الأحد 2025/5/4 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
نيوز بار
لقطة استعادية من سيناريو الذات الدرامية
لقطة استعادية من سيناريو الذات الدرامية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حسين الانصاري
النـص :

 

 

لا اكتب هذه السطور  بدوافع نرجسية، ولا اعتدادًا بالنفس، ولا طمعًا في إشادة أو تعريف. فقد أمضىيت العمر ارفع  أسماء الآخرين واعلن عن حضورهم، وابارك لهم واضيء منجزاتهم، واتابع عن كثب تطور مسيرتهم  في خارطة الابداع  التي مازلت  ارسمها  عبر ظلال كلماتي.

هي  مشاهد… لا لتوثيق مجد،  او  شعور بالتعالي بل لاستذكار ذاتٍ عبرتها الأيام سريعًا ،ذاتٍ نسيت نفسها، وهي منغمسة في توثيق ذاكرة وخيال  الآخرين

لم اعتد ألكتابة عن ذاتي. بل كان قلمي مرآةً لوهج الآخرين، اتابع خطوات المبدعين كتبت عن أعمال أساتذتي وانا طالب، ارصد تألقهم، أوثق ما ينبت في تربة الفن والإبداع من زهور، دون أن ألتفت إلى تلك الزهرة التي نبتت في أعماقي، وكبرت بصمت في حدائق الفن و الثقافة العراقية.

منذ نعومة الحلم، كانت الروح موزّعة بين ضوء المسرح  والسينما وصافرة  الملاعب، بين نداء الفن وهمس الرياضة. وعندما جاء وقت القرار،  احترت بين اختيارين  أن اكون رياضيًا يتنفس كرة القدم، أو فنانًا يسكنه الضوء والصورة والالوان،   حينها كان لي صديقًا  استطاع ان يوازن بين الكفتين فذهبت لاستشارته . قال لي: “إن اخترت الرياضة، فاجعل الفن ذكرى… أما الفن، فيسع قلبه الرياضة كهواية.” وبعد طول تفكير  اخترت الفن، لا بوصفه مهنة فقط، بل قدَرًا جميلاً وفضاءا للخيال

من مدينتي بعقوبة، الغافية على نهر ديالى والمحاطة بأشجار البرتقال وافياء النخيل، حملت ذلك الحلم وتوجهت إلى بغداد، العاصمة التي كانت آنذاك تضج بالمسرح والسينما والتشكيل والموسيقى والشعر. دخلت كلية الفنون الجميلة، وهناك بدأ المشوار الحقيقي قررت  ان لا اكون طالبًا عاديًا، بل عينًا يقظة تلاحق المحاضرة في الصباح،  تحت إشراف اساتذة الفن ورواده جاسم العبودي ، ابراهيم جلال ، سامي عبد الحميد ، بدري حسون فريد ، جعفر علي  ،عوني كرومي ، جميل نصيف، كرم مطاوع ، محمد توفيق وتطول القائمة

اما في المساء نجلس في مقاعد المتفرجين لمشاهدة العروض، ونقرأ ما بين السطور عند منتصف الليل.شيئًا فشيئًا، بدأت الكلمات تتفتح في داخلي. لم تكن مجرد انطباعات، بل كانت محاولات صادقة لفهم نظريات الفن والجمال وتحليله. وهكذا، بدأت أولى خطوات الكتابة والنشر، وانا ما زلت طالبًا مع زملاء منهم د. كاظم مؤنس، الفنان صفاء البياتي ، ود. صباح عطية و الراحل د.شفيق المهدي ود. رياض شهيد والفنان ستار خضير  والفنان مقداد مسلم ود. حميد علي حسون وآخرين لايسع المجال لذكرهم جميعا  ، كنت اكتب مقالاتي  التي تركزت في صحف ومجلات معروفة انذاك مثل جريدة الجمهورية ومجلة افاق عربية والطليعة الأدبية و فنون،  عملت إلى جانب نقاد كبار وصحفيين افذاذ

كانت مجلة “فنون” آنذاك مدينةً مصغّرة للثقافة، تسكنها قصائد جواد الحطاب و كمال سبتي وخزعل الماجدي،  وأديب كمال الدين وحميد قاسم  ،ومحمد رضا مبارك وأفكار شاكر حسن آل سعيد،  وسعد هادي  تشكيليا ونصوص  صفاء صنكور وأحمد سالم، في السينما وحسب الله يحيى وكاتب السطور في المسرح ونبض يحيى إدريس،  وكريم العراقي موسيقيا  وعطر  محمد الجزائري ادارة وابداعا، وغيرهم من نخبة العراق وهناك في ذلك الحبر الساخن، وُلدت هويتي ككاتب، وناقد، كنت  ارصد كل جديد عن قرب، اعيش في الوسط النابض للحدث. وفي الوقت ذاته اتابع دراستي، حتى نلت الماجستير، ثم الدكتوراه في التلقي والخطاب المسرحي، متواصلا في كلية الفنون هذه المرة أستاذًا، لا طالبًا. علّمت أجيالًا، وواصلت البحث  والنقد والنشر والعمل الاخراجي . لكن، كما هو حال الكثير من المبدعين في بلاد الوجع، جاء وقت الرحيل. فتركت الوطن مرغما ، لكنه ظل ساكنًا فينا

توزّعت الأحلام بين المنافي، لكن القلب ظل معلّقًا بأوراقٍ تركتها على مكاتب المجلات، ومقاعد المحاضرات، وخشبات المسارح.  لكن رغم بعد المسافات  ومرور سنين الاغتراب لم يخمد فينا الأمل بأن يعود  الوطن معافى مبتهجا بلقاء أبنائه ، ليس للذكرى،وانما  في احتضان  المنجزات وإقامة  ورش العمل، والمهرجانات، والنصوص التي لا تموت ،بل لإعادة الحياة فما زال في القلب متسع للحنين، وما زال في الحرف مكان للضوء، وما زال الوطن يسكننا كما يسكن القصيدة بيتها الأخير.

المشـاهدات 41   تاريخ الإضافـة 02/05/2025   رقم المحتوى 62412
أضف تقييـم