الجمعة 2024/5/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
قصة قصيرة
قصة قصيرة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حبة كنغر

محمد اسماعيل

صدفة، ولد من الجزء الجنوبي للرحم، ذلك الجزء الأوسع فيه "للظلام باب واسع، يدحو الناس غيابته، خارجين،…، إنهم يموتون بعض الشيء، بينما انا عاطل ومؤجل".

*

لم يكن الأمر برمته، غير إلتباس بسيط بالمطر، هطل غزيراً، أوان الطلق المتمخض، عن تسعة أشهر من الحمل الواهن، كرها، نضج خلالها، على ساعات هادئة، في مرجل الظلام.

حين نزل الى الحياة، تهجدت العائلة جمعاء، ساجدة، في حضرة الحيرة والإرتباك؛ لهول المفاجأة.. إلا جدته، المنتصبة.. قائمة، فضحكت، فالتفت الجميع، هابين من سجدتهم، إليها بالنظر، وللسرداب بالظنون.

حدق بعينين أفزعهما الضياء، للوهلة الأولى، كأنهما جرحان، ينزفان الأشياء.. من حوله.. الأهل يحدِّقون، فاغري أفواههم، مثل جراح تنزفه...

*

كلهم ظنوا، أن إلتباساً ما، معقداً وشنيعاً، وراء هذه الولادة الصماء! إلا ان المطر الهامي، خارج الدار، شاغله، فنسي أن يبكي ككل المواليد، وعندما إجتاز الوقت اللازم من دون صراخ، أمام إنتظار الجميع؛ نما ضمير ميت، في رؤوس أصابعه، فراح يتحسس بقايا الدم العالق به، من جنوب الرحم، الذي لفظه تواً.

عرف بضمير أصابعه الميت، أن قلبه حقول، من النباتات المخصية، ذات أمعاء شاردة، يلملمها بهدوء، من دون ما صراخ.

حين رأت جدته، أن حفيدها، ولد بيسر باهت، لا يعقل، صاحت بلغة قديمة، منقرضة: (هذا لا يليق) وضرب خاله، بإصرار، على شراشف النور الحريرية، في زوايا الغرفة، تلك التي.. الهواء والضياء، يحاولان النفاذ منها، منذ أول الزمان حتى آخر الزمان، ولا يفلحان.

المطر الهامي خارج البيت، لم يدارِ خيبة الطلق، الذي ألقى بالجنين، هكذا، من دون حساب.

*

عادت الجدة لتفرح والخال، مع الجميع، فرحاً ينتشر من أعينهم، كالبخار، ليترسب على الجدران، طمياً بحرياً يرسو، شيئاً فشيئاً.

كانوا فرحين به، كأنما هو عائد، من تيه أربعين عاماً، بين رحم أمه وظهر أبيه، ماحياً الحراس المكلفين ببوابة الرحم، منعتقا، من أسار الحندس المضغوط.

*

كلما تحدثت الجدة، إلتفتوا صوب السرداب، متذكرين حادثة دهس.. جدهم داس سهواً على عباءة إمرأة، كانت تسير أمامه، فإختلط الأمر عليه، وسيق الى الإعدام في ظروف غامضة.

السرداب أظلم، ويزداد حندساً، كلما تذكروا الجد المعدوم ببساطة، تاركاً، أرملته تعاني من وضع حفيدها التدريجي.. إستحال السرداب الى صوت معتم، مضغ الجد، على مرأى منهم، حين كاد يبزغ من الأمنيات، مستجمعاً نفسه، في فضاء الغرفة فوق الرؤوس، أوان البشر المطلق، بولادة الحفيد، ولم يتم تجمع الجد.

شددت الجدة قبضتها مرفقة بالوليد… ومع إعتذارهم بضيق الوقت، عن إحتمال الخرافات، إلا أنهم توزعوا مغالطين قناعاتهم، تِبْعَ الصوت الذي مضغ الجد، قبل سطور، وخلفوا الجدة، لا معنى لها، سوى اللهو، محدبة على الوليد.

*

إمتلأ البيت بالسرور، مزاحماً الأنفاس، ومرتسماً على الجدران، مضيقاً ما بينها بشكل يلفت المخاوف.. له شعيرات دموية باهتة، لا تنفعه في الحياة، إلا أنه تماسك، حال وصوله، وملامسة أنسجته الهواء.. الهواء الساكن، في إنتفاخ الغرفة بفرح الأهل.. فرح يداهم الجدران، وأديم ملاطها...

... كما ينبغي…

... له أخت لا تجيد سوى الشتائم، تلهج دائماً بالضجر، وأخ متردد.. ضعيف اللهاث في الليالي الواهنة تحت القمر، إذ يظل يحدق فيه، حتى تدمع عيناه تعباً؛ فأدمن العادة القمرية، وظل أسير ممارستها طوال العمر.

أخواه، سرعان ما يتلبسهما شيطان الضجر؛ فيخليان الساحة للجدة والخال. يستغلانهما.

*

قالت الجدة:

-         حفيدي لا يفقه اللغات العتيقة لكنه فهم بقلبه.

رد الخال من بين صمت العائلة:

-         …………

ففسروا صمته بالـ "كان من الممكن، أن يتم إنجابه في المستشفى، والى جانبه قزم كسيح، ولد من جنوب الرحم مثله، يضحك من عوقه بإستمرار، إذ أن بعض الجنوبيين في حالات الإعاقة القصوى، ينفجرون كالأصابع الملغومة بالهزل، خاصة في المستشفيات؛ فهو من معوقي الزمن، أولئك الذين لا تشفي جراحهم الأعذار، ولا ترقي مخاوفهم الأادعية، فيما لو تم إنجابه في المستشفى".

صباحا.. في اللحظات البكر من فجر المستشفى، جاؤوا بالحليب مطفأ، كالجفت أو عصارة الأحقاد؛ ذلك لأن إنقطاع التيار الكهربائي، بعمق ألف سرداب، من أصل العائلة، إمتص بريق الإحساس بالغذاء، وجذر من عاديته.

*

تم إستقبال الوليد، بإحتفاء، يشوبه السرداب، بأنواع الظنون.

-         سأموت من الضحك، أو من فكرة عصية، تختلج في رأسي.

كانوا جميعاً فرحين به.. مرة واحدة، وبذبذبات تتزامن على غير طاقة الدار، وما إعتادت عليه الجدران، فبدأت تتقوض.

*

مات القزم، جنوبا، الى اليسار، في السرير السابع من ليل المستشفى، وقيل في السرير الثاني عشر.. مات في إثنين وسبعين سريراً، مرة واحدة والى الأبد، حينها كان المطر يكوي أسلاك الكهرباء ببعض التماس.

بينما هم حزانى لموت القزم، أعدم الجد، في غفلة منهم، قبل أن يتموا الإلتفات نحو السرداب جيداً.

تحسس الوجوه بضمير أصابعه الميت؛ فرأى أخته تطمن حاجاتها الأنثوية بالرهبنة، وأخاه يدمن العادة القمرية.. ضعفا.. أيام بروك الليل جاثياً على الدار بالشتاء والمطر وإنقطاع الكهرباء، ورأى الى خاله يشكو تهتكه وإنحلاله الأخلاقي طوال العمر، من دون أن يقدم عليه فعلاً، إنما هو محض إدعاء شوهه سمعته متباهياً.

*

أسقط بيد جدته؛ حالما علمت بشفافية تعلقه بنبراس.. حب يوارب دونما هوى صريح، فهو يغازلها على طريقة الشفلات والكرابات وحادلات الشوارع البلدية، المنغرزة في ضلع المدينة، اذ ظن في الكريدرات حباً جماً، ومشاعر لاتستكين، وفي دنابر الإسمنت وخلاطاته، معيناً خرافياً لا ينضب.. يعذب قلبه بالألفة والحنين.

تذكرت الجدة، بلغتها المنقرضة، أنها تاهت.. يوماً ما.. أربعين عاماً، في صحراء سيناء، عرضاً وطولاً، دعت ربها خلال التيه:

-         رب دع من ذريتي أولياء يحبون فداءً للطافة.

*

عامت تباشير الصباح، فوق آخر موجة من ظلام، يمكن لزفير الليل أن ينفثها، إذا ما تنفس.

*

أحب نبراس ببساطة الأشياء الفقيرة، الملقاة باهمال، في باحة الدار:

طبق من الالمنيوم تشققت حواشيه بفعل القدم.. بطانية مت

المشـاهدات 67   تاريخ الإضافـة 07/04/2024   رقم المحتوى 43491
أضف تقييـم