الثلاثاء 2025/6/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
نيوز بار
محنة الهوية الشيعية العراقية
محنة الهوية الشيعية العراقية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

 

 

 

 

لقد بات من الواضح، في المشهد الإقليمي المعاصر، أن بعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا، قد نجحت في توظيف جماعات مسلحة سنية في كل من سوريا والعراق وليبيا وأذربيجان، متخذة منها أدوات تنفيذية لمصالحها الجيوسياسية. هذه الفصائل، التي نشأت بدعم وتسليح وتدريب تركي مباشر، لم يُنظر إليها قط من قبل البيئات السنية في الخليج أو شمال إفريقيا أو حتى العراق، على أنها "مليشيات تركية" أو "سلاح منفلت"، بل جرى احتضانها والدفاع عنها تحت لافتات متعددة: الثورة، المقاومة، الكفاح من أجل الحرية... إلى آخره.وفي المقابل، نلحظ كيف تُشن اليوم، في الداخل العراقي خاصة، حملات واسعة النطاق ضد الحشد الشعبي وفصائل المقاومة التي نشأت في ظل تهديد وجودي فرضه الإرهاب التكفيري المتمثل بداعش، والتي ساهمت بفعالية وشجاعة في دحر هذا التهديد. تتعرض هذه الفصائل اليوم إلى محاولات تشويه وتسقيط إعلامي وسياسي غير مسبوق، بل إن الخطاب الشيعي الداخلي بات ينقسم حيالها بشكل خطير: فبدل أن تُحتضن وتُحصن في الداخل، أصبحت هدفاً سهلاً للقصف الإعلامي والسياسي من داخل "البيت الشيعي" نفسه.

 

إشكالية الهيمنة على الوعي المحلي

 

ما نشهده اليوم ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل هو نتاج لتحول عميق في ميزان القوى الإعلامية والنفسية. فالمحور التركي-السعودي-الإماراتي، المدعوم أمريكياً والمغطى إسرائيلياً، لم يكتفِ بتوسيع نفوذه على الساحة الإقليمية، بل تمكن من اختراق النسيج الداخلي للوعي الشيعي العراقي، مستهدفاً رموزه الدينية والسياسية والثقافية، ومشوهاً تاريخه، ومقللاً من شأن تضحياته.والأخطر من ذلك، أن هذا الاختراق أدى إلى تنامي أصوات داخل الوسط الشيعي تمجد عهد البعث الساقط وصدام المجرم وتبكي على "أيامه"، وتتنكر للمظلومية التي عانى منها الشيعة لعقود طويلة في ظل نظام دموي ديكتاتوري صنفته الأمم المتحدة كأحد أسوأ أنظمة الحكم في التاريخ الحديث.

 

ماذا يعني كل ذلك؟

 

إنها أزمة هوية عميقة، وأزمة وعي تاريخي. وهي لا تُحل بالشعارات أو الردود الانفعالية، بل تحتاج إلى استراتيجية ثقافية- سياسية شاملة، تبدأ من الداخل الشيعي أولاً، وتعمل على استعادة الوعي الجمعي، وإعادة الاعتبار للثوابت التي أنشئ عليها الحشد والمقاومة. ما يحتاجه البيت الشيعي اليوم ليس خطاب كراهية، ولا عودة للانغلاق، بل لحظة وعي صارمة، قاسية، موجعة. وحقيقة تقول: لا أحد سيحترمكم إن لم تحترموا تضحياتكم, ولا أحد سيحميكم إن تخليتم عن من حماكم. ولا دولة ستقوم إن كانت ذاكرة ناسها مثقوبة، تتذكر ما قيل عنها في الإعلام الخليجي، وتنسى ما قيل على لسان شهيد الحشد وهو يزحف نحو النار دفاعاً عن العرض والأرض.إن المواجهة الحقيقية اليوم ليست في البرلمان، ولا في السلاح، بل في العقل الجمعي.نحتاج إلى ثورة داخل الوعي الشيعي، تستعيد معنى المقاومة، وتفكك الخطاب الانتحاري الذي يحاكم الحشد بمنطق الخصوم، ويصنع بطولة كاذبة لمن مزق العراق بسكاكين الطائفية.نحتاج إلى استراتيجية ثقافية-سياسية طويلة النفس، لا تبحث عن رضا الآخر، بل تبني ذاتها بثقة، وتعيد الاعتبار لكل دم سال دفاعاً عن هذا الوطن، وتحيي الثوابت التي نشأ عليها تضحيات ابناء الحشد: الإيمان بالوطن أولاً، ورفض الهيمنة الخارجية بكل أشكالها، والدفاع عن المقدسات دون مساومة, وبناء دولة قوية لا تخجل من دماء شهدائها

 

خلاصة القول

 

ليس من المنطق أن يُحتفى بالفصائل المرتبطة بأجندات تركية أو خليجية وتُمنح شرعية إعلامية وسياسية، بينما تُهاجم فصائل عراقية أثبتت دورها الميداني في الدفاع عن السيادة. إن المسؤولية الكبرى تقع على العراقيين أنفسهم – سنةً وشيعة وكرداً - في استعادة الخطاب الوطني الحر، ورفض التبعية العمياء للأصوات الإقليمية والدولية التي تعمل على تمزيق العراق من الداخل.الحشد ليس مجرد مؤسسة عسكرية، بل هو انعكاس لصورة العراق في لحظة الخطر، فإما أن يُصان ويُحتضن ضمن دولة عادلة، أو يُسحق ضمن مشروع تفتيت وطني تقوده أطراف لا تريد للعراق خيراً.

المشـاهدات 290   تاريخ الإضافـة 01/06/2025   رقم المحتوى 63599
أضف تقييـم