
![]() |
رنيم نزار صورة بصرية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
ناصر أبو عون عندما ألقى التائه في دروب الإبداع، والمترنح من خمر الفن، والواقف على أبواب القصيدة يخشى أن يركض برجله في لُجّة الموسيقى بالسؤال القضية سؤال اليوم والغد والآتي من الماضي السحيق في حجر الإمام عليّ – كرّم الله وجهه – ما الشاعرية؟ فأجاب: بتعدد الغاية والاستباق! وفي هذه الزاوية سنطل من شرفة السماء الواسعة على بحيرة الشاعرة الأردنيّة رنيم نزار حيث تموسق جنيات الشعر صفحة الماء الراقصة، ويتبركن العمق من فورة التمرّد، وتندلق الصور على حواف الألم؛ (فالشعر كان ولا يزال وسيبقى يستبق بآليات وأشكال ولغات تحددها الغاية التي يستبق لأجلها).[كلما طالت أظافري أقلمها/حتى لا يخدشني الفراغ/كأنك لم ترحل/ لكن دورةً شهرية بعد أخرى/ يزداد الرحيل يقينًا/ تكتبه الأيامُ على جسدي بصمت/ تؤكده تفاصيل الفقد/ لا أجزم بالنهاية/ لكنّ جدائلي ابيضّت/ كم طال ليلُ النسيان!/ حتى أجزم/ أن الفراقَ مؤبد/ يوثقه الجسدُ/ بسلاسل الغياب]. الصورة الشعرية في نصوص رنيم نزار، لا تتوسّل بالإغراب المخادع الذي يتكيء عليه البعض ليشي للقاريء العادي بأنّ ثمة تجديدًا يلوح في أفق القصيدة، ولا توظف الشاعرة الذهني؛ ليستوي النصّ على سوقه، بل تتقصّد صناعة (صورة بصرية) أو مشاهد صادمة، تستولدها من الحسيّ، وتتوكأ على عصا الانزياحات اللغوية، وتبرع في لضم الفونيمات التي تنزُّ بالدلالات وتنظمها في سلك من التراكيب التشكيلية بغية توليد الإدهاش الذي يحرك مخيلة المتلقي.[أنا سمكة جئت من نسل الماء/ أسبح في العدم/ أصارع التيه/ وأدرك أن نهايتي في بطن الحوت/ الحرب غصة في حلقي/ آسف يا أختي السمكة/ لقد أرهقني الجوع/ فأكلت لحمك نيئًا/ لن أجرحك أيها البح/ كل ما أريده هو أن أخرج من رحمك]. فالقصيدة عند رنيم نزار نوع من الرياضيات المرئية، ومهارة فائقة طبيعية وغير متكلّفة في توظيف مكعبات متداخلة من التراكيب اللغوية المبتكرة وليست المكرورة سابقة التجهيز تستهدف بناء مجسمات حيّة ووفاعلة وديناميكية، وتشكيل صور الشعرية بُغية استدراج القاريء إلى ساحة النص، وإجباره على المشاركة في عملية الإبداع، بل وإدخاله في مسابقة (ريكبيتس) من الوحدات الشعرية المتداخلة لينتهي به المطاف إمّا شاعرًا استولدته دينامية الإدهاش فاكتشف شاعريته الدفينة، وإمّا مُخدَّرا مأسورًا عند الرشفة الأولى من خمرة النصّ، وإمّا منتحرًا ومعلّقًا على بوابة القصيدة.[يدي تحلم بالراحة/ وأصابعي متصلبة أثر الجوع/ ورأسي يغلي بحليب أبيض/ وسواد الليل يلفني بلا رحمة/ غباشٌ يطوف بفكري/ وعقلي زوبعة من الضباب/ طمع الشعر يصرخ كعويل ذئب/ لا يهدأ، لا يخرس، لا يصمت، ولا ينتهي/ جنيات تكنس ليلي/ والشياطين ترضع من قحط أمومتي/ أفكاري العذارى تتثاءب في أحضان الخمر/ ودروب جديدة تغلق أبوابها/ لا نوافذ تطل/ ولا مخرج أبداً/ حياة أشبه بالقبر/ تتثاءب أصابعي/ ويجوع سريري لشربة ماء/ تنتظرك أنوثة عارمة/لتشبع في فمك]. فإذا إذا ما دققنا في الوحدات المصغرة ومنمنمات الصور الشعرية التي تتكوّن منها فسيفساء قصيدة رنيم نزار، نجدها توظّف ميكانزمات البلاغة القديمة وخاصةً (التشبيه التمثيلي) الذي يُمطّط الصورة البلاغية إلى أقصي امتداد لها، وهذه التقنية الحاذقة اكتشف مولانا عبد القاهر الجرجاني سِرَّ تأثيرها الإبداعيّ؛ فأوصى الشاعر والمتلقي على السواء بقوله:"إن المعني إذا أتاك ممثلا فهو في الأكثر يتجلّى لك بعد أن يحوجك إلى طلبه بالفكرة وتحريك الهِمّة في طلبه وما كان منه ألطف كان امتناعه عليك أكثر وإباؤه أظهر واحتجاجه أشد؛ فإن المعاني الشريفة اللطيفة لابد فيها من بناءِ ثانٍ على أولٍ، و رَدِّ تالٍ إلى سابق" حتى تستطيع أنْ تطبع نفسها بفعل الإدهاش الذي تمارسه والطاقة الابتكارية الكامنة داخلها في ذاكرة المتلقي لأطول فترة زمنية إلى أن تأتي صورة أخرى تزيحها وتتربع مكانها.[وفي حلمة أذني ألبس أقراط الصبر/ في ذات الأذن التي لم تسمع وصاياكِ يا أماه/ بعد أن همستِ لي:"لا تتبعي أثر رجل"/ لكنني فعلت/ تنتظرك أنوثة عارمة/ لتشبع في فمك/ لكن ليس لدي تواريخ محددة بعد/ أحيك من الصبر فستان عرس/ عارية لم يزينني بعد/ وأنتظر/ يا حبيبي الذئب في فمك غزالتان/ وأنا أنتظر/ ليس لدي دليل على خطواتك نحو الملحمة/ لا مؤذن ينبيء بمجيئك/ وكل الأيام... ليلٌ لا صلاة فيه..]. |
المشـاهدات 21 تاريخ الإضافـة 26/04/2025 رقم المحتوى 62144 |