الأحد 2025/5/4 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
نيوز بار
قبضة صمت في يد منال الحسن
قبضة صمت في يد منال الحسن
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

ناصر أبو عون

ولأننا من أنصار الرأي القائل بأنّ القدرة على ابتكار الصور الشعرية، وبنائها على غير مثال قديم، والقدرة على كسر النمذجة المتوارثة في نحت الصور هي المقياس المعياريّ للموهبة التي يتمتع بها أي ناصٍّ أو شاعر، وبتعبير هربرت ريد فإن "الحكم على الشاعر العظيم إنما يقوم على أصالة استعاراته وقوتها"، وامتلاك ناصية التفكير الإبداعي بالمجاز. على نحو ما نقرأ في هذا المقطع[تُراودني.. أفتح نافذة على جرح المساء/ أطل منها على أغنية/ يتلمس شجنها/ أصابع السنين/ وهي تشير إلى وطن].

وبعد قراءة هذا النص من مدخل جماليّ يمكن للنقاد والمتلقين الالتقاء في المنطقة الوسطى ما بين النثر المحض والشعر الخالص، وتكون الصورة الشعرية المستجدة والمبتكرة هي المعيار والسمة المميزة للخطاب الشعري عند منال الحسن مع الأخذ في الاعتبار أنّ اللغة الشعرية في حركية دائمة، وطقسها غير مستقر، ومادتها خاضعة للتقلبات وقابلة للتبدّل والتطور في استدامة لا تنتهي، ولكن تبقى الصورة الشعرية المبتكرة هي رمانة الميزان، والمبدأ الثابت في القول الشعري، وهي لُبّ الشعر، إن لم تكن هي الشعر ذاته، وليست إضافة تزيينية على سطح المعنى، بل جزء أصيل من المعنى، وأي تغيير يعتريها يبدل في المعنى. وهذا ما نتلمسه في هذا المقطع من نص (قبضة الصمت)[أتوكأ على مشارف حلم/ كاد يفلت من قبضة الصمت/ لا أجد إلا فضاءً منك/ يغرس ملامحه في سمائي.. ويعطيني رغبة/ أن أرى جمرة انتظاري/ غزالاً يغري صياديه بالغنج].

في هذا النص استطاعت منال الحس رسم لوحات شعرية تضج بالحياة وتنزّ بالألم، وتتدفق عبرها موجات تترى من الانفعالات الإنسانية والتي تتحرك كطيف موجيّ ما بين قطبين أحدهما حسيٌّ، والآخر مُتخيّل، وينتج عن تلاقيهما صورة أجدّ تكشف لنا مدى براعة الشاعرة، وسمو حسن ذوقها وقدرتها على التأثير في المتلقي، وإثارة تخيله الذهني وإعادة تموضعه في الواقع المعاش، والواقع الشعريّ المتخيل على السواء. [يارجلا/ عرفتُ قيمة الحب معك/ عرفت موانيء زاخرة بالبهجة / وهي تستقبل بحارة غائبين/ جلبوا لآليء أقمار/ وضحكات نجوم/ تقول عرافتي العجوز: عرفت العشق منك.. فصرت أغار من رجل  يسكنك كما يغار من يقرأ  حرفك منه...]. ويبدو هذا المعنى جليا في هذا المقطع الذي يبدو في مبتداه غير شاعري، بينما انتهى بنا إلى صورة شعرية تشظّت في ساحة النص، وأضرمت نيران الحيرة في أكوام من حطب الدهشة لتضيء المناطق المعتمة التي تختبيء وراءها جماليات الصورة الشعرية.

في نص (قبضة الصمت) تتوالى منال الصور الممتدة، وتفرش ظلالها تحت جدران الأسطر الشعرية، وتختال وتبدو أكثر بهاءً في أول السطر/الشوط، ثم تنطلق في حركية سريعة ولاهثة وتتابع في مشهدية مؤثرة، بفضل توظيف الفعل المضارع ظاهرا، والذي يحمل معنى الماضي باطنا، والتوكيدية حاضرًا، والاستمرارية مستقبلا اعتمادًا على قصدية المشهد السينمائي. ونستطيع القبض على هذا المعنى في هذا المشهد من النص الذي تقول فيه منال الحسن:[أراك من فنجان قهوتي/ كل صباح من تدفق الموج.. من تشكيلات الغيم.. بين وجوه الناس/ أبحث فيهم عمّن يشبهك / أجمع بذور الهمس/ وأشكل منها باقة/ أنثرها على بقعة/ أنتظر فيها لهفة جمعتنا/ وها أنا ذي/ أعود لأراك  ذات اليمين تمسك بي ذات الشِمال..].

وفي الأخير يمكننا القول: أن الصورة الشعرية عند منال الحسن تتتخفّى خلف جدرانها الشفيفة كمشة من الوظائف الدينامية الفاعلة والمتفاعلة مع لغة الخطاب الشعري داخل نسيج القصيدة، بغية أداء دورٍ (ما)، فضلا عن الوظيفة الإبلاغية كساعي بريدٍ ما بين الشاعرة والمتلقي، خلافًا لوظيفتها كمقياس نرتكز عليه في الاحتكام إلى الشاعرية الحقيقية.

المشـاهدات 43   تاريخ الإضافـة 03/05/2025   رقم المحتوى 62443
أضف تقييـم