لغة الدراما واسلوب الروي في رواية " تَيهٌ في خرائطَ مجهولةٍ " مؤيد عليوي |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : تتمركز أحداث الرواية " تَيهٌ في خرائطَ مجهولةٍ " للروائي ناظم جليل الموسوي بين شخصيتي (جابر، وأخته سلمى) كشخصيتين رئيسيتين، فالشخصية والمكان والزمان .. من أدوات العمل الروائي أو هي المواد الاولية بينما تكون تقنية اسلوب الروي من الفن مثلها مثل الحوار والحبكة الروائية مثلا وتبئير الشخصية الخارجي والداخلي .. تأتي اهمية رواية " تَيهٌ في خرائطَ مجهولةٍ " في السرد الروائي العراقي من ناحية اللغة الدرامية للمتن التي تخلق صورة تمتلك الحركة في الذهن وتنقل الاحساس ، في انسجامها مع اسلوب الروي صوت المتكلم أو أسلوب الراوي العليم ، مكوّنة صورة ذهنية بسهولة عند القارئ العادي أو المتلقي المتبحر، كما أنَّ جزءٌ من الاحداث والمواقف تجري في عالم نادر الكتابة عنه في الريف والمدن العراقية ، عالم بعيد عن اغلب العراقيين ومن يكتب باللغة العربية ، عالم تكون علاقة الانسان الذي اختار العزلة ليعيش مع تربية حيوانات الكلاب وتربية ذئبة لغرض انجاب نوع فريد من مزاوجة كلب قوي من ذئبة، مع تفاصيل كثيرة تأخذ مسافة ووقتا سرديا من المتن وجميع هذه الاحداث متصلة بشخصية جابر وتتم تلك التربية والعناية بالحيوانات الكلاب والذئبة في منزل الكبير جابر من القرية، الذي غدا فيه وحيدا بسبب قتل أبيه لأمه وهروبه ،والزواج المبكر لأخته سلمى وهي طالبة أعدادية ، فبقي وحيدا يعاني العزلة -وربما لو كانت هذه الرواية مكتوبة باللغة الانكليزية او الفرنسية في بلد اوربي وبهذه اللغة الدرامية الصورية لكانت مسلسلا تلفازيا أو فلما سينمائيا- أما من لغة الدراما المتن الروائي بصوت المتكلم لجابر: ( استلقيتُ على فراشي لأسترخي قليلا وإذا بصوت سلمى يملأ سمعي واحد الاصوات الرجالية الخشنة يأتي متقطعا فعرفتُ أنهما جاءا لزيارتي فقزتُ من مكمني .كانت اعظم مفاجآت أيامي وأنا ارى سلمى أمامي بابتسامة عريضة خلت من الحزن وهي تطفئ استعار الشوق من أعماقي، .. ) ص ٦٠ ، في هذا التبئير الداخلي والخارجي لشخصية جابر – بصوت المتكلم - الذي يعيش وحيدا تجد أن لغة الدراما متوافرة وهي تكوّن صورةً ذهنيةً عند القراءة وكاشفة عن احساس الشخصيات : فأختهُ عندما تدخل بيته وتناديه قبل وصولها أمامه، لها دلالة على شوقها من اجل لقياه ،وكذلك حركته ونهوضه من فراشه بقوة عندما سمع صوتها وصوت زوجها ،له دلالة على تعلقه بأخته الوحيدة ،حتى من غير أن نسبق الاقتباس بتوضيح أن من جابر ظل مدة طويلة لم يرَ أخته المتزوجة حديثا سلمى ،وهو يعيش عزلة لم يختارها فكانت ظروفه أقسى منه ومن أخته ، ومثل هذا الاقتباس من لغة دراما المتن الروائي في السرد الفني بمعنى متصل بأسلوب الروي والموقف للشخصية..، وكذلك نجد لغة الدراما في الحوار بين أبي غازي وجابر عندما يسال الاخير عن تربية الكلاب : - لماذا تربطهم بالسلاسل - لكي لا يفتكون بالناس المارة - اذا ربطنا الكلب بحبل من السهولة قطعه فالسلسلة الحديدية متينة وعندما يتحرك الكلب تخرج صوتا تجعله مُسْتَفَزاً - هل الكلب يحتاج الى لياقة ؟ - الكلب الخامل لا ينبح ! - لماذا يخمل الكلب ؟ - عندما يطعم لبنا رائبا في اول ايامه. - اني في كلابك التوحش ! ) ص ٦٢ ويستمر الحوار في كشف تفاصيل تربية كلاب غازي لجابر هذا الحوار ينقل معلومة غير متعارف عليها عن تفاصيل صفات الكلاب وتربيتها ،وله علاقة وطيدة بشخصية جابر من حيث ثلاثة جراء صغيرة سوداء اللون تعلقتْ برجليه الوافقتين فوق صفيحة وفي رأسه حبل لغرض الانتحار، ومنعنهُ من ضعفه في لقطة من الفنتازيا السردية ، واخذ على نفسه تربية تلك الجراء والاعتناء بها وراح يبحث ويسأل عن كل كبيرة وصغيرة في تربيتها لذا نجد الحوار من الاهمية عند جابر وشخصيته كما أنه ينقل صورة متصلة بداخل جابر الذي صار فيما بعد يبادل الكلاب بالأغنام مع اناس تريد كلابا لحراستها حتى صار عنده في بيته الريفي ٣٠ رأس غنم من تلك العملية مع احتفاظه ببعض الكلاب والذئبة .. ثم نجد حوارا له لغة الدراما بين سلمى التي أكملت تعليهما وهي متزوجة وأم لطفل، وحصلت على وظيفة باحثة اجتماعية وتلتقي بخولة التي بلغت الثلاثين وتريد الزواج من جديد، اذ ينتقل السرد من صوت المتكلم الى الحوار كما النص :( لا احد يفهم أعباء الوحدة إلا بعد الالتحام بروح تضخ عليكَ نبضا يضيء الحياة! وجدت في نظرات خولة اشياء غير مُعلنة ..وهي كانت تُحيي ليلتها بطريقة صاخبة تزدحم فيها الانفاس والملامح تكبر ثم تختفي ، كل ذلك يجري سرا في غرفة مكتظة بالمشاعر ! - هل اثمرَ مسعاكِ الى رجل اكتملت صورته في الثلث الاخير من الليل ؟ - طقوس مفتعلة تحتم عليّ ممارستها كل يوم . - هل تبادر لذهنك ِ انك تسقطين كل ليلة بالوهم ؟ - الرجل الذي لم يأتِ والذي يشاكس جسدي في جوف الليل وبعد فراره مني يسكب جحيم عذابات خارقة) ص ١١٥ . فالصورة الذهنية والاحساس لخولة واضحة جليلة من خلال الحوار ونقصد لغة الدراما في المتن خلقت سردا مفعما بالحياة ، إلا اننا نلحظ ان شخصية جابر تعاني الوحدة والعزلة وشخصية خولة كذلك اذا علمنا ان احداث الرواية من السرد كانت تسير في سنة ١٩٩٤ وتنتهي وقت الاحتلال ، وهنا يدخل عنصر التأويل والرمزية وعندما تقرأ الرواية سيكون التأويل والرمزية التي نشير لها من قدرتك ان كنت قارئا عاديا أم ملتقيا متبحرا.. المهم أن لغة الدراما الصورية متوافرة بكثرة في المتن الروائي من رواية " تَيهٌ في خرائطَ مجهولةٍ " للروائي ناظم جليل الموسوي ،طبعة اتحاد أدباء العراق ٢٠٢٣. ثم نلحظ هذا النص بمنولوجه الداخلي لشخصية جابر ( لا احد يدرك اضطرابي وأنا ادخل عالما خاصا. تلقيتُ عرضا مغريا من أبي غازي لبيع احد الكلاب لمربي اغنام يطلقه مع القطيع اثناء الرعي ويحرسها .. سلمته الكلب الذي اسميته جارح وحصلت منه على نعجة ستنجب بعد شهرين ) ص٧٠ ترى مدى الصورة المتكوّنة في ذهنك...
|
المشـاهدات 213 تاريخ الإضافـة 23/06/2024 رقم المحتوى 48158 |