انتخابات تشرين بين جيلين
![]() |
| انتخابات تشرين بين جيلين |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب نوري حمدان |
| النـص :
خمس دورات انتخابية مرّت على العراق منذ عام 2003، تاريخ سقوط النظام السابق الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لأكثر من ثلاثة عقود. هذه الدورات لم تكن مجرد عمليات انتخابية روتينية، بل كانت مؤشرات واضحة على الفارق الكبير بين الأجيال في فهمهم للوطن، وطموحاتهم لمستقبله، وطبيعة مشاركتهم السياسية.
الجيل الجديد: طموح بلا إرث المحاصصة
الشباب يشكلون أكثر من 60% من سكان العراق وفق آخر التعدادات، وهم القوة الديموغرافية الأكبر. لكن رغم هذه الكثرة، يواجه الشباب تحديات جسيمة، أبرزها البطالة المرتفعة التي تصل إلى نحو 36%، والفجوة الكبيرة في الفرص التعليمية والعمل.
شباب 1991–2003: المعاناة تحت الحصار هؤلاء وُلدوا خلال الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرضه مجلس الأمن الدولي بعد حرب الخليج الثانية. كانوا أطفالًا حين عاشوا نقص الغذاء، وانقطاع الدواء، وانهيار الخدمات الأساسية. لم يذنبوا شيئًا، لكنهم حملوا إرث معاناة أهاليهم، وشاهدوا الفساد والتدهور في البنية التحتية والخدمات. اليوم، هذا الجيل يرفض المحاصصة السياسية والفساد، ويطمح إلى بناء دولة مؤسسات تمنح الشباب حقوقهم وفرصهم كاملة.
شباب ما بعد 2003: ولادة بلا حرب مباشرة
أما الذين وُلدوا بعد سقوط النظام الدكتاتوري، فلم يشهدوا حروب النظام السابق أو الحصار، لكنهم عاشوا في ظل نظام سياسي يسيطر عليه تقاسم السلطة بين النخب الطائفية والسياسية. مع ذلك، هؤلاء الشباب أكثر اطلاعًا على العالم الخارجي وأكثر وعيًا بالتفاوت بين واقعهم وواقع شباب الدول المتقدمة من خلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا الوعي يولّد لديهم إحساسًا بالتمرد والمطالبة بالحقوق، ويحفزهم على الابتكار رغم محدودية الموارد.
المستقبل لهم
الأهم من ذلك، أن المستقبل سيكون للشباب، ويجب أن يكون لهم الدور الحقيقي في رسمه. ليس فقط من خلال المشاركة الانتخابية، بل أيضًا عبر الانخراط في تعديل الدستور والقوانين التي تحدد شكل الدولة وآليات الحكم، لتكون مناسبة لطموحاتهم وحماية حقوقهم. إن إشراك الشباب في صياغة القوانين والمؤسسات هو السبيل لضمان عراق يحقق العدالة والمساواة، ويمنح فرصًا حقيقية للجميع.
الجيل القديم: ذاكرة الحروب والحصار ونقد المحاصصة
الجيل الذي عاش حكم النظام السابق يعرف معنى المعاناة عن قرب، فقد شهد الحروب، وتحمّل آثار الحصار، وتعرض لانتهاكات الحقوق والحريات. هذه التجارب شكلت وعيًا عميقًا بالظلم، لكن مع مرور الوقت، ظهر انقسام سياسي داخله:الرافضون للمحاصصة: يرون أن النظام السياسي الجديد لم يحقق العدالة والمساواة، ويطالبون بإصلاحات جذرية وإعطاء الشباب فرصة أكبر لقيادة التغيير. هؤلاء يحذرون من استمرار الفساد والمحاصصة الطائفية التي تقوّض قدرة الدولة على تقديم الخدمات وتحقيق التنمية.المؤيدون للمحاصصة: رغم قبول بعضهم للنظام الحالي، إلا أن استمرار المحاصصة يحمل عيوبًا جسيمة، فهو يؤدي إلى استحواذ النخب على السلطة، ويزيد من الفساد والمحسوبية، ويحد من فرص الشباب في الحصول على وظائف عادلة، ويعطّل بناء دولة المؤسسات. هذا القسم، إذا لم يتم نقده، قد يغفل عن تكلفة استمرار المحاصصة على استقرار الدولة ومصالح الشعب، ولذلك من الضروري إبراز أن دعم هذا النهج ليس مجرد موقف سياسي، بل يحمل مخاطر حقيقية على مستقبل العراق.بهذه الصياغة، نوضح أن قبول بعض الجيل القديم للمحاصصة ليس أمرًا بريئًا أو طبيعيًا، بل له آثار سلبية واضحة على الدولة والمجتمع، ونربطه مباشرة بالحاجة إلى الإصلاح والمساءلة.
مقارنة مع شباب الدول المتقدمة
بينما يحصل الشباب في الدول المتقدمة على فرص تعليمية، وفرص عمل، ودعم ريادة الأعمال، ويتمتعون بحرية التعبير والمشاركة السياسية، يعيش الشباب العراقي في بيئة محدودة الفرص، عالية البطالة، ومقيدة بالفساد والمحاصصة. عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يلمس الشاب العراقي فجوة واضحة بين طموحه وبين ما يعيشه نظراؤه في العالم، لكنه في الوقت نفسه يظهر قدراته العالية في التكنولوجيا والابتكار، وهو ما يجعله أكثر إدراكًا لمستوى التأخر مقارنة بالعالم، وأكثر إصرارًا على التغيير.
الشباب العراقي ووسائل التواصل الاجتماعي
حوالي 73.8% من السكان يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل منتظم، ويعد الشباب أكثر الفئات نشاطًا. هذا الاستخدام يعكس قدرة الشباب على التواصل، التعبير عن آرائهم، الاطلاع على تجارب الآخرين، وحتى تسليط الضوء على المشكلات اليومية. لقد أصبح الإنترنت منصة للشباب العراقي لعرض طموحاتهم، ومواجهة الفساد، والمطالبة بالعدالة، وهو ما يميز هذا الجيل عن سابقه.
الخاتمة..
انتخابات تشرين ليست مجرد عملية تصويت عادية، بل هي اختبار حقيقي لقدرة العراقيين على الجمع بين خبرة الماضي وطموح المستقبل. الجيل القديم يحمل ذاكرة التاريخ بكل مرارته، والجيل الجديد يحمل تطلعات الشباب بكل طاقاتهم، وفي وسط هذه المنافسة والوعي المتزايد، يكمن أمل العراق في بناء دولة المؤسسات، وتقديم الفرص المتساوية، وتحقيق العدالة التي طال انتظارها.لكن السؤال الأهم يبقى: هل البرامج الانتخابية التي أعلنها المرشحون قادرة على تحقيق ما وعدوا به؟الواقع السياسي في العراق، الذي يتسم بمحاصصة طائفية واستحواذ النخب على السلطة، يجعل من تنفيذ هذه البرامج تحديًا حقيقيًا. كثير من وعود المرشحين تتعلق بتحسين الخدمات، وتوفير فرص العمل، ومكافحة الفساد، وتطوير البنية التحتية، وهي أهداف مشروعة، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، وإصلاحات مؤسسية عميقة، وإشراك الشباب بشكل فعّال في صناعة القرار.بعبارة أخرى، البرامج الانتخابية تمثل خريطة طريق محتملة، لكنها وحدها لا تكفي. التنفيذ يعتمد على قدرة الدولة على تجاوز المحاصصة، وكفاءة المؤسسات، ووعي الناخبين بمتابعة ما يُنفذ من وعود، وهو ما يجعل مشاركة الشباب ومراقبتهم الفعالة للسياسات المستقبلية محورًا أساسيًا لتحقيق أي تغيير حقيقي. |
| المشـاهدات 91 تاريخ الإضافـة 01/11/2025 رقم المحتوى 67867 |
أخبار مشـابهة![]() |
اتحاد الرماية يعقد اجتماعاً استثنائياً تمهيداً لانتخابات إدارة جديدة |
![]() |
الكهرباء: استثناء مراكز الاقتراع والمحطات من القطع المبرمج طيلة فترة الانتخابات
|
![]() |
حوارات بين الفن وتقنيات التركيبات الضوئية في "منار ابو ظبي " بدورته الثانية
|
![]() |
الناقد ....
بين ثقافة التراث ورؤى الحداثة |
![]() |
الانتخابات وسيلة يستغلها العقلاء لتحقيق الإنجازات
|
توقيـت بغداد









