السبت 2024/5/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
مراثي/ دموع النهر للشاعر منذر عبد الحر
مراثي/ دموع النهر للشاعر منذر عبد الحر
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ايمان عبدالحسين

 

بدءا لا بد ان اعترف من انني حينما اردت قراءة قصيدة واحدة  من ديوان الشاعر منذر عبدالحر المعنون دموع النهر الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة لكي اعطيها حقها في مكان محدود المساحة ينقل فيها الشاعر عناصر تجربته وذلك لان الجزء في اعتقادي لا بد حتما يكمل الكل،  لكني تراجعت متفقة مع راي ربورت شولتز ان القارىء يعطي القراءة حقها كلما وضع(نصب عينيه مراثي اكثر في حالة قراءة قصيدة رثاء فتازداد جمال القصيدة المقرؤة وغناها) (روبرت شولز ،السيمياء والتاويل، ص74)،وايضا ان تركنا كقراء احرار في التأويل امر ليس ممكنا ذلك لاننا حتما  نكون واقعين تحت رحمة الشفرات المتنوعة التي تشكلنا، فانني اذا ما حاولت ان اضع في حسابي اغلب المجاميع الابداعية للشاعر منذر عبدالحر والتي تتعلق بكيفية تناوله لادواته الفنية للموضوع الذي ينشئ عبره تجربته فانني لا يمكنني الابتعاد عن ثيمة الموت والفقدان التي تهيمن على اغلب قصائده وهذا ما احاول قراءته هنا ايضا ،لا سيما في حضور الموت وهيمنته على نصوص قصائدة الاولى المهداة الى الراحلين فتغدو لصيقة وملازمة له مكونة حجر الاساس في ثيمة القصائد موضع قراءتنا ، والحقيقة أن الاهداء الى الراحلين باسمائهم الصريحة يخلق ايهاما بان القصيدة جزء من الحياة الواقعية لذلك نراه حين ينطلق بدءا في القصيدة يبدو وكأنه يستانف الوقائع، وان سر احتفاء الشاعر منذر عبد الحر بالموت الذي يعد الاكثر انشغالا بموضوعه و أقربهم ملامسة له يكمن أساساً كما قلت في غير موقع انفا هي الحروب التي افرزت غيوما من الحزن والالم، الحروب التي اسهمت برحيل الاحبة، واسهمت في الوقت ذاته في تحقيق فكرة القصائد هنا جاذبة الى فلكها كل ما هو مرير وقاسي لا سيما ان البعد الواسم لإبداع  الشاعر منذر انه يتماهى دوما شعره بحياته، فشعره عبارة عن مرآة تعكس همومه دوما، واننا فيما اذا ما مضينا ابعد فاننا يمكننا  ان نؤكد من ان الحرب التي سجلت قتللا ودمارا نجدها قد حصدت ثمارها فوق الفضاء الورقي لا سيما في الكتابات الشعرية للكاتب هنا ، وذلك من اجل اعادة الاعتبار للفقدان والرحيل، وفي سبيل مقاومة ما تحققه من ازمات  داخله، والتوق الى التخلص من هيمنتها ومقاومتها بالنص الابداعي ،لا سيما ان الموت ياتي دائما ملازما للانفعال والتألم في الشعر المعاصر( لانه ملازم للاحساس بالزمن فرديا وحضاريا بحيث العذاب الجسدي يتضامن مع الغياب وبالملازمة يجعل الشاعر المعاصر من الموت ملتقى الرغبات وتعارض الاختيارات (محمد بنيس ،الشعر الغربي المعاصر بنياته وابدالالتها ص214)، فمن خلال هذه القصائد المهداة للاصدقاء الاحبة الراحلين  يرغب الشاعرعلى تحقيق نوع من اللقاء بينه وبينهم، و من خلالها يرغب في تحقيق هدف بالوصول إلى المنعطف الزمني الذي يجمعه بهما فهو بهذا يضعنا أمام زمنين متباعدين ، يحمل قارئه على  مواجهتهما معاً الأول هو زمن الراحلين( ما زال اصدقاؤك من رعاة الفجر/ينتظرونك في ساحة الطيران/تعال لهم ببدلتك الانيقة / والفراشة الحمراء التي تطوف رقبتك / تعودوا منك رنين ضحكتك واغانيك الغارقة في الشجن)ص18 ،نجد ان الشاعر في رثائه هنا ينصرف عن النواح الى الاحياء وان الشخص المرثي الذي اذا كان يحيا عبر صورته المبثوثة في القصيدة  فان الشاعر من خلال تخيله يستطيع  تعويض بما يعتمل في داخله من مشاعر لا سيما حسب  الكاتب المغربي محمد اسليم (ان الأحياء، يخسرون ما ربحه الميت وهو الأحاسيس والمشاعر والأفكار التي انتابته وهو يفارق الحياة، هذا الخسران لا يمكن تعويضه إلا بالكتابة، عبر استدعاء ثلاثي الاحتمال والمتخيَّل والاستيهام)،وهذا ما يبدو ايضا في قصيدة سلمان داوود محمد الى اين؟ (يا لطيبتهم/ حفزوك/سعد الصالحي/وحسين سرمك/وعريان السيد خلف/واحمد يعقوب/ومحمد علوان جبر/وحميد الربيعي/ووووو/كلهم يردونك تقرا عليهم /ما تبقى من علاماتك الفارقة/انزل اليهم من غيمتك الارضية /يا للهول/نحن نبكي/وهم يضحكون /نحن نقيم ماتما وهم يحتفلون بك) أما الزمن الثاني فهو الزمن الاني الحاضر زمن كتابة القصيدة زمن الالم والحزن على الفقدان، ومن البديهي ان الشاعر هنا لا يختار من المفردات الا التي تشحن بمناخ النص وتنسجم في افقه ففي مستهل قصيدة لا تمزح معنا يا مروان  نجد ان الموت يبدو مهيمنا عليها (يا لغرابة هذا الصباح/لقد رايت نجوما تتكسر/مثل زجاج المرايا/وتسقط على راسي لانهض فزعا/رايت حمامة ميتة /على باقة زهور اهددتها لاصدقائي /ماذا حل بالشمس /اراها منفوشة الشعر/غاضبة تصرخ /ارى سربا من الغربان يغطي النهار)ص14، وفي مطلع قصيدة ايها العالم كفى ضجيجا التي تاتي  مستهل القصيدة عبارة عن سطرين من النقاط  ثم تتكرر مرتين ايضا  في منتصف القصيدة، (من شرفة صفراء / عجنها النبض بالموت /ذابت عقارب الوقت/وسال دمها على العشب الاصفر)ص17، وفي اعتقادي  ان الشاعر الذي يبدى اهتماما بالمتلقي والذي يعده طرفا في العملية الابداعية بصفته مشاركا في انتاج النص وذلك عبر ترك فجوات عبارة عن نقاط  فوق الفضاء الورقي ليعمل على ملئها ، وهذا ما يتكرر في القصيدة  المعنونة سلمان داوود محمد الى اين التي تبتدا بسطرين من النقاط ثم تتكرر في داخل القصيدة مرتين ايضا  .

كما لا بد من القول من ان الامر الذي لفت انتباهنا حين اردنا معالجة ثيمة الموت والفقدان هو ذاك التكرار لقائمة واسعة من الالفاظ والتي تصب جميعها في المعجم الدلالي لتيمة الموت سواء في تكرار اللفظ ذاته الموت،  يموت ،بالموت، ماتت  او في نقاط التقاء العبارات المشتفة والمتصرفة عن الموت  ببعضها، او من خلال الوقوف على العناصرالمترادفة التي تؤلف بمجموعها مفهوما ورؤية لفكرة الرحيل والموت والتي نراها مبثوثة على امتداد القصائد بدءا من عنوان المجموعة ومرورا بالقصائد التي اخترنا قراءتها كلها  والتي خلقت تربة صالحة للتشاكل والتوليف باتجاه موضوع قراءتنا: المقبرة- الشواهد- شيعوا-يكفنونها-قبره -ماتما،او قد تكون في موازاة مسار العوامل التي تطرح الواقع وانعكاساته ومدى ربطه بالموضوع الاساسي ، في قصيدة  اباونا حراس الشجن: الشجن- الفقر-براثن- اهات-تخبو-المحنة-سقط-احنط-قاحلة-شهقات-حطام –انين-الارواح.

في قصيدة ايها العالم كفى ضجيجا:دم- الاصفر-وحيدا –الشجن-الحزينة-تفيض دمعا-انينك-للوجع-يتوارى-الغربة-الفجائع-الذاوي-الجريح-اهات-سقط-نشيجنا-نزيف- جراح-يذبل.

 في قصيدة لا تمزح معنا يا مروان:تتكسر-تسقط-فزعا-زهور-تصرخ-الغربان-انطفا الوهج-حنطت-كسرت-قطع-الراحلين .

في قصيدة سلمان داوود محمد ... الى اين ؟:غمامات-الفجيعة-الانتظار-لوعة-غريق-جف-انطفات -تنهد-دموعنا-غائب- يهيل- التراب-الاوجاعالحروب-جريح

 وفي اعتقادي انها براعة اشتغالية يمتاز بها الشاعرمنذر عبدالحر في هذه المجموعة الشعرية وهو يختارقصيدة اباؤنا حراس الشجن المهداة الى الصديق الذي يعمل حارسا قرب مقبرة في البدء وذلك من اجل ان يكون حارسا على الاحبة الذين سوف ياتون تباعا، وفي اعتقادي ان هذه القصيدة محاولة من الشاعر للتعبيرعن قلقه العميق تجاه الراحلين، وفيما اذا ما اذا ما جاز لي الانطلاق ابعد  في رؤيتي ان ارى ان الشاعر منذر عبد الحر ايضا اراد من خلال حارس المقبرة  ليبين ويسمع افتراضاً مدى تحرر الاصدقاء  من اثامهم الجسدية  :(وهو يعمل حارسا قرب مقبرة / لا يسمع الا شهقات نفوس تحررت / من اثام الجسد/وسكنت في افاق اليقين).

 

 

 

المشـاهدات 77   تاريخ الإضافـة 04/05/2024   رقم المحتوى 45082
أضف تقييـم