الأحد 2025/6/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 46.95 مئويـة
نيوز بار
نفوذ سيء..يكشف زيف أقنعة الخير في الرأسمالية المتوحشة جموح العمل السينمائي لجذب الشباب يؤثر على فكرته الرئيسية.
نفوذ سيء..يكشف زيف أقنعة الخير في الرأسمالية المتوحشة جموح العمل السينمائي لجذب الشباب يؤثر على فكرته الرئيسية.
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

ماجد كامل

 

لا يأتي الشر بصورة واضحة وإنما يتخفى الأشرار عادة وراء قناع الخير والفضيلة، هذا ما تعززه البيئات الرأسمالية، التي تكشف لنا بين الحين والآخر عن أقنعة زائفة ارتداها أصحاب رؤوس الأموال والنفوذ لعقود طويلة. هذه الفكرة لطالما تناولها الأدب وتبنتها السينما العالمية لتعرض من خلالها أعمالا جذابة لمحبي الفن السابع ومغامرات الثأر والانتقام من الأشرار.تتخفى الرأسمالية المتوحشة والشركات العالمية العملاقة عابرة القارات أحيانا وراء العديد من الأقنعة الرحيمة لتقدم نفسها للمجتمعات التي تحيا بها والعالم كوجه طيب حريص على العمل الخيري من أجل خدمة أبناء الطبقات المنسحقة ورعايتهم، وهي أقنعة مموهة بعناية فائقة لإخفاء الوجوه الحقيقية القبيحة التي لا يتورع أصحابها عن الفتك بطبقات كانت أحد الأسباب في سحقها وقتل أحلامها وتردي حيوات أبنائها.وكانت الأقنعة الخيرة والرحيمة المزعومة للرأسمالية وعاء مهما نهلت منه عشرات السرديات السينمائية العالمية الجادة، وفي القلب منها تلك التي أنتجتها هوليوود، مثل أفلام “البستاني الدائم” و”الدولي” و”ذئب وول ستريت” و”صناعة أميركية”.

 

خداع الشعوب

 

يقود الفيلم الإسباني “نفوذ سيء” Bad influence مباشرة إلى قلب هذه الخديعة الكبرى التي تنتشر في العالم تحت أقنعة مختلفة، لخدمة الشعوب، من خلال قصة قدمها الفيلم المستوحى من رواية “مرض النفوذ” Mala influencia للكاتب الإسباني آل واتباد، وأخرجته كلوي والاس، ولعب بطولته ألبرتو أولمو وإيليا روشيرا حول أحد أباطرة المال والأعمال الإسبان الذي يشيد المجتمع بأياديه الخيرة البيضاء بمساعدة فقراء ومحتاجين ورعاية أيتام في مراكز احتجاز ارتكبوا جرائم في طفولتهم.وحاولت المخرجة كلوي والاس التي كتبت أيضا سيناريو وحوار الفيلم بالاشتراك مع الكاتبة ديانا مورو تقديم عمل سينمائي يسرد هذا الخداع لبعض الرأسماليين مع إضفاء أجواء شبابية لجذب شباب يمثلون شريحة كبيرة من المشاهدين.نجحت المخرجة بالفعل في جذب قطاعات كبيرة منهم لرؤية عملها، الذي أطلقته منصة نتفليكس وحقق مشاهدة عالية جعلته يحتل المركز الثاني خلال اليوم الأول من عرضه لتقفز به خلال أيام قليلة إلى صدارة الأفلام الأعلى مشاهدة، وكادت فكرة العمل الأساسية تتوه وسط زخم شبابي جامح امتلأت به أغلب مشاهد الفيلم.تتمحور أحداث الفيلم حول شخصية بروس، أحد أباطرة الرأسمالية الإسبانية ويتبنى عددا من الأطفال وصغار السن من الأيتام، منهم الشاب صغير السن إيروس الذي يرعاه منذ إيداعه في مركز احتجاز الأطفال من مرتكبي الجرائم لاتهامه بالتسبب وهو طفل في إشعال حريق بمنزل أسرته أدى إلى مقتل والديه حرقا، ويقوم بروس بإخراج إيروس من مركز الاحتجاز على ضمانته ليكلفه بمهمة الحراسة الشخصية لوحيدته ريس نظرا لقوة الشاب وميله إلى العنف مستخدما مهاراته القتالية التي تكونت عبر صراعاته مع أقرانه خلال فترة احتجازه في المركز.يدين الشاب إيروس بالولاء التام لبروس لرعايته له ويبدأ مهمته في حماية وحيدته المراهقة ليغوص الفيلم في عوالم المراهقين وصغار السن من طلاب المدارس الثانوية، وهي عوالم جامحة متداخلة من أجواء العلاقات الغرامية وإدمان المخدرات والكحول وحلبات الرقص وغيرها.

 

دوائر فساد

 

سلط العمل الضوء في مشاهد قليلة على العالم الخفي لعدد من أباطرة المال الفاسدين الذين تربطهم شبكات واسعة من المصالح المتداخلة واجتماعاتهم لمناقشة التمترس وراء أنشطة خيرية ظاهرية تقدمهم للمجتمع الإسباني بوصفهم من النخبة الاقتصادية الصالحة المهتمة برعاية الطبقات المنسحقة لتخفي وجوههم الحقيقية شديدة الانحطاط وأفعالا لا يتورع أصحابها عن إلحاق أشد الأضرار بالمجتمع.تكشف قصة العمل أيضا استعباد عدد من هؤلاء الرأسماليين الفاسدين لأفراد العائلات المعدمة للعمل لديهم بأدنى الأجور، ومنهم والدة إيرينا، وهي رفيقة إيروس في مركز الاحتجاز التي استغلها الثري بروس للعمل لديه بأدنى الأجور وعندما رفضت الاستمرار في العمل قام بالانتقام والتخلص منها عبر إشعال حريق في مطعم تخدم فيه ما أودى بحياتها، ليقوم بروس بعدها بإيداع طفلتها إيرينا مركز الاحتجاز.وعبر تنقيبهما المستمر في ملفات الماضي لمعرفة المتسبب في مأساتيهما وإيداعهما مركز الاحتجاز تقود الأحداث إلى اكتشاف الشابين الصغيرين إيروس وإيرينا كون الثري بروس هو المتسبب الحقيقي في المأساة، هو من حرق منزل عائلة الطفل إيروس للتخلص من منافسة والدهما في مجال الأعمال واستخدام نفوذه لدى الشرطة لإلصاق التهمة بالطفل إيروس واتهامه بكراهية والديه وإشعاله النار عمدا في منزل أسرته، وهو السيناريو ذاته الذي رتبه لأم الطفلة إيرينا، إلا أنها قررت عدم الصفح لتردي بروس قتيلا بالرصاص في نهاية أحداث الفيلم.

 

معادلة فاشلة

 

فشلت كاتبة ومخرجة الفيلم كلوي والاس في تقديم معادلة سينمائية متوازنة دراميا وجماهيريا من خلال تقديم فيلم يتناول فساد قطاع من رجال المال الإسبان، وهي الفكرة الجوهرية للعمل ممتزجة بأجواء شبابية شديدة الجموح لجذب الشباب والمراهقين للمشاهدة، ما أغرق القضية الرئيسية للعمل في هذه الأجواء، وشتت انتباه المشاهد حول جوهر الفيلم وفكرتة المهمة لتحاول في نهاية الفيلم لملمة الجموح سريعا للعودة إلى الأهداف الرئيسية، كما سردتها رواية “مرض النفوذ” للكاتب الإسباني آل واتباد التي تغوص عميقا في العالم المقنع لأباطرة المال الفاسدين المقنعين بأقنعة الخير والعطاء المجتمعي لإخفاء وضاعة وجوههم وممارساتهم.كان يمكن أن يظهر العمل أكثر رصانة وجدية ليناسب أهمية طرحه الخطير عبر استعراضه لتفاصيل فساد أباطرة المال وشركاتهم ليأتي في مجمله كطلقة تحذير من زيف بعض الأنشطة الخيرية التي يتخفى وراءها هؤلاء، وهو أمر أفردت له السينما العالمية أعمالا غاية في الأهمية، ناقشت هذه الممارسات الخادعة.ومن أهمها “البستاني الدائم” The Constant Gardener الذي صدر عام 2005 للمخرج العالمي فرناندو ميريليس، ولعب بطولته نجم هوليوود رالف فينيس، الحاصل على عشرات الجوائز العالمية، ورشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار وحصد العديد من الجوائز العالمية الأخرى، ويناقش تخفي إحدى شركات الدواء العالمية العملاقة وراء أقنعة المساعدات الإنسانية للدول الفقيرة في وقت يتسبب دواء جديد لها في موت مفاجئ للمرضى، وتحاول رشوة الدوائر الطبية لمنع كشف الحقيقة.وناقشت تحفة المخرج مارتن سكورسيزي السينمائية “ذئب وول ستريت” The wolf of Wall street التي أطلقها عام 2013 القضية نفسها، ولعب بطولة الفيلم نجم هوليوود ليوناردو دي كابريو عبر شخصية جوردن بيلفورت، والذي يجسده دي كابريو، أحد أهم رجال بورصة وول ستريت في نيويورك، وبرع في استخدام أعمال خيرية خادعة كواجهات وأقنعة لشركات مالية عالمية فاسدة.علاوة على كل ما سبق، هناك أيضا فيلم “الدولي” The international للنجم العالمي كليف أوين وأخرجه توم تيكوير عام 2009 ويدور حول تحقيق دولي يكشف شبكة فساد مالية عالمية تتستر خلف أقنعة الأعمال الخيرية، وتُموّل الحروب عبر تجارتها المتسترة للسلاح.وفي مختلف دول العالم تمثل الأعمال السينمائية التي تتصدى لفضح ونزع أقنعة الفساد المالي الزائفة رقما مهما في صراع الإنسانية لمواجهة هذا الشر الخطير الخادع الذي يقدم نفسه في ثياب الفضيلة الزائفة وفي باطنه يخفي مجموعة أوبئة قاتلة من شأنها الفتك ببنية المجتمعات الأخلاقية على اختلاف أعراقها وجنسياتها.

المشـاهدات 434   تاريخ الإضافـة 25/05/2025   رقم المحتوى 63322
أضف تقييـم