الأحد 2025/11/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 11.95 مئويـة
نيوز بار
الولايات المتحدة على صفيحٍ ساخن: الشعب في مواجهة الملك ترامب
الولايات المتحدة على صفيحٍ ساخن: الشعب في مواجهة الملك ترامب
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

تعيش الولايات المتحدة هذه الأيام لحظةً غير مسبوقة في تاريخها السياسي الحديث. موجات احتجاجٍ غاضبة تجتاح الولايات من نيويورك إلى كاليفورنيا، تحت شعارٍ لافتٍ صار يتردد في كل الساحات " لا ملوك في أمريكا" No Kings in America!. في بلدٍ طالما قدّم نفسه للعالم بوصفه مهد الديمقراطية الحديثة، يقف الأمريكيون اليوم في مواجهة سؤالٍ وجودي: هل بدأت جمهوريتهم تتحول إلى مملكةٍ مقنّعة يقف على عرشها دونالد ترامب؟

 

الغضب الشعبي... ثورة ضد التتويج السياسي

 

الملايين نزلوا إلى الشوارع رفضاً لما يصفونه بالنزعة الملكية الجديدة التي تحكم سلوك ترامب السياسي. فالرجل الذي يرى نفسه "المنقذ" و"صاحب القرار الأوحد"، تجاوز في نظر منتقديه، كل الأعراف التي تميّز النظام الجمهوري.  صوره وهو يجلس على عرشٍ ذهبي ويرتدي تاجاً في فيديو نشره على منصته Truth Social  لم تكن سوى الشرارة التي فجّرت الغضب الكامن. اعتبرها كثيرون استفزازاً صريحاً لملايين الأمريكيين الذين يرون في الديمقراطية خطاً أحمر لا يُمسّ. لكن ترامب، كعادته، اختار السخرية بدل الاعتذار، وقال في مقابلةٍ تلفزيونية:يقولون إنهم يشيرون إليّ كملك... أنا لست ملكاً، لكنني بالتأكيد لا أهابهم

 

احتجاجات بحجم القارة

 

في نيويورك وحدها، قدّرت الشرطة المشاركين بأكثر من 100 ألف متظاهر، بينما تحدث المنظمون عن سبعة ملايين في أكثر من 2700 موقع عبر البلاد. المدن الكبرى تحوّلت إلى مشاهدٍ رمزية من "الثورة الأمريكية الثانية"، كما وصفتها بعض الصحف الأجنبية. لافتات ضخمة ترفع شعار "لسنا رعايا... نحن مواطنون"، وأصوات تهتف في الساحات  "قاتل أجدادنا الملك جورج من أجل الحرية، لن نسمح بملكٍ جديد باسم ترامب!"المفارقة أن هذه التظاهرات، رغم حجمها التاريخي، بقيت سلمية في معظمها. حتى وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أكدت أن أعمال العنف كانت محدودة، رغم إعلان حالة التأهب في ولاياتٍ مثل تكساس وفرجينيا.

 

انقسام الداخل .. أمريكا تتجادل مع نفسها

 

الاحتجاجات لم تكن مجرد رفضٍ سياسي، بل تعبيرٌ عميق عن أزمةٍ بنيوية تضرب الولايات المتحدة من الداخل. فمنذ عودة ترامب إلى واجهة المشهد، تصاعد الخطاب الشعبوي الذي يهاجم الإعلام والمؤسسات والقضاء، ويقدّس فكرة "الرجل القوي" القادر على تجاوز النظام لحماية الدولة. هذا الخطاب  في نظر منتقديه  يقوّض جوهر الفكرة الأمريكية نفسها، لأن الشعب هو مصدر السلطة وليس الرئيس.السيناتور بيرني ساندرز عبّر عن ذلك بوضوح حين قال في خطابٍ أمام المحتجين:"هذه ليست تظاهرة ضد شخص، بل ضد فكرة أن الرئيس يمكن أن يكون فوق الشعب."في المقابل، يرى أنصار ترامب أن الاحتجاجات مدفوعة من "اليسار الراديكالي" وتهدف إلى تقويض شرعية الرئيس وإضعاف النظام الجمهوري من الداخل، معتبرين أن "No Kings" ليست سوى واجهةٍ جديدة لحركة "أنتيفا" المناهضة للرأسمالية.

 

أمريكا التي تلتهم نفسها

 

الاحتجاجات كشفت أيضاً عن احتقانٍ اجتماعي واقتصادي عميق. فإلى جانب الغضب السياسي، حمل المتظاهرون شعاراتٍ تندد بارتفاع الأسعار، وبسياسات الضرائب، وتسريح الموظفين، وتراجع خدمات التعليم والرعاية الصحية. الأمريكيون، الذين ضاقوا ذرعاً بالتفاوت الطبقي وبالقرارات الفردية التي تهزّ أسواقهم ووظائفهم، خرجوا ليقولوا إن  الديمقراطية ليست رفاهية بل حقٌّ أساسي.وفي هذا السياق، قال البروفيسور مارك فيلدر من جامعة هارفارد لوكالة رويترز:نحن أمام لحظةٍ فارقة... الاحتجاجات ليست ضد ترامب كشخص، بل ضد فكرة أن الديمقراطية يمكن أن تُدار بشخصٍ واحد.

 

روح الجمهورية على المحك

 

ما يجري في الولايات المتحدة اليوم ليس مجرد مشهدٍ احتجاجي عابر، بل اختبارٌ وجودي للديمقراطية الأمريكية نفسها. فالبلاد التي نشأت على رفض الملكية تجد نفسها الآن تواجه خطر التتويج من الداخل، لا عبر تاجٍ من ذهب، بل عبر خطابٍ سلطويٍّ يختزل الدولة في شخصٍ واحد.إنّ صرخة *"لا ملوك في أمريكا" * ليست فقط شعاراً سياسياً، بل نداءً لاستعادة روح الجمهورية الأولى التي قامت عام 1776 على أنقاض الاستبداد الملكي البريطاني.ومهما كان مصير ترامب في الأيام القادمة، يبقى المؤكد أن أمريكا دخلت مرحلة جديدة من الصراع على روحها بين الزعيم والرعية، بين القصر والشارع، بين السلطة والحرية.ففي النهاية، كما كتب أحد المتظاهرين على لافتته:"أمريكا لا تحتاج إلى تاجٍ كي تشعر بالاهتزاز... المعركة اليوم ليست على العرش، بل على الديمقراطية ذاتها."

المشـاهدات 28   تاريخ الإضافـة 01/11/2025   رقم المحتوى 67866
أضف تقييـم