
![]() |
في ذكرى إحتلال العراق.. بعض الوقائع التي سبقت أو تزامنت مع الإحتلال |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : في مثل هذه الأيام يكون قد مرّ على إحتلال العراق أكثر من عقدين من السنين العجاف، بطريقة دارت حولها الكثير من القصص والتكهنات والأسرار، خصوصا في الفترة التي سبقت أو خلال عمليات العدوان والإحتلال. كانت لجنة التنسيق والمتابعة (لجنة ٦٥)، التي إنبثقت عن مؤتمر لندن قد عقدت إجتماعها الأول في أربيل قبل بداية العدوان بشهرين أو أقل، وحضر الإجتماع زلماي خليل زاد ممثلا للولايات المتحدة الأمريكية، وبعد إجتماعات إستمرت (16) يوما رفض خلالها خليل زاد أي فكرة أو نقاش يتعلقان بتشكيل حكومة مؤقتة وإصدار إعلان دستوري مؤقت يبين نوع الحكم والعلاقة بين السلطات وحقوق وواجبات المواطنين، مما كشف بصورة مباشرة النوايا الأمريكية الحقيقية بإحتلال العراق وإقتصار دور المعارضة على مجرد توفير ديكور وغطاء سياسي للعدوان والإحتلال.وفي خضم أجواء الشك والقلق التي إنتابت بعض أطراف المعارضة من النوايا الأمريكية، حاول خليل زاد اللعب بأوراقه الطائفية عبر طلب الإجتماع بما سماه الأطراف ((السنية)) في لجنة التنسيق والمتابعة، التي حضرها أعضاء من خارج ما سُمي بأطراف ((سنية)) طرحوا أنفسهم كمستقلين عن الكتل الرئيسة، أذكر منهم موفق الربيعي وصفية السهيل. حاول خليل زاد مع بداية الإجتماع التقرب من المجتمعين عبر طرح نفسه كمسلم ((سني)) أفغاني، وأنه حريص على أن نأخذ دورنا في المعادلة السياسية القادمة، فأخبرته مباشرة بأنني أمثّل حزباً قومياً عربياً ناصرياً هو الحزب الطليعي الإشتراكي الناصري، ولا علاقة لنا كحزب بأي ثنائية طائفية وهمية، وبالتالي أنا غير معني بما تسموه أطرافاً((سنية))، ومسألة تغيير النظام هي مسؤولية الشعب العراقي وحده كحق من حقوقه المشروعة التي أقرّتها القوانين الوطنية والدولية والإنسانية، وهو موقف سبق وأن عبرت عنه شخصيا في كلمة ألقيتها أثناء إنعقاد مؤتمر لندن في أواخر سنة 2002.وإزاء المواقف السلبية التي غيّمت على الأجواء لم يتمخض، لا إجتماع لجنة التنسيق ولا الإجتماع (( السني)) المُصّغر سوى عن تشكيل لجنة خماسية قيادية على أساس طائفي وعرقي. وقد رفضنا الإشتراك في اللجنة الخماسية، وأصدرنا بياناً من قبل تسعة أشخاص رفضنا فيه الترشيح أو بناء الدولة على أساس طائفي وعرقي، وضمت الأسماء حسب الحروف الأبجدية: أيهم السامرائي، حسين الجبوري، خليل الجربا، سعدون الدليمي، طارق الأعظمي، عبد الستار الجميلي، فليح السامرائي، مشعان الجبوري، ووفيق السامرائي .. وفي مواجهة رفضنا الترشيح في اللجنة، جرى ترشيح الدكتور عدنان الباججي من قبل بعض منظمي المؤتمر وبالإتفاق مع خليل زاد ، إلاّ أنّ الدكتور الباججي سارع إلى إصدار بيان من الإمارات أكد فيه أنه متضامن مع إخوته في صلاح الدين ويرفض الترشيح على أساس طائفي، وبالتالي إنفض الاجتماع بقيادة رباعية وتشكيل لجان شكلية لذرّ الرماد في العيون، وإصدار بيان تقليدي أصريت خلاله على أن يتم فيه التأكيد على هوية العراق العربية، وقد ساندنا فيه الدكتور عادل عبد المهدي، فيما أبدى ممثل لأحد الأطراف موجهاً الكلام لي، بأنكم تريدون العودة بنا إلى شعارات الوحدة العربية من جديد، وأجبته بأن العراق بلد عربي، والوحدة العربية جزء من نسيجه التاريخي والجغرافي والمصيري، مذكراً إياه بأنّ العراق كان يُسمى بروسيا العرب، ذلك الإقليم الألماني الذي لعب دوراً قاعدياً مركزياً في تحقيق الوحدة الألمانية سابقاً.وحين عدنا إلى السليمانية جرى إجتماع في بيت السيد نوشيروان مصطفى الذي كان القيادي الثاني في الإتحاد الوطني الكردستاني في ذلك التاريخ، وقد ضم الإجتماع بعض التسعة المذكورين أعلاه، مع قيادات كردية وبعض قيادات المعارضة من بينهم أحمد الجلبي، وبعد مداولات جرى التصويت على أي النظامين الجمهوري أم الملكي الذي سيطبق في العراق؟ وكان هناك شبه إجماع على تبنى النظام الجمهوري، وحين وصلني الدور للتصويت، قال الجلبي لا حاجة لتصويت الجميلي، فمن غير المعقول ان يكون هناك ناصريا مع النظام الملكي.. وما إنْ أبدى أغلب الحاضرين تخوفهم من النوايا الأمريكية بإحتلال العراق، أكد الجلبي بأنّنا ما أن نقتل خمسين جنديا أمريكيا سيهرب الأمريكان من العراق مباشرة.. وعلى هامش هذا الإجتماع دعاني السيد نوشيروان إلى التفكير بتشكيل حزب سياسي وطني مفتوح للعراقيين جميعا لخوض الإنتخابات وفق برنامج وطني ديمقراطي، إذا ما سقط النظام وتحققت الديمقراطية وفق المعلن من المشروع المطروح، وأجبته أنّها فكرة جيدة لكن وضع العراق داخليا وإقليميا أكثر تعقيداً مما يمكن أن نفكر فيه في هذه المرحلة التي لا يمكن التكهن بنتائجها. ( وقد حقق الرجل نصف فكرته بعد ذلك بمغادرة الإتحاد الوطني الكردستاني وتشكيل كتلة التغيير التي إقتصرت على العنصر الكردي قيادة وقاعدة، التي حققت نجاحات باهرة على مستوى إنتخابات الإقليم والإنتخابات العامة في العراق، إلاّ أنّ الكتلة سرعان ما تراجعت بعد وفاته). كان الإتجاه العام عند بعض أطراف المعارضة، وكل حسب موقفه المعلن أو المخفي، التحفظ ليس على فكرة الإحتلال ذاتها، ولكن على تحييدهم وعدم إعطائهم أي دور والقلق من خفايا التفكير والتخطيط الأمريكي لما بعد الإحتلال، خصوصا الأطراف التي كانت تخطط لإسقاط النظام والدولة معا على أمل بناء محمياتها الخاصة بها.إزاء هذه الوقائع غير المطمئنة، وخلال تنفيذ العدوان الأمريكي، فوجئت بموعد لقاء مستعجل مع مام جلال في التاسعة مساء، وعند وصولي بادرني مام جلال بالقول بأن الأمريكيين مجموعة من الكلاب الأغبياء وعلينا أن نتحرك بشكل عاجل، وإقترح أن يؤمن لي مع الأخ كوسرت رسول وشخص ثالث لقبه الهركي لم يحظرني إسمه، خطة للدخول إلى مدينة الموصل بالإتفاق مع الضباط الذين تنسقون وننسق معهم، للسيطرة على المدينة وإذاعة بيان عبر تلفزيون الموصل، ومن ثم الزحف حتى مدينة تكريت لفرض أمر واقع على الأمريكيين الذين يفكرون بإحتلال العراق وفق مصلحتهم وخططهم.. وبعد مداولات تم الإتفاق على أن نذهب خلال يومين أو أكثر بعد تأمين الإتصال بالأطراف المتواجدة في الموصل.. وقبل تنفيذ التحرك باتجاه الموصل فوجئت بطلب لقاء سريع آخر مع مام جلال، وعند وصولي أخبرني بآَن الخطة قد تم كشفها من قبل حزب معين، الذي وضع مجموعة كمائن لإلقاء القبض علينا وربما تسليمنا للنظام الذي لم يسقط بعد.. وإقترح أن نحدد أسماء الضباط الذين سيحتاجون إلى حماية عند إحتلال الموصل، وبعد أن شكرته على فكرة الحماية، طلبت مهلة لتحديد الأسماء إذا ما كانت هناك ضرورة لذلك، وافترقنا.. ولم نلتق إلاّ في مدينة كلار بعد الإحتلال حين دخلتُ كركوك وإلتقيتُ بالشيخ برهان العاصي الذي حمّلني رسالة تحريرية فيها دبلوماسية لبقة، ورسالة شفهية فيها تهديد مباشر، طالباً من مام جلال المجيء إلى كركوك فوراً لحلّ المشكلة حيث تهددت حياة المواطنين في كركوك والحويجة وغيرها من المناطق من قبل عناصر كردية مسلحة، وأكد الشيخ العاصي بأنه صار لنا يومين نحاول جاهدين منع الشباب العربي في الحويجة وكركوك من حمل السلاح والدخول في مواجهات مباشرة مع مصادر الخطر التي تهددنا جميعا، ولن تكون النتائج في صالح الجميع.. وقد سارع مام جلال إلى تلبية الدعوة مباشرة حيث إجتمع صباحاً مع الحاضرين في محافظة كركوك ورفع يده محذرا بأن هذه الورقة هي من جاءت به لحل المشكلة عبر التقاسم المتساوي للإدارة في كركوك، وقد بقيت صورته معلقة في كركوك وهو يحمل رسالة التحذير التي كتبها الشيخ برهان العاصي بخط يده، وسلمتها مع الرسالة الشفوية الى مام جلال في كلار حين كان يتناول العشاء الذي أصرّ أن أشاركه فيه مع إبني الأصغر "معمر" الذي كان معي، وحين رأى إصراري على ضرورة قراء الرسالة التحريرية وسماع الرسالة الشفوية قبل تناول الطعام، أدرك خطورة الموقف، وبالتالي حرص على تلبية الدعوة، حيث كان لحضوره دوراً رئيساً في تفكيك المشكلة. لتبدأ بعد ذلك مرحلة من أصعب المراحل التي مرّ بها العراق، حيث مارس الإحتلال ابشع أنواع الجرائم الدولية التي يندى لها الجبين الإنساني راح ضحيتها ملايين العراقيين بين شهيد ومصاب ونازح ولاجئ، فضلا عن تدمير البنى التحتية البشرية والمادية، وانتهاك الحقوق والحرمات العامة والخاصة، وفرض المحاصصة الطائفية والعنصرية، وفتح حدود العراق لكل أنواع التدخل والتموضع والإرهاب والفساد والاستبداد، تحت شعارات ديمقراطية وإنسانية زائفة. ومن جانب آخر تغيّرت المواقف عند بعض ممَن أبدوا تحفظاً أو تخوفاً أو رفضاً للإحتلال الأمريكي، فسارعوا إلى التنسيق مع الإحتلال على أساس أنّه أمر واقع، مقابل تولي المناصب والإندماج في عمليته السياسية الهجينة التي غرق العراق وما زال يغرق، دولة ومجتمعاً، في حصادها البائس، وتداعياته المفتوحة لكل الإحتمالات.
|
المشـاهدات 747 تاريخ الإضافـة 02/04/2023 رقم المحتوى 18037 |