الأربعاء 2025/12/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 10.95 مئويـة
نيوز بار
جماسي وقيامة تقويض اللغز
جماسي وقيامة تقويض اللغز
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

  

اسماعيل ابراهيم عبد

الجزء الثاني

ثالثاً : سيزيف يُعَمِّد السرد

نرى ان سيزيف سيُعَمّد (سرديات جماسي) بالاستشعار , كون ذلك مرحلة استباقية للحدث في القص , يتسلم قوته من نظيره الذي سبقه , يقيم لنفسه مبدأ لشعرية الوصف كقيمة للكهانة المخلقة . ونتوقع انه سيعمد الى خلق حدث مفتوح لن يلم القارئ به مهما حاول استيعابه . وللتعرف على مراحل التحولات الاستشعارية علينا ان نتعمد (مثله) ان ندخل منطقة الغموض الفني , وندك بفأسنا حجر القص الصلب (الصعب) , الذي ربما لن نتوصل الى كشف غطاء الابهام او الايهام عنه الا بالتخمين . قد نجد ضالتنا في قصة الصرخة الأولى , إذ يعمد الكاتب الى أن يضعنا أمام كهانات عديدة , يقارب بينها              عبر اللا جدوى , كما سنرى ..لنتابع .

أ ـ كهانة اسماعيل

[* الى روح اسماعيل عيسى بكر] ـ المجموعة , ص39

استحضر الكاتب لهذه الكهانة غطاء , هو الكاتب (اسماعيل عيسى بكر) ليحقق الاحتفاء بكاتب مهم توفي قبل 26عاماً , فاستعاده مثل من يتكهن عودته للحياة , او انه سيُبْعَثُ قاصاً نابغاً مثل اسماعيل عيسى بكر , وفي هذا سيكون موت الكاتب اسماعيل تضحية تقارب تضحية النبي اسماعيل (ع) اذ هما يضحيان من أجل غاية واحدة , هي رفعة الكلمة (الرؤيا) لـ (اسماعيل عيسى) بالعمل حد التفاني , الذي أوصله الى المرض  المميت , واسماعيل النبي الذي أوصلته الكلمة في رؤية أبيه الى الاقتراب من الذبح .  الكاتب (جماسي) جعلنا ـ بتعمد ـ ان (نتكهن) لنخلق كهانة التناص عبر الاهداء فقط , ولن يكرر ذلك لأنه استشعار سيمضي قدماً مثل ومضة ضوء .

وسيزيف الذي طوره البير كامو , استلمه كاظم جماسي منه , وصنَّع به سيزيف جديداً , سيصير ـ لاحقاً ـ سريالي , يعاني من ثقل الزمن , والغربة , كونه من رحم امرأة تعادل النساء جميعاً , ومن ظهر رجل غريب الابداع اسمه (اسماعيل عيسى بكر) .                  

ب ـ كهانة سيزيف الرحم الخالد

لنقرأ :

[الأمر الملغز الذي وهنت محاولات ادراكه حتى الساعة : لم هذا الكم اللا محصور من الأرحام لأمه ؟!.. وكيف تمكنت من الاتصال ببعضها كحجرات تنتظمها دهاليز لا نهائية في كهف عظيم؟] ـ المجموعة , ص39                   

وطالما عادت الروح لاسماعيل عيسى بكر , اذاً لتعود أرحام الأمهات كلهن عبره .                هذه الكهانة تتنبأ بالمستحيلات , إذ يتحول الرحم الذي احتوى اسماعيل الى أرحام             لا حصر لها , ستنجب الأنبياء , والأُدباء , والفنانين , والفلاسفة ومصممي النصب العملاقة , لذا ستكون الكهانة التي يوحي بها الكاتب عمداً (تمكنت ـ الأرحام ـ من الاتصال ببعضها كحجرات تنتظمها دهاليز لا نهائية في كهف عظيم؟) , هي التوقع بأن الرحم الخيّر سيرتقي بالبشر الى مرحلة خلق حضارة الجمال والسلام . لكن ثمة كهف!.

ج ـ كهانة سيزيف الكهف

ان الذي يجمع بين مستحيلات جماسي واسماعيل وسيزيف السريالي هو ضخامة صخرة الوجود , الذي يبدأ من رحم واحد ثم ينتقل الى ارحام خالدة , ثم الى صلائد ودهاليز من حجر , ثم الى دهاليز عظيمة , ثم الى قضيب ورجل ـ من صورة متخيلة لتمثال له كهانة الايجاد والامحاء . مثلما قي المشد الآتي :

[كان متكئا الى عمود معدني ذي قطر عملاق ... فوق دكة كونكريتية ..., تغلفها قطع من السيراميك المنقوش بإيقونة رجل كث اللحية وشعر الرأس , عار سوى أنه يستر وسطه بخرقة بالية , فيما ينوء ظهره بحمل صخرة جبارة , مناضلاً للارتقاء بها الى أعلى]([1]). هذا سيزيف السريالي .

لنبحث عن اسماعيل في : [مرمر الدكة الصلد راح ينحت فيه الماء جارفاً في ممراته الخاصة ما تهاوى منه ومن ايقوناته وراح الرجل , حامل الصخرة الجبارة , مهشما ومفتتاً , يطفو مع أعقاب السجائر والأكياس الورقية المدعوكة ونفيات أُخر , على سطح الماء ..]([2]).   

اسماعيل هنا روح تواقة للماء الذي يمثل كناية عن الخير والجمال والطيبة , وكل شيء هنا يطفو مثل روح اسماعيل عيسى بكر , ومحطات القطار التي توحي بالمغادرة صارت تمضي باسماعيل الى المجهول مثل العمود ومثل الماء ومثل القبر , ومثل أي تمثال غادر معناه , ومثل اسماعيل بصخرة همومه الجبارة وتآكل جدران حياة حاملها , ومثل اسماعيل ابن سيزيف السريالي .

رابعاً : سيمياء اللقطة المهدورة  

سيمياء القول او اشاريته تمتد في تشكلها من حروف اللفظة في الذهن حتى تشكلها المجرد في الكتابة , فعندما تتصل المؤشرات ببعضها لفظاً وجملاً فأنها تكوّن فضاء , وكذلك حدوداً , فضلاً عن انعكاسها داخل المتن الكتابي . قد يتلاعب القاص كثيراً بتركيب الجملة الواحدة (اللقطة) , أي ببدئها ومنتهاها . قد يبدأُها بحال نفس ضالة  , وقد ينهيها بأكثر من نهاية لمعنى قيمي للفضيلة , وفي كل حالة يهدر رموزاً ويقيم أخرى , ثم يلغي ويحيي , وهكذا , فيحقق فرادة نفسية فنية مربكة , نافعة!, ومن طبيعة هذا الاشتغال ان يتجاوز سيمياء اللفظة لأجل التثبت من سيمياء (الجملة) عبر توالي جمل السرد ووضع حدود الفضاء القصصي , ومرافقته لانعكاس النكوص الداخلي , والاحتفاء بمفارقة سيمياء اللقطة الأخيرة . لنتابع.   

في البدء علينا التأكيد على ان جملة السرد تعني ـ (لنا) ـ لقطة تكتمل عبرها واقعة سردية ما . هذه الجملة تبدأ بتفصيل أولي يتلاحق قُدماً حتى تكتمل الحادثة المفردة للسرد , ثم تنتظم بمجرى النص الكلي . ولن تتوقف عنايتنا على التشكل المتتالي لـ لقطة القص من بدء الجملة حتى اكتمال الحادثة . لنتابع .

[كأي لص , ظل مستثاراً , متربصاً , منذ ان هجع ليلاً أفراد عائلته , أمه وأبوه وأخوته ذكوراً واناثاً , وقد توزعت مناماتهم سطح الدار.

كانت الساعة , على وجه التقريب , قد جاوزت منتصف الليل ... أجال ببصره بتركيز مضاعف ... ثم جلس متوفزاً , مستقيم الظهر , متلفتا ... وشحنات مختلطة من الاثارة والخوف تنشط ... متغلغلة في زوايا جسمه كلها]([3]).

بعد المرور البصري المتفكر على المشد السابق سنجد ان الكاتب /

1 ـ رصد الحال النفسي للمجرم , وطبيعته النفسية .

2 ـ يعدُّ هذا المرور نادراً في القص العراقي , إذ ان أكثر القصاصين العراقيين يُظهرون الصفات الشخصية للمعتدى عليه لا العكس .

3 ـ تبدأ اللقطة بحال شبيهة بحال لص في منتصف الليل يرغب بتنفيذ جريمة , ثم يتطور الحال وتتبدل الاشارات ليتألف مشهد زماني مكاني (لص متربص ينتظر نوم عائلته , يرصد طبيعة النوم , في اشارة الى ان اللص سيتغطى بالليل لينفذ سرقته) , تلك العبارات افرزت اشارة واحدة هي محاولة سرقة لـ (لص مضطرب) , واللص المضطرب سيؤلف اشارة ثانية عبر بصره , واشارة ثالثة عبر الشحنات المختلفة , والاشارة الثانية والثالثة يؤلفان اشارة رابعة هي  تغلغل الرغبة والخوف في تركيبة الاضطراب النفسي للص . في بوح بعيد لإشارة خامسة هي عدم تنفيذ الجريمة .

4 ـ هذا التوالي للإشارات يعزز قيمة الفرض الذي يقول (عندما تتصل الإشارات ببعضها لفظاً وجملاً فستكوّن فضاء , وكذلك حدوداً) , وحدود الفضاء هي حال جديد لإشارة كبيرة سنجدها عند المقطع الآتي :

[تسلق الستارة , ليمسي الان خامس الاجساد على السطح المجاور ... صعق لمرأى فخذين بضين ممتلئين ينفرجان وطرف الثوب ينحسر حتى المنتصف منهما]([4]).

ـ ان الفضاء ـ هنا ـ هو كل السطوح وكل النائمين فوقها وكل الجائعين الى جريمة الاشباع العاطفي .

ـ اما حدود الفضاء فتتجاوز ذلك نكوصاً او ارتداداً الى داخل قيمة الجسد الحسية مثلما   في :

[كانت سمانة الجسد الباذخة المشدودة , الواهبة الممتنعة , الصارمة الجذلة , مصدر عناء كبير , لا , بل شقاء ممض يسكنه منذ شهور طوال . الجسد الفارع من دون استطالة , الممتلئ من دون بدانه , السامق سكونا والراقص حركة , المهيمن في صحوه ومنامه , ها هو الآن , مطروحا أمامه ... يعد بالمزيد..., يدعوه ,وهو الجائع ...,الظامئ ...]([5]).

ـ وما ان نغادر عذاب الروح والجسد حتى تنكشف لعبة غاية في المخاتلة , نحس اننا تم استدراجنا الى فخ نصبه لنا الراوي , هدرنا لقطات الجوع والأماني ودوافع الجريمة , لنصحو على مفارقة صنعتها لنا الاشارات التي تلقيناها خطأ وأهدرنا أُنسها الجمالي حين وصلنا الى سيمياء اكتمال اللقطة عند الاشارة الأخيرة التي يمكن لنا وصفها بالخيبة الجليلة , عندما نعي ما وراء المقطع الآتي :

[فيما هو على هذا المنوال , ثقلت أجفانه رواح جسده مخدرا يطفو , قسما فقسما على وسائد مترفة من احلام وردية ..

في الفجر , ولحاف الليل يبدأ انحساره , ليكشف عن دفعة أولى من نور الشمس , فيما مأذنة الجامع القريب أخذت تصدح : الله أكبر.. الله أكبر .. صحا مغمغماً متثائباً , على لكزات توقظه ..

كانت أُمه , تسأله باستغراب :ــ خيرك بُني؟ ما الذي جرى لكَ تترك فراشكَ وتنام بحضني؟]([6]).   

 

[1] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 39

[2] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 41

[3] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 44

[4] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 45

[5] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 45 , 46

[6] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 47 , 48

المشـاهدات 21   تاريخ الإضافـة 02/12/2025   رقم المحتوى 68640
أضف تقييـم