
![]() |
القراءةُ الورقية والقراءةُ الرقمية في ضوء التفاعلية النصيّة، ودمقرطة القراءة . |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
اخترع السومريون في جنوب العراق الكتابة المسمارية التي كانت اعظم انجاز بشري تعبير وتواصلي وتوثيقي تفاهمي بين شعوب الحضارات القديمة .فضلا عن الكتابة الهيروغليفية المصرية، التي ظهرت بنحو العام 3200 قبل الميلاد، والكتابة الابجدية نحو 1000 سنة قبل الميلاد .وقد بيّن عالم الانثروبولوجيا "جاك غودي"، ان اختراع الكتابة شكّل قفزة حاسمة غيّرت علاقتنا بالماضي، اذ مكّنت من حفظ المعلومات على دعامة ثابتة وتحرير الذاكرة الشخصية، والجماعية –ايضا- من ثقل المعطيات المتعددة ومن ثم مضاعفة قدراتنا الفكرية. و ان القراءة على اللفافة هي قراءة مستمرة تحرّك كلّ الجسد ولا تسمح للقارئ، بالكتابة خلال القراءة . ففي القراءة الورقية تكون اللغة النصية في شعريتها عبر تراسل الحواس متفوقة بحضور الحواس كلها وتراسلاتها مع غيرها .فتتعدد انماط التراسل في النص القرائي بحضور معظم الحواس في شعرية المستوى اللغوي. بخلاف التراسل القرائي في النص الرقمي ،فالتراسل الانشط هو التراسل البصري ثم السمعي .اي ان حساسية الشعرية قد تختفي في النص الرقمي . وبتطور وسائل وتكنولوجيا العصر ترى "ريمي ريفيل " ان النص الرقمي وسّع من قبضته على اشكال التبادل الكتابي الرقمي مع الاخرين، مثل هويتنا الشخصية، وشبكات التواصل مع مؤسساتنا واشكال التعبير والانتاج والابداع ، لكنه ايضا خلخل طرائق الكتابة والقراءة، واسس الثقافة المكتوبة، التي هي ثقافتنا منذ الالف السنين ويبدو بالمناسبة انه تتعين علينا اعادة النظر في طرائق معرفتنا وتفكيرنا والنقاشات في هذا الموضوع تكون دائما عنيفة ومنفعلة والنتائج متعارضة .وبخصوص تغير النص الرقمي تقول "ريفيل" : (( نحن نعرف ان النص ليس دائما هو النص نفسه حينما تتغير الدعامة ؛لان هذا التعبير يكون له وقع على القراءة والمعنى الذي تعطيه للنص " للاشكال اثر في المعنى" )). اما مرحلة اختراع الطابعة كإحدى مراحل تطور الكتابة والقراءة ،عام 1450 ميلادي، عززّ علاقة الزمن بالذاكرة، وتعلل ذلك "ريمي ريفي" ، (( بفضل القدرات الجديدة على التخزين وفتح الطريق لدمقرطة القراءة بشكل تدريجي . لقد كان استنساخ النصوص قديما من اختصاص النساخ ومع الحروف المتنقلة توسعت الطباعة وانتشرت بالتالي الافكار الجديدة )). ويرى المؤرخ "روبير دارانتون" ان المرحلة الرابعة من مراحل تطور الكتابة ، وهي مرحلة "ازدهار التواصل الالكتروني" تم خلالها (( خلخلة علاقتنا مع الكتابة، فالسرعة التي اتاحتها شبكات الانترنيت على المشهد المعاصر، مذهلة جدا يبدو ان وتيرة التغيير تسدّ الانفاس من الكتابة على اللفافة : 4300 سنة والمخطوط بحروف متنقلة سنة 524 الى الانترنيت بمحركات البحث، وانتهاء بمحركات البحث مع الترتيب عبر غوغل )). ومنذ ظهور الحواسيب تقريبا عام 1940 دخلت حضاراتنا في انقلاب ثوري علمي رقمي مهول و عميق . وظهور " الشبكة العنكبوتية العالمية ، " world wideweb " وفي عقد الثمانينيات التي حوّلت العالم الى قرية صغيرة بفضل الانترنيت. وبفضل الشبكة العنكبويتة والنص الرقمي التفاعلي، اصبح هناك روابط مختلفة تنتج بين المؤلفين والناشرين، بخاصة ما يتعلق في توزيع الكتب والتواصل بين القراء والمؤلفين ،وربط علاقات متميزة، فان التكنولوجيا الحديثة تمنح لكل قارئ امكانية ان يصبح كاتبا ومنتجا للنصوص ونشرها مجانا. فالنصوص المكتوبة والمنشورة من الكتّاب الهواة، تضاعفت بأشكال جديدة ومبتدعة بلا قيود او جهود. فالنصوص الرقمية ليست لها صورة واحدة ، بل لها عدة صور متنوعة ومختلفة، تتحقق وتتجلى من خلال الخيارات المتعددة، التي يقدمها –كخدمة-الحاسوب والفضاء الشبكي. لذلك نرى ان النص الرقمي او المترابط او المتشعب، شكّل، انعطافة كبيرة وجديدة قبالة النص الكلاسيكي( الشفهي أو الكتابي )، اذ تميز النص الرقمي، بطابعه الافتراضي الرقمي البصري، منمازا عن النص الورقي، المقيد بالوجود والحضور المادي والمالي والزمكاني، فضلا عن تعدد انظمة العلامات للنصوص الموازية، المتباينة في الخط والصورة، والصوت ،والجم واللون، والسرعة والدقة، وتعدد النوافذ وغير لك ،فالعلاقةُ ما بين القارئ والنص في النص الرقمي هي علاقة تناظرية تفاعلية متعددة الوسائط والطرائق، بخلاف العلاقة الآحادية ،التي تقام ما بين القارئ والنص الورقي، اذ تتميز قراءة النصوص الورقية بالتراتبية والتسلسلية من البداية الى النهاية، مع عدم استطاعة القارئ التنقل الهرمي او الشجري الى النصوص الاخرى . فهو نصٌّ مزوّد بوصلات تسعف في تنشيط عملية القراءة، بالانتقال الى نوافذ اخرى. ان التفاعل مع النصوص الرقمية، تفاعل قائم على تعدد الامكانيات والقدرات الجديدة والاختيارات والتقانات، لتلقي النصوص المتشجرة، وهي ميزات تقانية رقمية الكترونية تكنولوجية متطورة ومتحررة ،اظهرت قفزة علمية باهرة في مجال التواصل الكتابي القرائي التفاعلي، وبهذا تُعد التفاعلية واحدة من اهم خصائص النص الرقمي او المتشعب. هذه التقانات الحديثة في الكتابة والقراءة جعلت من العالَم القرائي يفقد متعته ونكهته وميزته وأُلفته وهناءَته، بفعل هذا التطور الكبير والمهول والمخيف الذي لوّث الفكر البشري وعطّله، بالاعتماد على الحاسوب ونصوصه المتشعبة والمتطورة، واخرج الانسان من فطرته الاولى للكتابة، بحسب "اليزا غرودار" التي تقول :(( لقد فقد العالمُ ذاكرته، فلم يعد فضاء تؤثثه حكايات يرددها الناس عن الاشياء الحقيقة او المستهامة، انه لا يكتب، اي لا يسكن المجرد والمفهمومي والحكايات، بل يرى في الشاشات بكل انواعها لم تعد الكلمات حضنا للانفعال، الذي تلتقطه الوجدان، ويعيد صياغته وفق حالات النفس. لقد حلّت محلّها " غاجيات " للتسلية والترفيه والتواصل السريع، هي تلك التي تمثلها مجموع " السمايلات " المنتشرة في الحواسيب والهواتف المحمولة ما يطلق عليه الشباب اليوم " الايمويجي " .. اننا نفكر داخل اللغة ومن خلال كلماتها، فلا يمكن تصوّر فكر خارج اللغة؛ وبهذا فان كلَّ صورة ذهنية هي بقايا لغة )).ويؤيدها في ذلك الناقد والفيلسوف " رولان بارت" حيث يقول :(( اما اليوم في زمن التواصل الجماهيري، فان الارسالية اللسانية حاضرة في كل الصور، لذلك لا يمكن الحديث عن حضارة للصورة، فما زلنا واكثر من ذي قبل في حضارة الكتابة ،لان الكتابة والكلام هما دائما حدّان ممتلئان ببنية معلوماتية )) و ترى عالمة الاجتماع "كلير بليسسل" -مع اخرين –(( ان التغيرات الكبرى جارية، وتتهم -في الوقت نفسه- علاقتنا بالزمن، وقدراتنا على الانتباه، ومتعة القراءة .
كيف ننتصر للكتاب الورقي. تواجه القراءة الورقية اليوم تحديات جسام في ظل غزو التكنولوجيا والوسائل الذكية كل المجالات والأذهان ،وأضرت بالمكانة التي كان عليها الكتاب الورقي في الاذهان إذ لقبت تلك الفترة بالعصر الذهبي للكتاب،الذي تفرعت روافده،فازدهر المسرح والسينما والكتابات ،وظهرت نخبة مشرفة من الكتاب الذين سجلت أسماؤهم بماء الذهب خالدة إلى الآن. المطلوب كيف نعيد للكتاب الورقي اعتباره،ونحفظ رونقه ؟ لا بد من صحوة قوية لمقاومة هذا الغول الذي عصف بالاجيال،وجعل سوق الكتاب الورقي يبخس.ولا بد من تكاتف كل الأطراف المشاركة بوضع اليد في اليد لإنقاذ ما تبقى..وترسيخ عقلية جديدة الا وهي "الكتاب الورقي هو الأهم".من أسرة ومدرسة ومجتمع ووزارات. #دور الأسرة: تواجد الكتاب مع الطفل منذولادته..قراءة قصص ما قبل النوم..تسجيل القصص المسموعة للطفل قبل النوم..لتربية الرغبة وروح الجمال والخيال فيه وتخزين الأحداث فيشب ذواقا متشبعا بمراقي الجمال..محبا للكتاب..كيف لا وقد عايش الكتاب منذ الأشهر الأولى من عمره؟ونتدرج معه في مسك الكتاب حتى سن الدراسة.والتعلق به.وتوجيهه .وتحفيز بإهدائه كتبا وموسوعات والشكر والتشجيع الدائم..والتحاور معه في محتوى الكتب للأخذ بيده ووصفه بالكاتب العبقري. #دور المدرسة:ستعمل المدرسة بالتوازي مع العائلة.في تنمية هذه القدرات،وترسيخها..وتوظيفها في تحارير انشائية.وكتابات متنوعة. وبتكوين نوادي ثقافية تنشط فيها ورشات للتدريب على الكتابة..وتركيز مكتبة تضم كل أنواع الكتب للغة الأم وبقية اللغات.يشارك فيها الأولياء.تحت عنوان "اهدي لمدرستي كتابا" ويتخلل ذلك التحفيز والمكافأة ،وتكوين مجلة شهرية أو أسبوعية يشارك فيها كل الطلاب كل بنمط الكتابة التي يهواها.كذلك تعليم النشء استعمال الحواسيب في معالجة النصوص التي كتبوها.وبذلك يقع استعمالها فيما ينفع. #دور المجتمع المدني:المساهمة بتاثيث مكتبات في القطار والحافلة.والمحطات.وانشاء تظاهرات ثقافية في الشوارع يساهم فيها التلميذ بالكتابة والرسم والتمثيل.ومسابقات في الإملاء.. وتحفيظ القرآن الكريم الذي هو مفتاح كل عقدة..وفتح لشهية النشء في مطالعة الكتب الدينية وقصص القادة والصحابة الملهمين. #دور الوزارات: تشجيع كتاب ادب الطفل وكل الكتابات ودعمهم ماديا لطبع كتبهم.واسناد الجوائز لأفضلها.تزويد المكتبات العمومية بكتب هادفة . تخصيص مسابقات تحفيزية للطفل لما لا مادية..لأننا نرى أن الجوائز كلها شكلية ،شهادة أو ميدالية،طفل اليوم لم يعد طفل الامس. دعم الكتاب للمشاركة في ملتقيات محلية واقليمية لتلاقح الأفكار.وتبادل التجارب الناجحة. إخراج مواهب الطلاب إلى النور.ليصبحوا ابطالا باتم معنى الكلمة. أخيرا,لا بد من عزيمة ورغبة صادقة في إرجاع القارئ إلى الجادة بعد العزوف المخيف عن الكتاب.وارجاع هيبة الكتاب الورقي بعبقه ومجده التليد والا بقيت الكلمات حبرا على ورق. فاطمة الزهراء بناني تونس |
المشـاهدات 304 تاريخ الإضافـة 17/05/2025 رقم المحتوى 62992 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |