الإثنين 2024/4/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
منال الحسن ابنة الشمس
منال الحسن ابنة الشمس
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناصر أبوعون

قال لي منذر عبدالحر: انظر في مرآة سطورها؛ ماذا ترى؟، قلتُ: (ابنة الشمس)؛ في يمينها العراق يسيل الشعر من فُراتِه، وأعلى يسار صدرها (سالار) تتلألأ ضحكته أقمارا وتفك بمراودته عن لعبته العُصابة عن عيون (يآيِىء الرافدين) لتفقأ بمناقيرها عيون الخوف، فيدلق ورد خديها على قبح العالم ليورق نَعْنَاعُها قصائد تصطاد النوارس بشصِّ الجمال، وعلى زندها مُلِّئَتْ دِجلةُ من غرام (المشاحيف) التي تحتضن (البلالم) في رقصة (تانجو) على سطح موجة وقعت في عشق المجاديف التي تفضُّ بكارة الماء تحت أستار الأغنيات المُطلة من نوافذ بيوت تتلصص على شهقة عشق شقّت صدر الأهوار فشفّها الوجد[للعناق في الجنوب/وهو مثقل بالشجن/الممتد عميقا في الجذور/منذ أن سقى كلكامش الأرض بدموعه/.. إنه ملح الطيبة وحناؤها/ إنه الحقول/والشعراء/ والعشاق/ والأمواج التي حملت أمنيات/وهي ترسم البسمة من بين دموعها/يا لسحر العناق/حين يلخص عشق جهات الأرض كلها/في هديل الجنوب].

فلمّا أن دخلت (منال الحسن) صرح الشعر حَسِبته لُجَّةً من موسيقى، وكشفت عن كونشرتو غوايتها، ونصبت شِراك الكلمات لتصطاد الصور المحلّقة في سماء القصيدة، وتفُكَّ تعاويذ الحروف المتشابكة على بياض الورق؛ فتسيل البساطة نهرَ عسلٍ من المعاني المتناسلة وتتشظّى لتكشف عن رؤى جديدة، وتمزّق أستار الغموض، وتُفسِّر الرؤيا في حضرة التأويل، وتغازل الأفكار المستلقية على شفاه الأسطر؛ لتطفيء نيران فتنتها[متباهيةً/ أرتقي سفينة حلم/ أمواجها لهفتي/ وولعي/وغنائي/ ألبس حبك تاجا/ يجعلني أسير بخطى دَهِشَة/ كل خطوة تعشب خضرة/ كل ضوء أراه شجرة/ ثمارها عشق/ أضعه عاليا/ وأمر به على الملوك/ فيطأطئون قلوبهم/ وتنحدر من عيونهم رغبات/ أرها شاحبة/ وأنا أسير إليك/ أطوي المسافات/بخفة طائر ملون].

وبعيدا عن التعقيد، وقصديّة التجديد، والرغبة في كتابة مغايرة للمألوف عمّدا تصبُّ منال الحسن قصائدها في نهر (البساطة)، دون ارتكاب خطيئة التجديد مع سبق الإصرار على الإنجاز، والترصد للأفكار المؤدلجة المستحمة في بحر التنظير النقدي الذي غرق فيه كثير من "أدعياء" قصيدة النثر، ثم لَفَظَهم على شواطيء نواصيهم الكاذبة.

لقد نجحت (الشاعرة الحسن) في الانتقال بالمعاني المطروقة والمبتذلة أحيانا والطوّافة على ألسنة العوام - الذين لم يعرفوا يوما كيف يفضّ الحبر بكارة البياض، ولم تجرح أناملهم حواف الورق، ولم يُبلل أطراف الصفحات لعابُ أفكارهم – من حدود النثر البريء إلى (الشعريّ المطلق) عبر توظيف البِنى الإيقاعية لتشكّل لغة جديدة تتولّد على سطوحها المستعرة طاقاتٌ دِلاليةٌ تنشطر وتتشظّى إلى رؤى وتعبيرات وجدانية ثريّة تبعث من خلالها رسائل ظاهرها مشفّر وباطها واضح وجليّ[أيها العاقل جدا/المتواري في الصمت/السائر في لجة غابة/المسكون بخدعة العقل/وهمس الانتظار/ووهم الترقب/هل تعرف أن في هذا القلب/الذي وضعه الله عاليا..عاليا/في أعلى زاوية الصدر اليسرى/رفيفا وأغنية/ووجع انتظار/وحكايات عشق/وبوح غرام/وهديل يتصاعد شجنا/في هذا القلب/صراخ/ولكنه صامت/ونداء/لكنه مغلف بالحيرة/..فاخلع جلباب العقل/وتعال بكامل طفولتك/لنؤدي رقصتنا الصوفية].

في ديوان (ابنة الشمس) للشاعرة منال الحسن تبزغ ست سمات واضحة بهية - وقد يكون للبيئة الأوربية النصيب الأكبر من التأثير حيث تعيش الشاعرة هناك، بل صارت تلك البيئة جزءًا أصيلا ونواة مركزية في المنتوج الإدبيّ للموجة الأخيرة من (مدرسة المهجر العربية) التي تأسست بعد اشتعال الربيع العربيّ وتساهم في رفد التربة الغربيّة بجينات إبداعية جديدة، مع إعادة التموضع التاريخيّ، لاستيلاد غابة جديدة من الشعر العربيّ تمتد جذورها عابرةً البحار والمحيطات إلى الشرق لتستقي منه لغة لاتموت ولاتنقرض.

لقد لاحظنا في هذا الديوان (تمحورًا حول الذات لا منكفئة عليها) عبر سريالية تنطلق من التجربة الداخلية للشاعرة تنفي كل ما هو خارجها؛ هذا فضلا عن الاتكاء على (لغة بصرية) توظّف منتجات ما بعد الحداثة وسطوة التكنولوجيا ليتعادل كل ما هو مرئي مدرك مع كل ما هو باطنيّ مضمر استنادا على آلية التأويل اللامتناهي، والتي تعمل ذاتيا لدى القاريء أينما ولّى وجهه. وتنطلق الشاعرة من (وحدة الجملة) التي تتحرك مكوكيا داخل مدار عريض لا حدود له من الوحدة العضوية ولا تلفت لكل ما هو خارجها، مرتكزة في بنائها المعماري على مداميك من (التكثيف اللفظي) عبر بنية إيقاعية عميقة الدلالة.[كعادتي كل صباح/أنهض بكسل/أزيح بقايا النجوم/عن حلم تأخر في الذوبان/أشرع نافذة القلب/أتنفس بعمق شوق/نظراتك لي/أرتدي ثوبي/أعدل شرودي/أريق ابتسامة على شفتي/وأركض إلى المرآة/متلهفة/لأرى بقايا انتظاري/وسحنة شجني/وأرى ما تركه الليل/على عيني من السهر].

 

المشـاهدات 97   تاريخ الإضافـة 02/03/2024   رقم المحتوى 41008
أضف تقييـم