ثنائيّةُ التَّحكُّمِ بالإنسانِ: الجوعُ والخوفُ![]() |
| ثنائيّةُ التَّحكُّمِ بالإنسانِ: الجوعُ والخوفُ |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب م. حسين زين العابدين الشيخ عبوش |
| النـص :
مفاتيحُ التَّحكُّمِ بالبشرِ هما الجوعُ والخوفُ، لذلكَ ترى الشُّعوبَ المقهورةَ تَرزَحُ تحتَ وَطأةِ الحُكّامِ الدِّكتاتوريِّينَ الذينَ يُجيدونَ اللَّعبَ بهذَينِ العُنصرَينِ بشكلٍ كبيرٍ. فَتَخويفُ الشَّعبِ من المجهولِ، ومن خطرٍ وَهميٍّ يقومونَ باختراعِه، ليبقى بُعبُعًا يُظهِرونهُ كلَّما وُجِدَ وعيٌ ولو بنسبةِ واحدٍ من الألفِ تولَّدَ لدى بعضِ الأفرادِ، فيُهدِّدونَهم بالبُعبُعِ الوَهميِّ وأنَّهُ سوفَ يظهرُ، والوضعُ سوفَ يُصبِحُ سيِّئًا من جديدٍ، وأنَّ الطَّلباتِ التي يطلُبونَها هي ضدَّ مصلحةِ البلدِ، وأنَّ بقاءَ الوضعِ على ما هوَ عليهِ أفضلُ من المجهولِ. ويقومُ بقيَّةُ الأشخاصِ من العوامِ المغلوبينَ على أمرِهم، أو المستفيدينَ بالفتاتِ الذي يَسقُطُ من موائدِ ذلكَ الحاكمِ، بالأخذِ على أيدي الذينَ صَحَوا من خِداعِ المصفوفةِ التي وضَعها ذلكَ النِّظامُ المستبدُّ. وهذا ما يُذكِّرُني بتجربةِ مدرسةِ "الجِشطَلت" التي أجرتْها على مجموعةٍ من القُرودِ، بعقابِ كلِّ قردٍ جديدٍ يُريدُ الوصولَ إلى الموزِ المُعلَّقِ، ثمَّ استُبدِلَتِ القُرودُ تدريجيًّا، لكنَّها أصبحتْ هي من تُعاقِبُ ذلكَ القردَ الجديدَ الذي يُريدُ الموزَ، ولا أحدَ منهم يَعلمُ لماذا هذا المنعُ. فالتحكُّمُ بخوفِ الجماهيرِ هو الأساسُ، ولكنَّ العاملَ الأكثرَ تأثيرًا هو الجوعُ؛ ففي القرآنِ الكريمِ ذُكِرَ الجوعُ قبلَ الخوفِ في سورةِ قُريشٍ فقال تعالى:(ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ (4)) فالإنسانُ قد يَصبِرُ على الخوفِ ويُواجِهُ، ولكن لا يَصبِرُ على الجوعِ، وقد يَرمي بنفسِه إلى الموتِ في سبيلِ الطعامِ والحصولِ عليه. وهذا ما رأيناهُ ونراهُ يحصلُ؛ فالناسُ مُستعِدَّةٌ لمواجهةِ الموتِ مقابلَ حفنةٍ من دقيقٍ للطعامِ. وأحيانًا يَستعملُ النِّظامُ مع الناسِ نظامَ "جَوِّعْ كَلبَكَ يَتبَعْكَ"، وبينَ فترةٍ وأخرى تراهم يَرمونَ بعضَ العِظامِ لكي يَسدَّ البعضُ جوعَهم. وهذا الشيءُ تحدَّثَ عنه مالكوم إكس (مالكوم شهباز) في مقارنةٍ بين "عبدِ البيتِ" و"عبدِ الحقلِ". فعبدُ البيتِ، وهو في هذا البيتِ مُستعبَدٌ ومُهانٌ وذليلٌ، مُستعِدٌّ للموتِ في سبيلِ سيِّده، وهو أوَّلُ من يركُضُ لإطفاءِ المنزلِ إذا ما احترقَ، بل إنَّهُ مُستعِدٌّ للمرضِ بدلَ سيِّده. فهو قد استبدلَ حُرِّيَّتَهُ بفتاتِ الطعامِ الساقطِ من موائدِ سيِّده، وهو مُستعِدٌّ لبيعِ أبناءِ جِلدتِه في سبيلِ هذه المزايا التي أقنعَهُ بها عقلُهُ القاصرُ. وهذه العواملُ هي التي تعملُ على إرساءِ حكمِ الحاكمِ الظالمِ المستبدِّ. |
| المشـاهدات 123 تاريخ الإضافـة 18/11/2025 رقم المحتوى 68371 |
توقيـت بغداد




