
![]() |
ومضات راندا عزيز رسائل مشفّرة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
ناصر أبوعون راند عزيز شاعرة بالفطرة تؤنسن الصور، وتُلبسها أقنعة المجاز، وتأخذها من يديها إلى بحيرة من الرموز المشفّرة، وتعبر بها من شاطيء الإدارك المباشر Dénotation ، إلى ضفة الإدراك الإيحائي Connotation، وهناك تقوم باستثارة الصور، وتفجير الرموز، وتفكيكها تمهيدًا للانتقال بها من مرحلة الحسيّ إلى التجريديّ استنادًا إلى توظيف الاستعارة المكنية الاسمية المكونة من مضاف ومضاف إليه. على نحو ما نقرأ في هذه الومضة التي ترتكز في نهايتها على استراتيجية المفارقة الصادمة..[عارية العيوب تروي غصن الأَمل/ من ندى العين/ يلُفُها شراعاً/ يلزمُهُ العناق/ والعناق في شريعتنا؛ حَرام!] وعلى منحى آخر نعثر على نوع مغاير من الصور الشعرية، التي يمكننا تسميتها بـ(الفوتوشعرية) التي انحبس الضوء فيها مع انبعاث صوت الغالق للكاميرا، فتجمّد الزمن في لحظة فارقة تفتح الباب واسعا على مصراعيه لدراما التأويل، ومحاولة المتلقي – كل متلقٍ- إعادة تركيب المشاهد داخل بهو روحه التواقة للحظة عشق صادقة.. يمكن تفصيلها على المشاهد الثلاثة التي تتكوّن منه هذه الومضة:[… وبطرفي البريء/ أَلقيتُ عليه من لغةِ جسدي/ بسمةً سِحرُها؛ حَلال]. وفي ومضة أخرى تبزغ (الصورة الانفعالية) كشمس يوليو مُشعلة حطب الروح، وناثرة رماد الوجع؛ حتى تتمكن من التأثير في المتلقي – وفق تعبير جويو-: "فإنه لكي تستطيع الصورة الشعرية التي يرسمها الشاعر، وهي في ذاتها باردة أن تحدث أثراً في نفس القاريء، لا بدّ أن تكون محاطة بإحساسات حادة، ممتزجة بعواطف أخلاقية". وترتكز هذه الصورة على الحسّ كوسيلة مباشرة لإدراك رندا عزيز للعالم المحيط بها، والتي من خلالها يتجسد الألم كواشجة تصل الشاعرة بالموضوع المُصوّر، ولا يتأتى لها ذلك بسهولة إلا بتوفّر حالة انفعالية حادة وغاضبة؛ فالانفعال شرط ضروريّ لبناء هذا النوع من الصور الشعرية.. على ما ندركه في هذه الومضة:[ضاعَتْ بلادي؛ غادَرَها الدَليل/ وكأَنها أَسلمتْ ناصِيتها/ وراحتْ تمشي على قِدرٍ يَغلي/ يمشي على قَدَر..!!] وعلى مقلب آخر توظّف راند عزيز (الصورة السمعية)، من خلال بنية شعرية قائمة على تضفير (الديالوج) و(المنولوج) في ومضة واحدة، وتستعين بالإيقاع الداخلي، الذي يلعب دور أشباه المُوَصِّلات في نقل أحاسيسها الفياضة محمولة على حاستي السمع والكلام، بُغية رسم صورة شعرية عمودها الفقري أصوات الألفاظ التي يكون لها وقعٌ خاص في الأداء الشعريّ، وتنبعث منها طاقة مشعّة بالمعاني تخترق روح المتلقي، مثالا على هذه الومضة التي تقول فيها:[هذا الحزن القابع فينا حدَّ الإدمان/ يقول لنا: إن آلامنا تعرف كيف تقودنا نحو الدواء ../وأقول: هذا الكتاب المُسمى بالإنسان؛ يُقرأ من قلبه.. وفي مثل هذا اليوم وُلدتُ إنساناً…] وفي ومضة أخرى نعثر على (الصورة الشعرية القصصية) ذات البعد الزمني والمكاني، ولكنها صورة تجمع في بنائها المعماري ما بين مشاهد واقعية مجتزأة من الحياة اليومية المُعاشَة، ومشاهد مُتخيلة قامت راند عزيز بتصنيعها، ولَضْمهما معًا في سلك واحد من الوجع، وغالبا ما يقوم (الحدث) بعملية التمهيد لها وتنميتها. ومثال هذه الصورة نعثر عليه في هذه الومضة، التي تقول فيها:[ولأَنكَ المَبنيّ على السُّكون/ لا مَحَلَّ لكَ من الإعراب؛/ نَفيتُكَ.. جَزَمتُكَ.. قَلَبتُكَ..أًيُّها أل: لَمْ:] وفي الأخير يمكننا القول إن ومضات رندا عزيز تختزن طاقة إيقاعية فذَّة تستغرق الفكرة، وتأتي مضفورة في شحنات عاطفية متتالية كموج البحر الهادر، تعلو فتبلغ بك عنان السحاب، وتهبط بك إلى قاع بحيرة لازوردية مسكونة بالموسيقى، ثم تنفذ إلى دهاليز الروح لتستنطق الجوهر، ثم تأخذك مرة أخرى إلى عوالم لانهائية من الخيال، وتسبح بك في فضاء الإيقاع الداخلي؛ لتبقيك حالما ومنفعلا حتى النخاع، فِراشُك جمر، وسهادك سحر، ورقادك سرّ، ثمتقرضك ذات اليمن وذات الشمال مشدوها ومشدودا إلى الفكرة تستنفذ طاقتك العاطفية، فتسكنك الشاعرة، وتحتل عقلك الفكرة، وتستوطن باحة روحك الكلمات.. اقرأ معي هذه الومضات، ففي كل منها سحر خاص:[كُلما فكَكتُ ضفائرَ الكلام/ لأُتَمِمَ قصيدتي../ أَجدُ القولَ في أَناملي/ ما بين هاربٍ ومفقود..]. [ونتوهُ في فوضى هَوجَاء نَسِيَتْ كيف تصلُ/ كاف الخلقِ بمَتنِ النون].[في غربالِ هذا الزمان ؛ خِلخال/ كلما رَنَّ؛ وقَعنا في أنيابِ الضَلال!] |
المشـاهدات 905 تاريخ الإضافـة 31/05/2025 رقم المحتوى 63534 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |