الأحد 2024/4/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
المخيلة المتدفقة وتحول الفكرة الى صورة في(شؤون يومية)
المخيلة المتدفقة وتحول الفكرة الى صورة في(شؤون يومية)
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 علوان السلمان

(الكتابة مهمةٌ جسيمة غرضها تحريض الإنسان على بذل قصارى جهوده لتجاوز الوحش الكامن في أعماقه)  كازانتزاكي..

...القصة القصيرة  جدا.. فن الايجاز ٌ القائمٌ بحدّ ذاته ..والمتميز بتقنية تقيّده بحدث واحد كما تقيّد زمانها بالقِصَر وأمكنتها وشخصياتها بالقِلّة..وهي تتجاوز الكيف والمتى والاين؟..انها نص حداثوي عدائي..كما يقول يوجين أونيسكو وهذه(العدائية تمتزج بالأصالة.. وهي تقلق ما اعتاد عليه الناس من أفكار) فهي تبالغ في قصرها

دون ان تفقد مقوماتها بحكم امتلاكها القدرة التعبيرية وامتداداتها في العمق  التاريخي..                                                                                      

  وباستحضار المجموعة القصصية(شؤون يومية)..التي نسجت عوالمها انامل منتجها القاص محمد جمال الطحان.. واسهمت دار نون4/حلب.. في نشرها وانتشارها/2024 ..كونها تتسم  بخصوصيتها التركيبية ووحدتها العضوية مع ايحاء وتفرد في الايقاع والصور واللغة الرامزة والفكرة المنبثقة من بين سطورها السردية.. فضلا عن ان المنتج(السارد) يتعامل والوجدان الاجتماعي ..كون قصصه تعبر عن حب متسام داخل الوجود بصورة عفوية..فضلا عن تعاملها والوجدان المشترك الذي هو المظهر الوجداني الاجتماعي المثير لانفعالات الوجود الانساني..

لقد صدق حدسي.. القاضي نزيه ولا يأخذ رشوة من أحد..)

منذ أسبوعين عرض عليَّ أحمد دعواه مؤيَّدة بالمستندات، وتذمّر من أن القاضي لن يبتّ بالدعوى مالم يتقاضَ ألفي دولار..

ولأن القاضي من معارفي الشرفاء، أخذت المستندات وذهبت بها إليه... ولكنني لم أتمكّن من الاتصال بأحمد لأخبره بالنتيجة، وبما أنه بيننا الآن، يسعدني أن أصحّح الخطأ الذي وقع فيه... فالقاضي نزيه كما كنت أعتقد دائماً.. لأنني عندما شرحت له الموضوع، قال:

أعوذ بالله.. دعواه على حق.. ومعاذَ الله.. أنا لا آخذ رشاوى من أحد.. ثم فتح درج مكتبه ودفع إليَّ بجواز سفره قائلاً:

لا أريد منه سوى حجز تذكرتين لي ولزوجتي على متن طائرة مسافرة إلى السعودية، فلقد حننتُ إلى الديار المقدّسة، وأريد أن أعتمر..)

 

  فالبناء السردي يعتمد آلية جمالية مركزها المغامرة والتجريب وفق رؤى إبداعية متمكنة من السرد بوعي يكشف عنه امتلاك منتجهاادواته السردية..فضلا عن ان المنتج (السارد) يحاول استنطاق  اللحظات الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة السردية.. باتكائه على اشتغال عميق يعتمد الجزئيات وينسجها نسجا رؤيويا يرقى من المحسوس الى الذهني.. باستثماره الالفاظ المشحونة بطاقات تعبيرية تكشف عن تعامل صوره مع الفكرة فتبدو بصرية حسية مع بناء درامي يستمد من تفاعل ذات السارد بواقعه بتأملية مؤثرة منبعثة من لغة موحية..متدفقة..ومنسابة بهدوء جاذب..مع تميزه  بدفقة درامية من خلال بروز عنصر الحوار الذي يشكل وسيلة التوصيل داخل النص.. كونه تعبير عن ابعاد فكرية وشعورية.. مع اعتماد حوار الموجودات لخلق معادل اجتماعي واخراج الاشياء من صمتها وسكونها..اضافة الى اشتراك الحسي والمتخيل في البناء النصي ..

(عندما زار المحافظ القرية التي ولد فيها، ليلقي نظرة أخيرة على ديكور قصره الجديد.. عرّج على المقبرة ليزور والديه، فقابله حفّار القبور بحفاوة لا نظير لها.. قرّب فمه الكبير وهو يرفع قدميه ليصل إلى أذن المحافظ هامساً باعتزاز

لقد خبّأت لك قبراً واسعاً.. يطلّ على ساحة المدينة)..

  فالسارد  يركز على التفصيلات الحركية التي تتجلى عن طريق تتابع الافعال وتحديد المكان وابراز معالمه مما اعطى النص دفقا نحو واقعية الحدث..وهو يعتمد الوحدة السردية المتخيلة في (الصورة التي تقدم عقدة فكرية وعاطفية في برهة من الزمن..)على حد تعبير ازرا باوند..فضلا عن توظيف المنتج اللغة استعارية التي تقوم على إلايجاز والترميز وإلايحاء..والحذف إلابداعي  وإلايقاعات المتعددة.. مع اعتماده التركيب الجملي المقتصد.. والبنية الدقيقة والمعمقة»، كما يقول خوسيه خيمينيث لوتانو. وهي تستند إلى الانزياح الذي يعني خلخلة التركيب والمعنى وتدمير الآلة المنطقية.. والخروج عن معاييرالتجاذبات البصرية المألوفة..وبذا يطرح المنتج نص الذروة الدرامية القاطنة في ذهن متمكّن من صياغة نسيج لغوي ناضج المعاني والصور والدلالات..

(بعد عشرة أعوام التقينا في رواق البلدية، سألني:ما الذي تفعله هنا؟ 

قلت: بعد تخرّجي في الجامعة، اشتريت عشرة أمتار من حديقة الجيران في قرية التائه وبنيت عليها غرفة كي أسكنها وأجري فيها تجاربي في الكيمياء الحيوية.. والآن.. أنذرتني البلدية بوجوب إخلائها كي تُهدمها لأنها مخالفة للأنظمة والقوانين المرعية.... تغلّبت على صعوبة انزلاق الكلمات من حلقي.. بلعت لعابي وتابعت..

أريد أن تؤجِّل البلدية عملية الهدم لحين عثوري على غرفة جديدة..

ابتسم عبد المهيمن وهو ينفث دخان سيكاره..

أنا تركت التعليم.. التعليم فقر.. اشتغلت بالتجارة، والتجارة شطارة.. وأخوك صارت أحواله فوق الريح.. صرت بــ "الهاي))

سألته: وما الذي تريده من رئيس البلدية؟..

أجاب: شغلة بسيطة.. تعرف.. منطقة باب المقام في قلب البلد.. صمت برهة.. غبّ سيكاره بتلذّذ.. تحسس جيوبه المنتفخة وهو يقول:

أريد أن أشتري من البلدية مبنى المكتبة الوطنية.. كما تعلم.. المكتبة مبنى ضخم.. لا فائدة منه.. ومكانها ليس هنا.. ليست هناك مشكلة إذا نُقلت المكتبة الوطنية إلى أطراف المدينة.. هنا يُقام مجمّع تجاري (لوكس).. فيد واستفيد..

ولأنني جئت بتوصية من رئيس الجامعة.. جاء دوري قبل عبد المهيمن

حين خرجت لم يلتفت إليّ.. عدّل هندامه بسرعة ودخل..

لم أكن على عجلة من أمري لذلك انتظرته.. حين خرج بدت علائم السرور عليه.. سألته: ما الذي حدث؟ أجاب وقد ضاقت المسافة بين شدقيه وأذنيه..مشي الحال..

التفت وهو يتابع هرولته بعيدا... أجاب وقد ضاقت المسافة بين شدقيه وأذنيه

زرني قريباً.. في مجمّع عبد المهيمن التجاري.. أحب أن نتعاون معاً ونعيد أيام زمان.. فتحت الورقة.. بدأت بقراءتها بتشفٍّ: على السيد هادي الالتزام بالقوانين النافذة.. ويجري الهدم أصولا...)..

  فالنص تكمن فيه خاصية التشكيل الادهاشي والمجاز المتخيل مع سردية تحمل قدرا من الرؤية التي تعبر عن وهج التجربة الانسانية ..اضافة الى ان المنتج (السارد) يجنح الى ان تكون نصوصه رؤيوية تعتمد على استثمار الجملة اللغوية المشحونة بطاقات تعبيرية وتقيم شعريتها على الغرض الموحد لتلك الطاقة التي تتعامل صورها مع الفكرة فتبدو بصرية حسية مع بناء يستمد من تفاعل ذات المنتج (الشاعر) بواقعه عبر تأملية مؤثرة منبعثة من لغة ايحائية متدفقة.. تتجاوز إلى ما هو خارج عن النطاق المنطقيّ والمعقول في التعامل مع الأحداث إلى حدود تصل به إلى الصيغة السريالية.. حيث تفقد الأشياء واقعيتها.. وتتحوّل إلى رموز فكرية مستفزة تستدعي المستهلك (المتلقي/ لاستنطاقها...

   وبذلك قدم المنتج( السارد) نصوصا تعبر عن الهم الذاتي والانساني بمخيلة متدفقة تحول الفكرة الى صورة تعد ( وسيلة ابداعية  لنقل موقف شعوري بعاطفة موحدة وتناغم موسيقي.. تركيبي دلالي..).. فضلا عن اتصاف السرد بالتكثيف وسرعة الإيقاع والحذف والاضمار والرمز والالفاظ الموحية التي تدخل في سياق ما يسمى بشعرية اللغة التي تتخلق من تراكيب الصور فيه.. مع ضربة اسلوبية ادهاشية.. اضافة الى الإفادة من تقنية الفن السيمي المشهدي.. و التشكيلي بخطوطه والوانه..والتَّماس مع الشعر في الارتكاز على الإشارة والإيجاز.. واللغة الحدسية..

 

المشـاهدات 720   تاريخ الإضافـة 26/03/2024   رقم المحتوى 42651
أضف تقييـم