الثلاثاء 2024/10/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 36.95 مئويـة
الابداع في الفن القصصي في... بقايا رجل وثوب امرأة
الابداع في الفن القصصي في... بقايا رجل وثوب امرأة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

دراسة نقدية                                                   يوسف عبود جويعد

في المجموعة القصصية القصيرة والقصيرة جداً " بقايا رجل وثوب إمرأة" للقاص سعدون جبار البيضاني، نتابع نمط من أنماط السرد القصصي، بشكل شامل على فن صناعة القصة القصيرة، وكذلك الحال للقصة القصير جداً لهذه المجموعة القصصية ، وشمل ذلك الطغيان أدوات وعناصر عملية البناء الفني إبتداءاً من بنية العنونة، ثم الشكل والمضمون والزمان والمكان وشخوص القصة وأحداثها ليصل الى ثيمتها، الا وهو نمط الغرائبية في العملية السردية، والذي تميز فيه القاص سعدون جبار البيضاني، في مجمل أعماله القصصية السابقة، فالواقعية الغرائبية، لها سياقها الفني الذي يجب على القاص معرفته واتقان العمل بشكل متقن فيه، وهو الخروج من الطبيعة أو الواقع الى رؤية فنية تحيل كل مرتكزات الفن القصصي، الى عالم آخر لم يألفه القارئ في الفن القصصي الذي يتسم بالواقعية النقدية أو الاجتماعية أو الاسرية وغيرها من الانماط التي تقدم لنا الواقع برؤية فنية طبيعية، وقد تناسلت من هذه الواقعية الغرائبية أنماط أخرى جاءت لضرورات فنية بحتة، مثل العجائبية، والفانتازيا، والخيال، وهذه التراكيب الفنية التي استخدمها المؤلف في صناعة قصصه، منحت تلك القصص زاوية نظر مختلفة ومغايرة على ما اعتدنا عليه لقراءتنا للقصص القصيرة او القصيرة جداً، فكل قصة ضمتها هذه المجموعة تنقل القارئ الى عالم آخر يجد الصورة الطبيعية التي مرت عليه تنتقل الى فضاء آخر يباح فيه ما لايباح لغيره من الفن القصصي،إذ تشكل هذه الانتقالة مهمة صعبة ومجهود فني على القاص لخوض غماره ومعرفة تفاصيله الفنية المطلوبة، وما مقولة (رسول حمزاتوف) " اذا كان عمر الانسان صخرة فكل دقيقة فاس" الا اشارة واضحة وعتبة نصية موازية لمدخل هذه المجموعة:

ونطالع في بداية هذه المجموعة القصة القصيرة جداً "السجين" وهي توليفة مركبة ومكثفة للسجن والظلم فيه:

" مكث عبد الله في لسجن سنين عددا،ما كان بائع مخدرات،كان بائع كتب مستعملة لكن القاضي فسر الأمر أن الاثنين يحرفان العقل عن مساره ويهددان أمن البلد"

وفي القصة القصيرة " القاص" يقدم لنا المؤلف، واحد من كتاب القصة المأزومين ، الذي يجد أن العالم عبارة زريبة تتصارع فيها المخلوقات، فيقرر أن يبني كوخ من الكتب، ويتدثر في بطانية ثم يحرق الكتب وهو داخل الكوخ فيحترق ويتفحم، وتنبعث من الحريق الوان الطيف، الذي يشكل لوحة جميلة:

" عندما أصبح تمثالاً من الفحم وسقطت الجدران واختفت الملامح عندئذٍ بكى بمرارة لأن مشروعه هذا قد تاخر.." ( ص8 )

وفي قصة " نزهة في جديقة عامة" تنتقل الى حديقة عامة، وفي دوره ينقلنا المؤلف الى عالمه الغرائبي، لنجد أن بطل هذا النص يحدث صديقه حسن في هذه الحديقة، الا أن صديقه لايصغي اليه، يحدثه عن الحرب وكيف أن صديقهما عبد الله قد تقدم لخطبة حبيبته سبعة ومرات ولم يفلح الا في الثامنة، وفي الجبهة يقتل برصاص العدو، وعندما يمعن النظر الى صديقه حسن يجد في اذنه شبكة عنكبوت وفي الثانية طين ينزل الى القدم:

"  ارتطم رأسي بكتفه فأحدث كدمة كبيرة في رأسي، لم أكترث للموضوع،بل انصرفت مطاطئ الرأس عندما اكتشفت أني اكلم تمثالاً لايشبه صديقي العزيز حسن أبداً ." (ص 10 )

وفي رؤية فنية كابوسية انصهرت وتوحدت مع العالم الغرائبي ، يقدم لنا القاص قصته "مختصر مفيد، الذي تنقل لنا في البدء ، وقائع ولادة طفل ترعرع خارج الرحم من أمٍ غلفها البؤس والحزن وأباً يستحلم، ليخرج الى واقع أكثر مرارة وقسوة، وفي هذه القصة صورة ضبابية مكتئبة عن الحياة وما يحدث فيها:

" وبين مهزلة ومهزلة أمسك رزمة من الخيوط وأبرمها بحجة سحب هذا الجسد من براثن الرتابة ، يا ترى كم سأرتق من عمري حتى انتشل روحي من مطحنة الوحشة التي تداهمني على مدار  الساعة ..!! " (ص 16 "

وفي القصة " بقايا رجل وثوب امرأة" والتي حملت المجموعة اسمها، نكون في غرفة مع بطل هذاالنص، غرفة موحشة  وعالم موحش، وهو يعيش حالة من الوحشة والكئابة، وغلاف من الغرائبية والفنتازيا يجتاح النص، ونعيش صراع أمام المرآة بين بطل النص  والمرأة العارية، ثم يظهر هو بشخص آخر داخل المرآة  فيضربه بحذاء يشبه حذا ابو القاسم الطنبوري، وتأتي الشرطة وتدور الاحداث بواقع غرائبي الى نهاية النص:

" دخل أحد أخوته بعد أن اقتحم الغرفة وكسر الباب، لم يجد غير بقايا رجل وثوب أمرأة يشبه الى حدٍ ما حليباً وقد وضع عليه قليلاً من الشاي.." ( ص 19 )

ثم ننتقل الى الجزء الثاني من هذه المجموعة لنتابع قصار القصص:

"اعادة اعتبار

لكي يبررالمدفع المنكسر في الحرب هزيمته في المعركة نصب نفسه مدفعاً لللافطار"

وقد ضمت هذه المجموعة القصصية العديد من القصص القصيرة والقصيرة جداً، التي نحت منحاً غرائبياً بأسلوب لا يجيده الا القاص سعدون جبار البيضاني، لما يحتاجه هذا النمط من دراية ووعي ومعرفة بتفاصيله الفنية التي تظهره جلياً واضحاً، عالم الغرائبية مر على قصص هذه المجموعة واحالها الى لوحة فنية رائعة.

من اصدارات الاتحاد العام للادباء والكتاب في ميسان لعام 2024

المشـاهدات 46   تاريخ الإضافـة 07/09/2024   رقم المحتوى 52911
أضف تقييـم