الأربعاء 2025/4/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 37.95 مئويـة
نيوز بار
رحيل الشاعرة لميعة عباس عمارة... افولُ نجم الرقة والعذوبة
رحيل الشاعرة لميعة عباس عمارة... افولُ نجم الرقة والعذوبة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منال الحسن
النـص :

أصعب المواقف عند الإنسان حين يعاني مرضا وهو بعيد عن أرضه وناسه، يعيش الغربة مهما كان مكانه جميلا وراقيا ومريحا، فهناك شرخ في الروح يظل حاضرا، لا يمكن لنا أن نرتقه او نتجاهله، وهذا الشعور اعيشه انا يوميا، كوني بعيدة عن وطني وأهلي واحبتي، على الرغم من انني اتواصل معهم، إلا انني لا يمكن ان اتجاهل سهام الغربة التي ترمى علي في كل لحظة اعيشها غريبة...

تعمّق هذا الإحساس عندي وانا افجع بنبأ رحيل شاعرة الجمال والرقة والعذوبة لميعة عباس عمارة، التي عاشت نار الغربة، فيما قلبها وروحها يتجولان في ربوع الوطن وازقة بغداد وحاراتها،. وما قصائدها التي يتناقلها محبوها ومتابعو ابداعها إلا دليل واضح على حنينها الجارف للوطن وتفاصيل الحياة المحببة البسيطة في ربوعه، طيبا وبهجة وصدقا ومحبة ونقاء.

قد لا أضيف شيئا جديدا وانا اتحدث عن القيمة الأدبية والثقافية والوطنية للشاعرة الراحلة، فسيرتها معلومة، ومجايلتها للشعراء الرواد الافذاذ تحدث عنها وذكرها اكثر من ناقد وباحث ومعني بالأدب وتاريخه ومراحل تطوره، لذلك ارتايت ان اتحدث عن ظاهرة رموزنا الإبداعية وهم يرحلون بعيدا عن وطنهم، وكلهم حسرات واحزان على هذا المصير الذي اختاروه قسرا، لا رغبة. فعاشوا حزنا ومعاناة حتى فارقوا الحياة وهم في سحابة حلم مزمن اسمه العراق، تغنوا به، ووضعوه وشما على صدورهم، وتباهوا به في كل محفل، لأنهم يعرفون ان انتماءهم ليس لمرحلة او حكم او طبقة سياسية او حزب معين، بل لعمق ارض الرافدين، ارض الحضارات والاشعاع الفكري والإبداع والاصالة، ارض الطيبة والعطاء والشهامة والكرم، التي قدمت حشودا من المبدعين والكفاءاتِ التي شهد العالم لها، وهذا الانتماء الذي يتعمق فينا اكثر كلما زادت مدة بعدنا عن الوطن، وانا أؤكد انني في خضمّ هذه المشاعر والأحاسيس اعيشها كل لحظة، متمنية العودة إلى أحضان بلدي رغم مآسيه وازماته وما يمر به ويعانيه أبناء شعبي الصابرون المتحملون المتأملون تغييرا نحو الأحسن...

إن رحيل الشاعرة العذبة الكبيرة لميعة عباس عمارة، وقبلها رموز آخرون، َسيتبعها حتما مبدعون غرباء على لائحة الانتظار، هو رحيل مؤلم مفجع، يشعرنا جميعا بالتقصير تجاه الذين صنعوا هوية الوطن الثقافية، واعلوا رايته بين الرايات والبلدان والامم، ولعل القاصي والداني حين يسمع الالقاء الرقيق للراحلة لميعة، وهي تشدو لقصائدها سواء باللغة الفصحى ام باللهجة الشعبية، سيشعر بأنه يسمع ذروة التعبير الشعري، والغناء الوجداني العذب، ويسمع إلى تجربة كبيرة امتدت حقا من زمن الرواد في تجديدهم المبهر للقصيدة وخروجهم عن النمط التقليدي لنظام الشطرين، لينثروا التفعيلة ويتحرروا بقصائدهم من رتابة الإيقاع المتكرر بذات الوتيرة من بداية القصيدة إلى ختامها.

لقد تعرفت بشكل شخصي على تجربة الشاعرة الراحلة لميعة عباس عمارة لأول مرة من خلال قراءتي مجموعتها الشعرية الرائعة ( لو انباني العراف) ومع القصيدة التي حملت عنوانها المجموعة  الشعرية، أحسست انني امام قامة إبداعية كبيرة، وبقيت في ذاكرتي ارددها دائما :

لو انبأني العراف

انك يوما ستكون حبيبي

لم اكتب غزلا في رجل

خرساء اصلي

لتظل حبيبي.....

...........

بعد قراءتي هذه المجموعة الشعرية، وكنت حينها في بداية قراءتي الأدبية، وبداية كتابتي المحاولات الأولى في الشعر، حرصت على ان اتابع كل اعمال الشاعرة عمارة، وقرات عنها وعن حياتها، وعن حب الشاعر بدر شاكر السياب لها، َوكتابته اكثر من قصيدة عنها، فهي الرقيقة الجميلة المرهفة، التي جعلت الشاعر يتدفق أحاسيس تجاهها. وهي المبدعة الاستثنائية التي حفرت اسمها الأدبي بقوة بين عمالقة الشعر العربي، وصارت رمزا من رموز الوطن التي نعتز جميعا بها وبمكانتها الثقافية.

ان رحيل الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة خسارة حقيقية، لن تعوض، وستبقى ذكراها خالدة في ضمير ووجدان كل مثقف ومتذوق وعاشق للشعر والأدب، ندعو الله العلي القدير أن يشملها برحمته الواسعة وان يسكنها جنان الخلد،

 

المشـاهدات 661   تاريخ الإضافـة 26/06/2021   رقم المحتوى 11535
أضف تقييـم