
![]() | |
شعرية الاسم والمعنى تأملات في قصيدة هذا هو اسمكَ… هذا هو اسمي للشاعر علي حسن الفواز | |
![]() ![]() ![]() |
|
![]() | |
![]() | |
![]() | |
النـص :
ناظم ناصر القريشي مدخل تأملي: الاسم كهوية متحولة بين المعنى والضياع الاسم، في رؤية الشاعر، ليس مجرد علامة لغوية، بل بوابة تفضي إلى المعرفة والخداع معاً، مثل اللغة التي تكشف بقدر ما تخفي. في هذه القصيدة، يستدعي الفواز رمز أدونيس، ليكشف كيف يتحول الاسم من مجرد دال لغوي إلى فضاء للأسطورة والإبداع، حيث تتداخل الهوية بالشعر والتاريخ. فالاسم هنا ليس مجرد هوية فردية، بل هو كيان متكامل: "كان اسمه يكدّسُ الأساطير، ويمنح «دم الذبيحة» سحرَه المقدّس، لذا ظلّ مكشوفا للأخطاء والعابرين، وصنّاع الحرائق الصغيرة". الاسم هنا ليس مجرد دال لغوي، بل رمز للتضحية والتأويلات المتعددة، يعكس إرثاً من الصراع والتاريخ
اللغة كحركة لا نهائية بين المعنى والخديعة يرى الشاعر أن الاسم قد يكون مدخلاً للمعنى، لكنه أيضاً مدخل للخطر: "الاسمُ مفتتحٌ للمعنى أو للذبحِ، أو للغواية، يكشفُ لنا سيرةَ أسماءِ القتلى، يشحذُ لها الكلامَ على طريقة السيّافِ" هنا، يتحول الاسم إلى حد مسنون، يمكن أن يكون مدخلاً للمعرفة أو مدخلًا للموت. هذا التصور يعكس تاريخ الأسماء التي حملت ثقل الثورات والصراعات، فأصبحت مرتبطة بالقتل والتاريخ الدامي. يشير الفواز إلى أن الاسم، مثل اللغة، قد يكون سحراً أو خدعة: "أنا أقرأهُ مثل لوحٍ أسطوري، أشاطره نزفَ المعنى، لكني أخشى أسحارَه البلاغية، إذ كثيرا ما يُقشّر الأبجديةَ، ويتركني للاستعاراتِ المُفخخةِ." فاللغة ليست مجرد وسيلة تعبير، بل فضاءٌ للصراع والتأويل، حيث تتقاطع الحقيقة بالوهم: "مررها الملوكُ/ الرؤساءُ/ الفقهاءُ ذات حربٍ طائشةٍ أيضا.. كنّا مخدوعين كثيرا، نلتذُ بخدعتنا، نبكي موتانا الأسطوريين، نبكي مدنا وممالكَ ضائعةً،" هنا، ينتقد الشاعر كيف استخدمت الأسماء والتاريخ كأدوات للتضليل، حيث يعاد إنتاج الأحداث وفقا لرؤية السلطة، فيغدو الاسم خديعة يتم توظيفها لإيهام الجماهير بحقيقة زائفة. في ختام القصيدة، يعود الشاعر إلى فكرة التلاعب بالاسم، حيث يصبح الاسم رهاناً بين الأسطورة والواقع، بين التورية والحقيقة: أتوهمه حصنا للأساطير، لا يشبهُ أقنعةَ اللصوص، هو مسكون بأبهة السلالة، له ديّة المقتولين منذ السقيفة، يشاطرنا حكمةَ السجال، ويقظةَ الجمر، ويقظةَ المعنى.. هنا، الاسم لا يعود مجرد كلمة، بل مساحة للصراع والتأويل، وهوية متحركة بين الموت والحياة، بين التاريخ والحداثة، بين الحاضر والماضي. إنه يشكل مزيجاً من القداسة والأسطورة، الخديعة والحقيقة، القوة والضعف.
اللغة المتحركة في قصيدة "هذا هو اسمكَ… هذا هو اسمي" اللغة في قصيدة "هذا هو اسمكَ… هذا هو اسمي" لعلي حسن الفواز ليست مجرد أداة للتعبير، بل كيان حيّ يتحرك داخل النص، يتغير ويتحول، يتخفى خلف الأقنعة ثم يظهر بصور متناقضة. إنها لغة قلقة، مفتوحة على التأويلات، ترفض الاستقرار في معنى واحد، وتعيد خلق نفسها مع كل قراءة جديدة. تتحرك القصيدة بين فضاءات التشكيل البصري والموسيقى والإيقاع والسينما، مما يجعلها تجربة شعرية متعددة الأبعاد، لا تكتفي بالكلمات بل تتجاوزها إلى فضاءات أوسع من التلقي الجمالي.
اللغة كحركة بين المعاني المتناقضة ترتكز القصيدة على جدلية الثبات والتحول، حيث يقدم الاسم تارة كحامل للمعنى وتارة أخرى كمفتتح للذبح والغواية، وكأن لا معنى للهوية دون أن تكون معرضة للتلاعب السياسي والتاريخي. فالاسم ليس مجرد كلمة تحدد الفرد، بل هو ساحة للصراع بين الأسطورة والسياسة والذات. يقول الشاعر: "الاسمُ مفتتحٌ للمعنى أو للذبحِ، أو للغواية، يكشفُ لنا سيرةَ أسماءِ القتلى، يشحذُ لها الكلامَ على طريقة السيّافِ". هنا، يتحرك الاسم بين الحياة والموت، بين الحقيقة والزيف، بين القداسة والانتهاك. إنه ليس ثابتاً، بل متحول، مما يجعله مرآة لعلاقة الفرد بماضيه وهويته وسلطته. التناقضات اللغوية تدفع اللغة إلى مساحات التأرجح بين اليقين واللايقين، بين التصريح والمواربة، بين الإعلان والاختفاء.
اللغة التشكيلية: القصيدة كلوحة متغيرة يستخدم الشاعر صوراً تشكيلية متداخلة، حيث تتحول الكلمات إلى ظلال ومساحات نابضة بالحياة. يقول الفواز: "كان اسمه يُكدّسُ الأساطير، ويمنح «دم الذبيحة» سحرَه المقدّس." "القصيدة تعتمد على مشاهد بانورامية، حيث يمتزج التاريخ بالأسطورة، ويتحول الاسم إلى رمز مفتوح على التأويل، تتلاعب به السلطة كما تتلاعب بالأحداث. في مشهد آخر، تتحول اللغة إلى سريالية بصرية، حيث يصور الشاعر الكلمات كأنها كائنات مستقلة تعيد خلق نفسها: "اللغةَ كانت قرصاناً أعورَ، أغوى البحارةَ والبحرَ". هنا، نشعر وكأننا أمام لوحة لسلفادور دالي، حيث الواقع يتداخل مع الخيال، واللغة تتحول إلى كائن حي يخدع ويغوي ويعيد تشكيل الحقيقة وفق أهوائه.
اللغة الموسيقية: التكرار والإيقاع الديناميكي الإيقاع في القصيدة متغير، يتأرجح بين التكرار والتقطيع الصوتي، ليخلق توتراً موسيقياً فريداً. يستخدم الشاعر التكرار الديناميكي كما في قوله: "هذا هو اسمي"، حيث تتغير دلالة الجملة مع كل إعادة، فتتحول من إعلان للهوية إلى تساؤل، ثم إلى سخرية خفية. الوقفات والتقطيع في الجمل يمنحان النص إيقاعاً درامياً، أقرب إلى موسيقى تجريبية تتجنب الرتابة.
اللغة السينمائية: القصيدة كمشهد سينمائي متحرك تتحرك القصيدة مثل لقطات سينمائية تتغير زواياها باستمرار، حيث تتداخل اللقطات القريبة مع اللقطات البانورامية، مما يمنحها بُعداً بصرياً أقرب إلى السينما التعبيرية. تبدأ القصيدة بمشهد تأسيسي، حيث يتم تقديم الشخصية المركزية (الاسم) بطريقة درامية: "كان اسمه يُكدّسُ الأساطير." هذه الجملة تصلح لأن تكون المشهد الافتتاحي لفيلم سينمائي غامض، حيث يظهر الاسم ككائن أسطوري في وسط مشهد مليء بالرموز. ثم ننتقل إلى لقطات متتابعة سريعة كما في: "ألبسُ قناعَك، فاتوهمُ الطرقَ غاويةً، أخلعهُ فأوهمَ نفسي بالطيران". هنا، يمكن تخيل الكاميرا وهي تتحرك بين زوايا مختلفة، تصور شخصية مأزومة تحاول التحرر من هويتها لكنها تعود إليها في كل مرة. يمكن أن نرى هنا تأثير أندريه تاركوفسكي أو ديفيد لينش، حيث تتكرر المشاهد بطريقة دائرية، مما يخلق إحساساً بالعزلة والتكرار الوجودي. تعتمد القصيدة على المونتاج الذهني، مما يجعلها أقرب إلى السينما الحداثية التي تتلاعب بالزمن والسرد، حيث تتحول المشاهد إلى تأملات مفتوحة حول الاسم والهوية.
اللغة ككيان متحرك ومستقل في النهاية، لا تبقى اللغة في القصيدة مجرد وسيلة لنقل الأفكار، بل تتحول إلى كائن مستقل، يعيد خلق المعاني ويقاوم الثبات. إنها لغة تتنقل بين التشكيل البصري، الإيقاع الموسيقي، والسرد السينمائي، مما يجعل النص ليس مجرد تجربة شعرية بل تجربة حسية متكاملة. بهذا، تصبح القصيدة فضاءً ديناميكياً، حيث لا يبقى الاسم مجرد كلمة، بل يتحول إلى صراع بين الأسطورة والواقع، بين الحقيقة والخداع، بين الثبات والانزياح. وهكذا، لا نقرأ القصيدة فقط، بل نراها ونسمعها ونشاهدها كعمل فني متعدد الأبعاد.
الشفرة الإبداعية في قصيدة "هذا هو اسمكَ… هذا هو اسمي" تبنى القصيدة على شفرات لغوية ورمزية تجعلها نصاً متشعب التأويل، حيث تتجاوز السرد الشعري إلى تفكيك لغوي وفكري للأسطورة والسلطة والتاريخ، عبر شبكة معقدة من الرموز والصور، التي تخلق شفرة إبداعية معقدة تتطلب قراءة واعية لفك تشابكاتها.
الشفرة اللغوية: تفكيك المعنى وإعادة بنائه تعتمد الشفرة الإبداعية في القصيدة على تفكيك اللغة وإعادة بنائها بطريقة غير متوقعة، حيث تصبح الكلمات كيانات ديناميكية تعيد تعريف ذاتها في كل سطر. فالاسم ليس مجرد علامة ثابتة، بل هو جزء من لعبة لغوية كبرى، يتغير وفق السياق الذي يوضع فيه. "أنا أقرأهُ مثل لوحٍ أسطوري، أشاطره نزفَ المعنى، لكني أخشى أسحارَه البلاغية، إذ كثيرا ما يُقشّر الأبجديةَ، ويتركني للاستعاراتِ المُفخخةِ." في هذا المقطع، تتحول اللغة إلى كائن مسحور، قادر على التحول والتلاعب بالمعاني، مما يجعلها شفرة لا يمكن فكها بسهولة، بل تتطلب من القارئ إعادة التفكير في طبيعة الكلمات ودلالاتها الخفية.
الشفرة الرمزية: اللعب بالأسطورة والتاريخ تحمل القصيدة بنية رمزية كثيفة، حيث يستدعي الشاعر شخصيات ورموزاً من الأسطورة والتاريخ والسلطة، لكنه لا يستخدمها بوصفها مجرد إحالات ثقافية، بل يعيد تفكيكها داخل النص ليمنحها أبعادًا جديدة. في استدعائه لأدونيس، لا يقصد الشاعر فقط الاسم الشعري للكاتب المعروف، بل يستدعي أسطورة أدونيس الإغريقية، التي تمثل التجدد والدم والموت والقيامة، مما يجعل الاسم نفسه رمزًا لدورة الوجود بين الفناء والخلود. "مررها الملوكُ/ الرؤساءُ/ الفقهاءُ ذات حربٍ طائشةٍ أيضا.. كنّا مخدوعين كثيرا، نلتذُ بخدعتنا، نبكي موتانا الأسطوريين، نبكي مدنا وممالكَ ضائعةً". هنا، لا يتحدث النص عن وقائع محددة، بل يستخدم التاريخ بوصفه نصاً مفتوحاً، قابلاً لإعادة القراءة والتأويل. بهذه الطريقة، يصبح الاسم رمزاً للهوية الجماعية التي يتم التلاعب بها وإعادة تشكيلها وفق مصالح السلطة.
الشفرة الإيقاعية: الموسيقى الداخلية والتكرار الديناميكي الإيقاع في القصيدة لا يخضع لنمط تقليدي، بل يعتمد على التكرار الديناميكي والتقطيع الصوتي، مما يخلق حركة موسيقية غير متوقعة داخل النص. "هذا هو اسمي" تكرار هذه الجملة في مواضع مختلفة لا يعني إعادة التأكيد، بل هو جزء من لعبة موسيقية حيث يتغير معناها في كل مرة، فتكون مرة إعلاناً عن الهوية، ومرة تشكيكاً فيها، ومرة سخرية خفية. كما يعتمد الشاعر على التقطيع الجُملي والفواصل الحادة لخلق إحساس بالإيقاع المتغير، مما يجعل القراءة شبيهة بتجربة الاستماع إلى موسيقى تجريبية، تتجنب الإيقاع الثابت لصالح التدفق الحر. الشفرة السردية: تفكيك الزمن والتلاعب بالسياق القصيدة لا تتبع تسلسلاً خطياً في السرد، بل تتشكل من طبقات متداخلة من الصور والمشاهد والأصوات، مما يجعلها نصاً مفتوحاً على قراءات متعددة. "أتوهمه الشاهدَ والخالقَ والرائي، لذا أنحازُ إلى اسمكَ القديمِ، أتغوى بجذره المقتولِ، والواقفِ في حنجرةِ الوقتِ أبدا"… هنا، يبدو وكأن النص يعيد إنتاج ذاته داخل دائرة مغلقة من التأملات حول الهوية والزمن والتاريخ، مما يجعل القارئ في حالة دائمة من إعادة التفكير في سياق الأحداث ودلالاتها.
الشفرة البصرية: القصيدة كلوحة تشكيلية ومشهد سينمائي تمزج القصيدة بين الرؤية السينمائية والرؤية التشكيلية، حيث تتنقل بين اللقطات القريبة والمشاهد البانورامية، مما يجعلها تجربة بصرية حية. يبدأ الشاعر بمشهد افتتاحي يبدو وكأنه لقطة أولى لفيلم رمزي، ثم ينتقل إلى مشاهد سريالية تتداخل فيها الألوان والظلال، ثم يقطع المشهد بلقطات حادة تذكر بالسينما التجريبية حيث تتداخل الأزمنة والأحداث دون تسلسل تقليدي. هذه التقنية تجعل القصيدة نصاً متحركاً بصرياً، قابلاً للعرض على الشاشة كما هو قابل للقراءة على الورق، حيث لا يتم تقديم القصة بطريقة خطية، بل عبر تداخل المشاهد والظلال والإيحاءات البصرية.
التأويل الفلسفي: الاسم كهوية متأرجحة بين الذات والآخر من منظور فلسفي، هذه القصيدة تطرح سؤالاً جوهرياً: هل الاسم يعبر عن جوهر الذات، أم أنه مجرد قناع يفرض علينا؟ في الفكر الوجودي، الاسم ليس شيئاً يولد معنا، بل هو شيء يسبقنا، شيء نلقى فيه كما نلقى في العالم دون أن نختاره. القصيدة تكشف هذا التوتر: الاسم ليس هوية نختارها، بل هو شيء نحاول التفاوض معه، شيء نحاول أن نعيد امتلاكه أو نتحرر منه. "أنا أتوهمه الشاهدَ والخالقَ والرائي". الاسم ليس مجرد كلمة، بل هو عين أخرى تراقبنا، هوية مفروضة علينا، خطاب نرثه قبل أن نصبح قادرين على إعادة تعريف أنفسنا. إذا كان ديكارت يقول: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، فإن القصيدة تطرح معادلة مختلفة: "أنا أُسمّى، إذن أنا مقيد، أنا موضوع للتأويل، أنا جزء من تاريخ لم أكتبه، بل كُتب لي". وهكذا، تتحول القصيدة إلى حوار فلسفي مع فكرة الهوية، مع فكرة الوجود اللغوي للذات، مع السؤال الكبير: هل نحن أسماؤنا، أم أننا شيء آخر تماماً...؟
البعد الأسطوري: الاسم كرمز للخَلق والتضحية القصيدة تستدعي في بنيتها الأساطير القديمة، حيث الاسم ليس مجرد علامة، بل هو قوة سحرية، هوية تُمنح وتُسلب، لعنة أحيانًا، وبركة أحيانًا أخرى. في الأساطير، يرتبط الاسم بفعل الخلق. لكنه في الوقت نفسه، وسيلة للسيطرة، حيث يمنح القوة لمن يملك حق التسمية، ففي الميثولوجيا السومرية والمصرية والإغريقية، كان للاسم قدرة سحرية، حيث كان من يمتلك الاسم الحقيقي لشيء ما، يمتلك قوته. لكن في هذه القصيدة، الاسم ليس مصدر قوة، بل هو مكان للخديعة، للحرب، للصراع. "مررها الملوكُ/ الرؤساءُ/ الفقهاءُ ذات حربٍ طائشةٍ أيضا". الاسم هنا يشبه أسماء الضحايا في الطقوس القديمة، حيث ينطق الاسم عند الذبح، ليصبح الاسم شاهداً على الفقد، على التضحية، على السلطة التي تعيد تعريف من يسمى ومن يمحى اسمه.
الاسم بين الحرية والقدر: مقارنة بين أدونيس والفواز يرى أدونيس أن الاسم فعل حرية، يولد مع الذات ويتجدد معها، بينما يراه الفواز قدراً محكوماً بالتاريخ والسلطة، لا يمكن انتزاعه بسهولة. يقول الفواز: "الاسمُ مفتتحٌ للمعنى أو للذبحِ، أو للغواية، يكشفُ لنا سيرةَ أسماءِ القتلى، يشحذُ لها الكلامَ على طريقة السيّافِ". "في مقابل تصور أدونيس للهوية كاختيار ذاتي، يرى الفواز أن الاسم ليس خياراً فردياً، بل هو إرث مثقل بالتاريخ والدم، تحكمه قوى خارجية تعيد إنتاجه وتأويله.
الاسم بين الحرية والقدر بينما يسعى أدونيس إلى كسر الروابط مع الماضي وجعل الاسم فضاءً للتحرر، يؤكد الفواز أن الاسم ليس منفصلاً عن التاريخ، بل هو جزء من لعبة السلطة، حيث يعاد تشكيله وفقاً للظروف السياسية والاجتماعية. عند أدونيس، الاسم ولادة متجددة، صوت يخرج من العدم، هوية يخلقها الفرد لنفسه. عند الفواز، الاسم سجل محفوظ في أرشيف القوى الحاكمة، لا يملك صاحبه حق تقرير معناه، لأنه خاضع للدم والأسطورة والتأويل السياسي.
بين الخلق والتكرار بينما يرى أدونيس الاسم كفعل حرية، يراه الفواز قدراً مثقلاً بالتاريخ، فالأول يعلن: "هذا هو اسمي، إذن أنا موجود"، والثاني يرد: "اسمك ليس لك، بل هو إرث من الدم والتاريخ". بين هذين الموقفين، يبقى السؤال معلقاً: هل يمكن للإنسان أن يحرر اسمه من ماضيه؟ أم أن كل اسم هو ظلٌ طويلٌ لما سبقه من أسماء؟ بهذا، تتجلى القصيدتان كصراع بين حرية الاسم وقدريته؛ هل هو فعل اختيار، أم ظل طويل يمتد من الماضي إلى الحاضر؟ كأن كل اسم يحمل داخله تاريخًا لم يختره صاحبه، لكنه يظل رهين تأويله والعيش في ظلاله. وهكذا، يبقى الاسم مساحة تأويل مفتوحة: بين أن يكون صوتاً خالصاً للذات، أو أن يكون نقشاً قديماً لحكايات السلطة والماضي والأسطورة.
خاتمة: القصيدة كفضاء إبداعي متعدد الأبعاد الاسم ليس مجرد دلالة لغوية، بل هو هوية متغيرة، تتحرك بين الواقع والرمز، بين السلطة والأسطورة، بين الحقيقة والخداع. في قصيدة علي حسن الفواز، لا يبقى الاسم مستقراً، بل يمر بتحولات مستمرة، كأنه شخصية في مسرحية وجودية، كأنه ضوء يتغير في مشهد سينمائي، كأنه موسيقى تكرر نغمتها لكنها لا تعود إلى النغمة ذاتها. بهذا، تتحول القصيدة إلى تجربة متعددة الأبعاد، لا تُقرأ فقط، بل ترى وتسمع وتحس، كأنها مرايا تعكس وجوهاً متعددة، تتغير مع كل قراءة، ومع كل قارئ.
النص هذا هو اسمكَ…هذا هو اسمي. علي حسن الفواز إلى أدونيس الذي أشبهه منذ أن أغوى رأسَه بـ «العصفِ» حتى أطلق ساقيه لريحِ المعنى، كان اسمه يُكدّسُ الأساطير، ويمنح «دم الذبيحة» سحرَه المقدّس، لذا ظلّ مكشوفا للأخطاء والعابرين، وصنّاع الحرائق الصغيرة.. الاسمُ مفتتحٌ للمعنى أو للذبحِ، أو للغواية، يكشفُ لنا سيرةَ أسماءِ القتلى، يشحذُ لها الكلامَ على طريقة السيّافِ، لا تنتهي الحكايةُ حتى يضحكُ كثيرا على ما تفعلُه الأسماءُ الصاخبةُ والعاطلةُ، الأسماءُ التي أيقظها الثوارُ عند حافةِ الفكرةِ، أو تركها السيّافُ عند حافةِ المقصلة.. أنا أقرأهُ مثل لوحٍ أسطوري، أشاطره نزفَ المعنى، لكني أخشى أسحارَه البلاغية، إذ كثيرا ما يُقشّر الأبجديةَ، ويتركني للاستعاراتِ المُفخخةِ. «هذا هو اسمي» هكذا يُصرّحُ أدونيس، يتغوّى به، يمنحه سرَّ الأقنعة والأحجيةِ، يحمله قيدا أو ضوءا، ويُحرّضنا على ارتكاب الأخطاء النبيلة، في الطريق إلى المعنى، لم يشأ أن يقلّب «تاريخه المقتول» إذ هو تاريخُ الأرضِ والسلالةِ والنساءِ المسبيات، ويرمي له تاريخَ المرآة بحجر، يُساخره مثل خدعةٍ طائشة، مررها الملوكُ/ الرؤساءُ/ الفقهاءُ ذات حربٍ طائشةٍ أيضا.. كنّا مخدوعين كثيرا، نلتذُ بخدعتنا، نبكي موتانا الأسطوريين، نبكي مدنا وممالكَ ضائعةً، يهجرُنا المعنى، أو نهجره مثل الأطفالِ، لكنّ اللغةَ كانت قرصاناً أعورَ، أغوى البحارةَ والبحرَ، وأطلق للريحِ حكاياتٍ غاويةً عن مدنٍ لا تغفو عند خطيئات الليل، إذ تنفرُ مثل لصوصِ المعنى، تُخادعُ المُقدّسَ بالخطايا، و«خوذة السيّاف» برائحة الأنثى… لقد تركتْ الحربُ/ المدن والحربُ/ الطوائف أسماءَنا متعثرةً بالتأويل، والفراغاتِ الفاضحةِ، فما عدنا نملكُ سوى «أساطير الجند» وتعازيم الطين.. «هذا هو اسمي» لعبةٌ فادحةٌ في الفضائحِ، وسقوطٌ للأعلى، إذ يوهبُ تعويذةُ الخلاصِ، وحكايةُ النظائر والأقنعة والتوريات. أنا «عليُ بن يقطين» وأنت «عليُ بن سعيد» كلانا خارجانِ من الغوايةِ إلى الاستعارةِ، من سعةِ الفكرةِ إلى ضيقِ العبارةِ، ألبسُ قناعَك، فاتوهمُ الطرقَ غاويةً، أخلعهُ فأوهمَ نفسي بالطيران.. الأسماءُ سماواتٌ أو سيطراتٌ للمعنى القاتل، أو للمعنى الباذخِ، أو للمعنى المكشوف على آزفة التأويل.. يا ابنَ سعيد.. أعرفُ أنكَ لا تصنع المدائحَ، تشتري التاريخَ بالخردة، إذ تكرهُه مثل ظلكَ في المرآة، تعانده مثلَ شيخٍ رمم السنواتِ بالترياقِ، فاطلقَ عقيرتَه للغناءِ البليلِ والشجاعة الباسلة.. اسمي يا ابنَ سعيد يشبهك كثيرا، وربما أنا أشبهكَ كثيرا، أحمل معي زوادةً وأسلحةً وأساطيرَ وكيسا من المراثي، لا استترُ عن المعنى، فأنا عالقٌ بالغوايةِ، أبادله الفضائحَ، وأكشفُ له عن أخطاء الجنرالاتِ والشعراء والعيارين. لا أوهم الحشودَ بالثورات الصاخبة جدا، لكني لا أصدّق أيضا أسطورة السلحفاة، لذا أتقصى اسمكَ/ أو اسمي أتقنّعه، أُشطارُه لعبةَ البلاغةِ والفصاحةِ والتوريةِ، | |
المشـاهدات 58 تاريخ الإضافـة 03/06/2025 رقم المحتوى 63675 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |