السبت 2024/7/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
ديمقراطية النسب ام ديمقراطية الاختيار؟
ديمقراطية النسب ام ديمقراطية الاختيار؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب بقلم الدكتور هيثم هادي نعمان الهيتي
النـص :

بعد الصراع الطائفي المرير بين البروتستانت والكاثوليك في هولندا و ايرلندا قبل اكثر من قرن، اقترح علماء السياسة هيكلية ديمقراطية ذات ابعاد طائفية بحيث يكون هناك نسبة من السياسيين ممثلين للكاثوليك بقدر حجمهم السكاني ونسبة للبروتستانت أيضا ممثلة لحجمهم السكاني، فعلى سبيل المثال في 1911 سجلت وفقا لإحصاءات سكانية في ايرلندا نسبة الكاثوليك 34.4% في حين سجلت نسبة البروتستانت 61.4% وبالتالي مثلت النخبة البروتستانتية الأغلبية في حين مثلت نسبة الكاثوليك الاقلية ، وبالتالي اعترت ايرلندا الشمالية هي امة ذات اغلبية بروتستانتية ولكن المفاجئة الكبرى بعد مئة عام حصل حدث غير متوقع بعد اجراء الإحصاء السكاني، حيث بين إحصاء جديد ان نسبة الكاثوليك اكثر من نسبة البروتستانت حيث ظهر ان البروتستانت حجمهم 30.5% والكاثوليك كان %42.3 .

ان ذلك يظهر لنا حجم الخطيئة الكبرى في اعتماد الديمقراطية على أسس النسب الطائفي والعرقي للفرد بدلا من اعتماد خياراته العقلانية والمنطقية، ان الإشكالية تكمن أيضا في علم السياسة حيث وضع (البرفسور ايرند لبرد) نظريته الشهيرة (النظرية التوافقية) والتي حدد فيها إمكانية بناء أنظمة سياسية توافقية تحكم استنادا الى حجم السكان الطائفي والعرقي وليس استنادا لحاجاتهم واختياراتهم.

ففي هولندا على سبيل المثال طبقت نظرية (ايرند لبيرت) لفصل الطائفة البروتستانتية عن الطائفة الكاثوليكية الا ان الشعب الهولندي  استاء من هذه النظام والتبرير الديني له فانتفض ومن خلال انتفاضته ظهرت نخب سياسية جديدة طالبت بتغيير النظام وإلغاء الطائفية السياسية لنرى بزوغ نخب وطنية جديدة جعلت النخب الطائفية ترتعب وتتخوف على بقائها فما كان بها الا ان يتفق السياسيون البروتستانت مع الكاثوليك للتوحد ومجابهة صعود المدنية الوطنية، فقام السياسيون البروتستانت والكاثوليك بتشكيل الحزب المسيحي الديمقراطي الذي اصبح فيما بعد حزب الأقليات الطائفية المتطرفة ولتصبح الأحزاب المدنية والعلمانية أحزاب الاغلبية الحاكمة.

في النهاية، ان الديمقراطية لا يمكن ان تبنى على أسس عرقية او طائفية، بل تبنى على أسس طبقية اجتماعية، فحزب العمال الذي نسمع بوجود له في عدة دول في العالم هو الحزب الذي يمثل الطبقات العمالية وهكذا هي الأحزاب الأخرى التي تمثل الطبقات الأخرى اما الأحزاب التي تستند الى الولاء الضيق فان عمرها قصير مقارنة بأعمار الشعوب التي تصبوا شعوبها الى الحرية.

لن اتحدث عن التجربة العراقية، ولكن هذه التجارب في ديمقراطيات الولاء الضيق تعطينا دروسا كبيره لخيارات المستقبل في العراق.

المشـاهدات 136   تاريخ الإضافـة 20/05/2024   رقم المحتوى 46168
أضف تقييـم