الثلاثاء 2024/5/14 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
الاعتزال الفني حرية شخصية.. لكن ما هي الأسباب؟ الجمهور العربي لا يقبل فكرة الاعتزال لأن نظرته إلى الفن مشوهة.
الاعتزال الفني حرية شخصية.. لكن ما هي الأسباب؟ الجمهور العربي لا يقبل فكرة الاعتزال لأن نظرته إلى الفن مشوهة.
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

متابعة ـ الدستور

رغم أن اعتزال الفن أمر عادي للغاية، ويعود غالبا إلى أسباب خاصة بالمبدع أو قراره التقاعد من المهنة، فإنه في العالم العربي فعل مختلف ومثير دائما للجدل، خاصة حين يكون لأسباب دينية. وهو ما يكشف الفهم المغلوط للفن في مجتمعات تعتبره انحلالا وفعلا خارجا عن الأخلاق وغيره من الصور المشوهة.الاعتزال المهني لدى بعض نجوم الفن والرياضة والإعلام، وكذلك السياسة في العالم الغربي، أمر يحصل دائما، ويستقبله أحباء ومتابعو هذه الشخصية أو تلك، بشيء من التأسف أو التفهم ثم تمضي قاطرة الحياة دون توقف مكتفية بالتذكر والاعتراف والتقدير.أما فكرة الاعتزال في العالم العربي فترافقها دائما ضجة وجدل حول الدواعي والأسباب، وينقسم على إثرها الناس بحدة بين مؤيدين ورافضين، ذلك أن المعطيات والحيثيات ليست نفسها، وكذلك طبيعة الجمهور وعلاقته بالفن ونجومه.

 

المجتمع والفن

 

لعل أمرا آخر وخفيا يعطي تفسيرا لعدم تقبل الجمهور العربي لفكرة الاعتزال، هو اعتياده على “الديمومة المزمنة” في عالم الحكم والسياسة، مما ينسحب على الساحة الفنية والرياضية ويعطيها حساسية خاصة.ويأتي سبب آخر أكثر وجاهة وجدلا في ظاهرة اعتزال الفنانين التي راجت في تسعينيات القرن الماضي، وهو تدين بعض نجوم الفن والتمثيل، خصوصا في الساحة المصرية، والقول بتكريس ما تبقى من حياتهم في خدمة ما يسمونه بالتعبد والتقرب من الله، الأمر الذي جعل بعضهم يرتبط بجماعات دعوية، وحتى تكفيرية.ومن هؤلاء من يعتزل الفن ثمّ يعود إليه لذات الأسباب. وفي هذا الصدد، يقول الناقد الفني المصري طارق الشناوي “من يدعون على الفن بما ليس فيه، وفي الغالب يعودون مرة أخرى، لا يفعلون ذلك بدوافع خاصة بهم، بل يعتقد أنهم مدفعون من جهات ودوائر يهمها تصدير صورة ‘الفن الحرام‘، والسوشيال ميديا ساعدتهم على ذلك”.ويشرح الشناوي الظاهرة قائلا “الأمر لعبة، وفي الغالب قد يكون مدفوعا، وهو ما حدث مثلا مع المطرب اللبناني فضل شاكر الذي اعتزل وهاجم الفن وحرمه ثمّ عاد مرة أخرى للغناء هو وابنه، فقد تعودنا على المفاجآت”.ويطرح هذا الموضوع سجالا طويلا ومعقدا حول علاقة الفرد العربي بالفن والإبداع من جهة، والإيمان والتدين من جهة أخرى. ذلك أنها علاقة قلقة وغير حاسمة أو متصالحة مع الجانب الروحي ذي الحضور الفعال في الشخصية العربية، التي تتعامل مع الفن بنظرة مسترابة.الأسباب كثيرة، متداخلة ومعقدة تلخصها علاقة المجتمع العربي بالفن، واختزاله من قبل غالبية الناس في حالات انحلال أخلاقي وفق نظرة العامة، وكذلك ظروف دخول بعض الفنانين إلى هذا الوسط الذي أسسته ودعمته شخصيات وافدة على الثقافة العربية، كما هو الشأن بالنسبة لـ”خواجات الفن” في مصر الثلاثينيات والأربعينيات على سبيل المثال.هذه النزعة التي تنظر إلى فنون الغناء والتمثيل في العالم العربي كحالة دخيلة وغير متأصلة في تربتنا، تجعل من فكرة الاعتزال حالة متوقعة باعتبار أن صاحبها “قد ثاب إلى رشده”.أما ما تبقى من الأسباب والدواعي الأخرى للاعتزال الفني فتبقى في غالبيتها شخصية وتتعلق بالتقدم في العمر وفقدان القدرة على مواكبة العصر ومجاراته، لكن يندر وجود حالات اعتزال تتعلق بموقف فكري ورأي نقدي مقنع.من الصعب جدا ـ في العموم ـ أن نربط فكرة الاعتزال الفني والإبداعي بالتقاعد المهني، لكنه كذلك في العالم العربي، على اعتبار أن الفن مهنة قد أدت مهمتها ومكنت صاحبها من جمع “تحويشة العمر”.. وآن له أن يستريح، خصوصا بالنسبة للنجوم الذين غنموا المال الكثير من عالمي التمثيل والغناء.

 

الاعتزال وارد

 

ثمة من يجد نفسه مضطرا للاعتزال بسبب كل هذه الأسباب مجتمعة، يضاف إليها عدم القدرة على مواكبة ما يقدمه الجيل الجديد، وفق منطق العصر وتبدل وتطور وسائل التبليغ وأدوات الإقناع وتغير المفاهيم، كنجم الكوميديا المصري عادل إمام الذي أعلنت وسائل الإعلام المصرية منذ أيام قليلة عن قراره اعتزال الفن بعد سنوات طويلة مليئة بالعطاء والإبداع.هذا القرار الذي أكده ابنه المخرج رامي إمام أثار ضجة كبيرة في الوسط الفني، إلا أن النجم المصري يؤكد أنه اتخذ هذا القرار للتفرغ للحياة الأسرية والاستمتاع بأوقاته مع أبنائه وأحفاده.ومهما يكن من أمر، فإن اعتزال نجوم التمثيل والغناء أمر وارد وفي كل بلدان العالم، وذلك لأسباب منطقية تتعلق بالصحة والأسرة وما إلى ذلك، بالإضافة إلى الحضور المسرحي تحت الأضواء والكاميرات وما يتطلبه ذلك من جهد ولياقة بدنية.كل هذا مبرر في فني التمثيل والغناء، لكن هناك حقلا إبداعيا يصعب فيه الاعتزال مهما كان العمر، وهو الكتابة والاستمرار في التأليف الفكري أو الدرامي والأدبي، ذلك أن هذا النمط الإبداعي لا يعترف بالتقاعد إلا فيما ندر من حالات مقنعة، كالوضع الصحي مثلا.أما عن الموقف الفكري والوجودي حول اعتزال الكتابة فأمر نادر ويوجد عند أقلية من المبدعين، كالكاتب الجزائري مالك حداد الذي اعتزل الكتابة الروائية بسبب موقفه من لغة المستعمر، ولم يكن يتقن الكتابة بلغة سواها.عدم تمكن مالك حداد من العربية جعله يصبح “أول شهيد لها” كما قالت مواطنته الكاتبة أحلام مستغانمي، وأطلق جملته الشهيرة عند اعتزاله “لا تطرقوا بابي كل هذا الطرق، إني لم أعد أسكن هنا”.حصيلة القول، إن الاعتزال الفني وارد وفي جميع الثقافات، لكن ما نختلف عنه هو أسبابه وحيثياته المتعلقة بمحيطه الثقافي والاجتماعي. لكن الاعتزال الإبداعي في مجال التفكير والكتابة الأدبية، أمر يصعب تقبله لأن الإبداع ـ وببساطة ـ لا يعترف لا بعمر، ولا بوظيفة، ولا بتقاعد.

 

حكيم مرزوقي

المشـاهدات 78   تاريخ الإضافـة 28/04/2024   رقم المحتوى 44646
أضف تقييـم