإصلاح.وقد ركزت على الملفات العاجلة التي تلامس حياة المواطن، مع خطوات أولية نحو الإصلاح المؤسسي، في بيئة سياسية لا تخلو من العقبات البنيوية.ورغم التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي ورثتها حكومة السوداني، إلا أن ما تحقق حتى الآن يمكن اعتباره تحولًا إيجابيًا نحو بناء مؤسسات الدولة، وترسيخ القانون، وتحقيق التنمية. ومع ذلك، تبقى الإنجازات معرضة للتقييم المستمر، ولا غنى عن الرقابة البرلمانية والشعبية لضمان استدامتها.ويمكن القول إن التجربة الحالية هي اختبار حقيقي لإمكانية إنتاج “نموذج حكم رشيد” في العراق، يُقدِّم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والآنية، ويؤسس لدولة المؤسسات، لا دولة الأشخاص.

المشـاهدات 34   تاريخ الإضافـة 20/07/2025   رقم المحتوى 64900
أضف تقييـم