الأربعاء 2025/4/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
نيوز بار
مقال اصطناعي للبيع
مقال اصطناعي للبيع
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب محمد الكلابي
النـص :

 

 

 

لم يخدعنا الذكاء الاصطناعي كما قد يُخيَّل للبعض. نحن الذين خدعنا أنفسنا. الآلة لا عقل لها، ولا ضمير. تفعل ما تؤمر به ببرودة محايدة، لا تميّز بين خير وشر. لم تنتزع منا الإبداع قسرًا، بل نحن الذين فرّطنا فيه بإرادتنا، كما يتنازل الجندي عن سلاحه قبل بدء المعركة.الخطر الحقيقي لا يكمن في وجود آلة تكتب، بل في أن الكاتب أصبح يستجديها لتكتب عنه.كاتب اليوم — إلا من رحم ربه — لم يعد يفكر، ولا يقلق، ولا يحلم. اكتفى بأن يطلب من برنامج معدٍّ سلفًا أن يصوغ له نصًا بارداً، يشبه السلع الرخيصة المعلبة: مظهر أنيق، ومضمون خاوٍ.لقد عرفتُ ما تعنيه الكتابة الحقيقية. عشتها معركة صامتة، طويلة.فكرة واحدة قد تلازمني شهورًا كاملة. أنحتها من صخور القراءة، أطاردها في الليالي الطويلة، وأهدم مئات الجمل قبل أن تستقر كلمة واحدة في مكانها.الكتابة ليست جمع كلمات متناغمة، ولا تمرينًا بلاغيًا، بل صناعة وعي، وحضور داخلي يرفض الخضوع.كل آلة تستطيع أن تكتب، لكن الكاتب الحقيقي وحده يستطيع أن يهب النص روحه.وما لم تكن الكلمة نابعة من صدق الرؤية وشرف الالتزام، فإنها تظل ميتة مهما تلألأت ألفاظها.في زمن أصبحت السرعة فيه معيارًا للنجاح، صارت الكتابة الحقيقية شكلًا من أشكال المقاومة الصامتة. أن تكتب نصًا نابضًا بالصدق، يعني أن تقاوم السهولة، وتواجه النسيان، وترفض السقوط في زيف اللحظة العابرة. الكاتب الحقيقي لا ينجو بنصه وحده، بل ينجو بكرامة العالم من الانهيار البطيء.وفي زمن الاستسهال الرقمي، تتكاثر نصوص باردة في كل اتجاه: مصقولة في ظاهرها، خاوية في باطنها. نصوص بلا دم، بلا قلق، بلا قلب ينبض.تملأ الفضاء الرقمي كل صباح، كأنها انعكاس لزمن لم يعد يؤمن أن للكتابة حرمةً أو كرامة.وهذا ليس تخمينًا بل واقع نراه.فعلى سبيل المثال، تصلنا أسبوعيًا إلى جريدة "المستقل" كثير من المقالات المقترحة للنشر.وبعد التدقيق، يتضح أن عددًا ملحوظًا منها قد كُتب بواسطة الذكاء الاصطناعي.نصوص مرتبة ومهذبة ظاهريًا، لكنها بلا أثر إنساني حقيقي، تفتقر إلى اللمسة التي لا يستطيع أن يمنحها سوى كاتب حي الفكر والوجدان.النص الذي لا ينبع من قلق داخلي ورغبة في الفهم والهدم والبناء، يظل نصًا ميتًا مهما بدا متماسكًا بلاغيًا.النص الحقيقي لا يطلب الإعجاب، بل ينتزع الاعتراف. لا يكتفي بأن يمر على العقل، بل يجب أن يمر أولًا عبر القلب.وهنا يتضح جوهر الأزمة:الكاتب الذي يتخلى عن معاناته الفكرية لا يخسر نصوصه فقط، بل يخسر نفسه.يتآكل ببطء حتى يصبح نسخة متحركة تكرر ما يُملى عليها، بلا فكرة، بلا موقف، بلا أثر.ومن المؤلم أن هذا الانهيار لم يعد مدعاة للخجل، بل بات موضوعًا للفخر لدى البعض، الذين يتباهون بكثرة الإنتاج لا بجودة المعنى.أما الكاتب الحقيقي، فهو وحده الذي يرفض هذا العار.يعرف أن كل نص عظيم هو ثمرة صراع طويل مع الذات، وأن الكتابة شرف لا يقاس بسرعة الإنجاز، بل بصدق النية ونبل الغاية.لهذا، المعركة القادمة لن تكون بين الإنسان والآلة فقط، بل بين الكاتب الحقيقي الذي ما يزال يؤمن بحرمة الكلمة، وبين جحافل من النصوص المصطنعة التي تلمع ولا تحترق.سيأتي وقت يغرق فيه العالم بملايين الجمل المهذبة الفارغة، نصوص بلا دم، وكلمات بلا رسالة.وحينها، لن يكون الذكاء الاصطناعي هو القاتل الحقيقي للإبداع، بل سيكون القاتل هو ذاك الكاتب الذي خان قلمه وخذل نفسه، حين اختار أن يرتدي قناع آلة بلا روح ولا ذاكرة.

المشـاهدات 36   تاريخ الإضافـة 29/04/2025   رقم المحتوى 62257
أضف تقييـم