الخميس 2024/4/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 30.95 مئويـة
على ورق الورد ماذا نريد من الفنون ؟
على ورق الورد ماذا نريد من الفنون ؟
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

منذر عبد الحر

 

      حين يشعر الفرد ُ منّا بالاختناق والضيق في زحام الحياة وتجاذبات همومها ومشاغلها واحباطاتها يلجأ لما يروّح عن نفسه , حيث يفتح ُ نافذة الذات على ممكنات الإطلالة على عوالم تخفف من أعبائه وترطّب أعماق روحه فيصغي لصوت ٍ خفيّ ٍ مستلّ ٍ في الغالب من ذاكرته المحتشدة حتماً بالأحداث والأشخاص والأمكنة , التي ترتبط ُ كلّها عندي شخصيّاً بأغنيات ٍ ومعزوفات ٍ أرمي نفسي في خضمّها ساعة أغدو كالحالة التي رصدها شاعرنا العظيم المتنبي إذ قال :

 

رماني الدهرُ بالأرزاء حتى .................فؤادي في غشاء من نبالِ

 

فصرتُ إذا أصابتني سـهـامٌ ..................تكسرتِ النصال على النصالِ

 

فعشتُ ولا أبالي بالرزايا ....................لأني ما انتفعت بأن أبالي  

 

      أما إلى أين أسوق إصغائي , فهو في كل مرّة على جرف ساقية يشهد ُ مرور سفن أشرعتها التأمل ُ ومسارُها التعبير ُ عن هاجس ٍ نفسيّ يرتبط بخيط خفيّ في أذهاننا , وفي إحدى سواقي ترقبي وإصغائي , فتحت ُ باب الاستماع إلى حفلة ٍ خاصة ٍ بعنوان جلسة عراقية أو عمالقة الغناء العراقي , شارك فيها كلّ ٌ من ياس خضر وسعدي الحلي وسعدون جابر وأمل  خضير وكريم منصور وعارف محسن , والجلسة خطط لها أن تكون منبرا ً أو ديوانا ً للشجن العراقيّ النبيل الذي شارك في أدائه جميع المطربين وهم يقدمون أغنيات ٍ ذات طابع خاص يؤرخ ويقف شاهداً مهما وصريحا ومباشرا على الواقع الذي كان يعيشه العراق والظروف القاهرة التي كان يمرّ بها , فالجلسة منتصف تسعينيات القرن الماضي , يعني في ذروة إحساس الشعب العراقي بوطأة الحصار , أما مكان إقامتها فهو عمّان , حيث المنفذ الوحيد – حينها – للعراقيين الهاربين من محنة ٍ لم يروا في الأفق أيّ إشارة لحلّها ...لذلك جاءت الأغنيات متناغمة مع حزن البلاد وكأنها تنسج منسجمة متوحدة النشيج الوطني للشعب العراقي , سمعت ُ الجلسة كاملة بكل حوّاسي وأنا أعود ُ لقراءة تلك السنوات , تنتابني مشاعر مختلطة , وأنا أعيد تفاصيل حياتي آنذاك , متذكّرا ً كلّ شيء , أصدقاء ً وأحداثا ً وصورا ً وحكايات ٍ, ومواجع  تضحكنا من شدة أحزانها !.

 

      نعم , تقف ُ أغنيات ٌ وأعمال ٌ فنيّة ٌ وثقافيّة ٌ صادقة ٌ وهي تعبّر كشاهد ضمير ٍ حيّ ٍ على معاناة شعبنا الذي عانى ويعاني وسيظلّ يعاني , وسرّ نجاحها وخلودها في الضمير أنها تعبّرُ بعمق عن هموم الناس وآلامهم , وتتحدث بروح بعيدة عن الشعارات والخطابات السياسية واللافتات والهتافات , بل هي من صلب أوجاع الناس , من دموع الأيتام والأرامل والشهداء والعشّاق الذين فرّقتهم مآسي البلاد وظلوا يعانون الفراق وصدق الحب ونقائه .

 

      إذن , مطلوب ٌ من الفنون أن تتناغم مع هموم الشعب وأوجاعهم لتكتب لنفسها الخلود , وأن تكون بمثابة شاهد تاريخي على ما يمرّ به العراق الجريح من ويلات ٍ وفتن ٍ وجراح ٍ , لا يجيد السياسيّ حاكماً أم منظراً التعامل مع عمقه , فتتصدى له الفنون تعبيرا ً مجسدا ً في عمل موسيقيّ أو عمل مسرحي أو تلفزيوني أو سينمائيّ أو لوحة تشكيلية , شرطه الأول صدق التجربة والتفاعل الحساس مع الشعب في كل مطالبه وهمومه وأوجاعه وآماله وتطلعاته , والتعبير بأرقى الأساليب وأعلى التقنيات الفنية والحرفيّة , لتكون متكاملة أداء وتعبيرا ً وتجربة ...هذا هو المطلوب من الفنون كلّها ...

 

 

المشـاهدات 273   تاريخ الإضافـة 04/06/2023   رقم المحتوى 22745
أضف تقييـم