| النـص : يعد قانون الأحوال الشخصية من أهم القوانين كونه ينظم الحياة الأسرية للناس فالزواج والنفقة والحضانة والطلاق والخلع هي أهم موضوعاته، لذا اهتم به المشرع اهتماماً كبيراً، وقانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 من القوانين المهمة الذي تم تشريعه منذ عهد عبدالكريم قاسم وتم أجراء العديد من التعديلات عليه، وهذا القانون يعد من أرصن قوانين الأحوال الشخصية في المنطقة فهو قانون متكامل، وحتى في حالة عدم وجود نص فيه فيما يتعلق بمسألة معينة فهو يحيل القاضي إلى أحكام الشريعة الإسلامية كما نصت المادة الأولى منه والتي جاء فيها: "إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون" بمعنى أن القاضي يستطيع الرجوع إلى الفقه الجعفري أو الفقه السني إذا لم يوجد نص يحكم المسألة المعروضة أمامه، فلماذا هذا الإصرار على تعديل القانون وطرحه بين فترة وأخرى، ففكرة تعديل القانون طرحت في عهد وزير العدل السابق حسن الشمري عام 2014، ثم ظهر مقترح هذا التعديل مؤخراً وتم قراءته قراءة أولى بمجلس النواب، ومن مبررات التخوف من هذا التعديل انه سيفتح الباب أمام زواج القاصرات إذ سيكون الرأي في الزواج بعيداً عن القاضي والمحكمة وإنما تحدده المدونة الشيعية أو السنية ومعلوم أنه حسب آراء بعض المذاهب الإسلامية يباح زواج من بلغت 9 سنوات فما فوق، وربما يقول قائل أن كثير من العوائل المتعلمة والمثقفة لا تقبل بزواج بناتهم بهذا العمر لكن ليس هناك ما يضمن ذلك، فهناك أباء ليس لديهم وعي وثقافة يرضون بزواج بناتهم بهذا العمر من أجل المال أو بداعي الستر وما إلى ذلك فيرمون طفلة صغيرة لا تعي شيئاً في معترك الزواج ومسؤولياته وأعبائه، وهذا يؤدي بما لا شك فيه إلى تعرض نسبة كبيرة من القاصرات للزواج القسري، فالمشرع في قانون الأحوال الشخصية النافذ حينما حدد سن الزواج بـ 18 سنة وأجازه بعمر 15 سنة بشرط موافقة القاضي أراد أن يحد من عقود الزواج خارج أسوار المحكمة، وهذا يعني أن المحاذير التي وضعها المشرع في القانون النافذ تذهب هباءً منثوراً، ثم ان بداية سن الزواج بالنسبة للذكر والأنثى يبدأ من البلوغ وقدرة الطرفين على تحمل مسؤولية الزواج، وهذه مسألة تخضع للعرف وهي في وقتنا الحاضر لا تقل عن بلوغ الطرفين العشرين سنة أو أكثر بقليل من العمر كحد أدنى نظراً لصعوبة الحياة وكثرة متطلباتها ومسؤولياتها، فبداية العمر للزواج ليس مؤصلاً بنصوص شرعية فليس في الروايات الواردة في التراث الإسلامي بخصوص بداية العمر للزواج ما فيه صفة الالزام وإنما هي مجرد آراء وأقوال وردت في عصر الترف الفكري وازدهار العلوم والمعارف. كما أن في مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية هذا تخويل للمجلس العلمي في الوقفين الشيعي والسني مع مجلس الدولة لإعداد مدونة الأحكام الشرعية لمسائل الأحوال الشخصية وكما هو معلوم أن كتابة مقترحات القوانين اختصاص حصري لمجلس النواب وإن كان يجوز له الاستشارة والاستئناس بآراء الخبراء في الوقفين الشيعي والسني، فمقترح هذا التعديل يجعل المفتي أو المجتهد يحل محل القاضي فيما يتعلق في تفسير العلاقة الزوجية وتحديد حقوق الزوجين والتزاماتهما ويخشى من هذا أن يقود إلى انقسام مجتمعي طائفي ومذهبي، كما ان مقترح هذا القانون يسمح بالزواج خارج المحكمة دون أن يطال المتزوج أي عقوبة قانونية يفرضها القانون النافذ والتي غالباً ما تكون مالية وهذا يشجع الزواج بزوجة ثانية أو ثالثة دون تقديم المقبل على الزواج بزوجة ثانية ما يثبت للمحكمة أهليته للزواج وقدرته على تحمل نفقات زواجه الثاني، إضافة إلى تعديلات أخرى تتعلق بحرمان الأم من الحضانة وسلب حقها في الميراث وغيرها من التعديلات التي لا مبرر لها في ظل وجود قانون الأحوال الشخصية النافذ والذي كما أسلفنا يعد من أرصن قوانين الأحوال الشخصية في المنطقة، فهل حلت جميع مشاكل العراق فلم يبقى إلا تعديل قانون الأحوال الشخصية حتى يلتفت إليه المشرع ويشغل الرأي العام به، فالفساد لا يزال ينخر الدولة، ومن هم تحت خط الفقر نسبتهم تقرب من 25% من سكان العراق بحسب الاحصائيات الرسمية، فضلاً عن ازدياد البطالة بين الخريجين والشباب، وسوء الخدمات، وتفشي ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب، وانتشار العنف الأسري، والانتحار وغيرها من المشاكل الكثيرة التي لا زالت بلا حلول أو معالجات، فلماذا هذا الإصرار على هذا التعديل وما هو السر في ذلك؟
|