النـص :
لا يختلف اثنان من أهل الاختصاص في مجال التعليم على أن تحديث مناهج وأساليب التدريس في الجامعات العراقية أصبحت ضرورة ملحة في ضوء التطور الكبير الذي تشهده الجامعات العالمية وما تقدمه يومياً لمجتمعاتها من انجازات هائلة دفعت عجلة التطور والتقدم في مختلف مجالات الحياة المتنوعة، فالغرب الذي استفاد من علوم ومؤلفات علماء المسلمين في الطب، والهندسة، والجبر، والرياضيات، والفلك، والفلسفة في القرنين السادس والسابع الهجريين- الثاني والثالث عشر الميلاديين فأخذوها وترجموها إلى اللاتينية فكانت هذه الترجمة لهذه المؤلفات هي اللبنة الأولى لبناء صرح أوربا الحضاري وتقدمها العلمي والمعرفي، لهذا نجد أن البعض من مؤرخي وفلاسفة الغرب -وهم قلة قليلة- ممن عُرفوا بالإنصاف فنسبوا الفضل لأهله، واعترفوا بالحق لأصحابه، وعلى رأس هؤلاء المؤرخين المؤرخ والفيلسوف والطبيب الفرنسي الدكتور (غوستاف لوبون) الذي يعد أحد أشهر فلاسفة الغرب الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية فلم يسيروا على نهج مؤرخي وفلاسفة أوربا الذين كان ديدنهم إنكار فضل الإسلام وعلمائه: كأبن سينا، وابن الهيثم، وابن البيطار، وابن رشد، والفارابي وغيرهم الكثير من الذين كان لهم الفضل على العالم بأجمعه، فوضع هذا المؤرخ كتابه (حضارة العرب) وقال في مقدمته عبارته المشهورة: (الغرب وليد الشرق). وعلى غرار ذلك اعترفت المستشرقة الألمانية الدكتورة (زيغريد هونكه) التي وضعت كتابها في الستينات من القرن الماضي والذي حمل عنوان: (شمس العرب تسطع على الغرب)، فقالت في مقدمته: "أردت أن أقدم للعرب الشكر على فضلهم، الذي حرمهم من سماعه طويلاً تعصب ديني أعمى أو جهل أحمق" . كما تذكر في مقدمة كتابها أيضاً: "شعب قد أثر بقوة في مجرى الأحداث العالمية، ويدين له الغرب، كما تدين لهم الإنسانية كافة بالشيء الكثير". ونحن لا ننكر أن الغرب طوروا العلوم والمعارف التي تلقوها من مؤلفات ودراسات وبحوث علماء المسلمين وأضافوا لها الكثير، لكن هذه المؤلفات هي كانت نواة النهضة الغربية والأوربية الحديثة، في حين لم نستفد نحن كعرب ومسلمين من علوم ومؤلفات علمائنا، فكان التخلف والتراجع مصيرنا. كما لم نستفد نحن وخصوصاً في العراق من مناهج وعلوم الغرب الحديثة من خلال تدريسها في جامعاتنا ومعاهدنا فلا زالت المناهج الدراسية التي تدرس في الجامعات العراقية قد مضى عليها تأليفها سنوات طوال سواء في الاختصاصات العلمية والإنسانية على الرغم من الطفرة الكبيرة الذي حققته الجامعات العالمية من خلال هذه المناهج واستخدم طرق وأساليب التدريس الحديثة، وهذا الكلام ليس ادعاء بل هو حقيقة يعرفها ويُقرّ بها كل مطّلع على المناهج الدراسية في الجامعات العراقية. فقبل أيام نشر أستاذنا الدكتور غازي فيصل مهدي -أستاذ القانون الإداري القدير والمعروف والذي له خدمة بلغت (40) عاماً في الجامعات العراقية في تدريس القانون والإشراف والمناقشات لطلبة الدراسات العليا- على صفحته في الفيس بوك توصيات أو نصائح حملت عنوان: (بصائر للتدريسيين المكلفين بتدريس القانون) قائلاً فيها: "دأبت كليات القانون على إلزام الطلبة بكتب أو ملازم مطبوعة مضى على تأليفها سنوات طوال، وهذه طريقة عقيمة في التدريس وهي امتداد للدراسة الإعدادية ولذلك فإن المقتضى الإقلاع عنها وإلزام الطلبة بالاعتماد على محاضرة التدريسي الذي يتوجب إعدادها وفق آخر التطورات في مجال الاختصاص؛ لأنه من المعلوم أن القانون يتطور سريعاً سواء على صعيد التشريع، أو الفقه، أو القضاء ولهذا لا ينفع في تدريسه كتاب أو ملازم مضى عليها وقت طويل". كما أن اساليب التدريس في جامعاتنا تقوم على الحفظ دون الفهم، والنظرية دون التطبيق خصوصاً في الاختصاصات الإنسانية، ويؤكد على هذا الشيء أساتذة الجامعات فترى الكثير منهم إن لم نقل أغلبهم همه أن يحفظ الطالب المقرر حتى ينجح في الامتحان، المهم النجاح في الامتحان، سواء فهم الطالب أم لم يفهم! وأن ترتفع نسبة النجاح لديه خصوصاً بعد تفعيل نظام الامتحانات التقويمية في الجامعات العراقية الحكومية والأهلية، فالتركيز على الجانب النظري دون التطبيقي هو ديدن الكثير من أساتذة الجامعات، ويقول في هذا الدكتور غازي فيصل مهدي: أن مهمة طالب القانون ليس حفظ النظريات والنصوص القانونية فهذه مهمة الورق بل مهمته أن يفهم النصوص المذكورة ويجيد تطبيقها على وقائع الحياة الاجتماعية، وأن لا تقتصر الامتحانات على الجانب النظري بل التركيز على الجوانب العملية لاستظهار ملكة الطالب في تطبيق النصوص القانونية. لذا كانت نتيجة تدريس المناهج الدراسية القديمة، وأساليب التدريس العقيمة أن جامعاتنا صارت تخرج أشباه أميين ولا أجد في هذا الوصف أية مبالغة؛ لأن جامعاتنا للأسف تمنح شهادات بلا علم إلا ما ندر، فتجد طالب دراسات عليا يكتب سطر أو كلمات قليلة قلما تخلو من أخطاء إملائية، فمرة طالب دراسات عليا ينشر صورة له مع زملائه على الفيس بوك فيكتب فوقها طلبت الماجستير بالتاء الطويلة!! أما عن عدم التفريق بين وضع الضاد والظاء في الكلمات، وعدم التفريق بين السين والصاد في مواضعها من الكلمات، ومتى توضع الألف بعد الواو ومتى لا توضع في الأفعال أم في الأسماء فحدث ولا حرج!! وتجد خريج قانون يحمل شهادة البكالوريوس فيه وبدأ يعمل في المحاماة حديثاً لا يجيد كتابة عريضة دعوى أو يقدم طلباً للقاضي!! ومدرس متعين حديثاً أو خريج ليس لديه معلومات أولية في مجال اختصاصه!! وقس على هذا الكثير، فهذه المصائب ثمرة مناهج تدريسية عقيمة، وأساليب تدريس خاطئة، وسياسات وزارات التربية والتعليم المتعاقبة التي استسهلت العملية التعليمية بقرارات ارتجالية في كثير من الأحيان، ووقفت مع الطلبة دائما حتى على حساب العلم والتعلم من خلال تشجيع سياسة العبور والنجاح والأدوار الأولى والثانية والثالثة ومنح عدم الرسوم، ومنح الدرجات، والكيرف وما إلى ذلك، هذه التراكمات كانت السبب في وصول التعليم في العراق لهذه المستويات المتدنية حتى صارت جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية خارج التصنيفات العالمية، لذا لا بد من إعادة النظر في العملية التعليمية برمتها من مناهج، وأساليب ونظم تدريس، بل وحتى كوادر تدريسية من خلال الوقوف على مستوياتهم العلمية في اختصاصاتهم بإقامة الدورات الحقيقية لا الصورية في مختلف الاختصاصات لإظهار مستوياتهم وإبقاء الصالح منهم للتدريس في عمله وتحويل غير الصالح للتدريس كموظف وغيرها من الإجراءات إذا ما أردنا النهوض بالتعليم في العراق ومواكبة التطور العلمي في العالم.
|