الخميس 2025/6/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
نيوز بار
على هامش بغداد ( عاصمة السياحة العربية)
على هامش بغداد ( عاصمة السياحة العربية)
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

السياحة في شارع المتنبي: عبق الماضي ونبض الثقافة وجولة من الميدان إلى المتنبي- حكايات ترويها الحجارة.

حمدي العطار

حين يُذكر اسم بغداد، يتبادر إلى الذهن فورًا شارع المتنبي، القلب النابض للثقافة العراقية، والرمز الأصيل لعراقة الكلمة وجمال الفكر. هذا الشارع ليس مجرد مكان لبيع الكتب، بل هو فسحة من الذاكرة والتاريخ، ومقصد لكل من يهوى الأدب والفن والتراث.

*المتنبي… جولة بين الكتب والذكريات

في زيارة خاطفة امتدت على طول شارع المتنبي، الذي يبلغ حوالي كيلومترين، انطلقت رحلتنا في هذا المكان التراثي الغني بالمكتبات التي تحتضن كنوز الأدب الورقي، من أمهات الكتب التراثية إلى أحدث الإصدارات المعاصرة. جاءت زيارتنا بالتزامن مع مشاريع تطوير شارع الرشيد والمناطق المحيطة، استعدادًا لاحتفالات اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية.

*بدأنا جولتنا من تمثال الشاعر الكبير معروف الرصافي، ثم توجّهنا إلى مقهى الشابندر التراثي، حيث جلسنا بين جدرانه التي تحفظ قصص عشرات السنين من اللقاءات الأدبية والنقاشات الثقافية. لم ننسَ أن نلقي التحية على تمثال أبي الطيب المتنبي، الذي يقف شامخًا في الشارع الذي يحمل اسمه.

*وسط جمهور كبير من عشاق الكتب وروّاد الثقافة، تجوّلنا بين أروقة المركز الثقافي البغدادي، على مقربة من بناية القشلة الأثرية وسوق السراي العريق. كل ركن في هذا المكان يروي قصة من تاريخ بغداد، وكل زائر يضيف بصمته الخاصة على ذاكرة المكان. وكان من دواعي سرورنا أن نرافق في هذه الجولة كلاً من المهندس علي المياحي، القادم من أستراليا، وهو ابن شقيقتي، إلى جانب شقيقي الفنان التشكيلي حامد العطار.

*شارع المتنبي ليس مجرد شارع، بل هو تجربة روحية وثقافية فريدة، ومتحف حي مفتوح على ضفاف دجلة. في هذا الصباح الجميل، استمتعنا بساعات من التأمل والجمال في حضن التاريخ. إنها رحلة تستحق أن تتكرر، ومكان يجب أن يكون على خارطة كل زائر لبغداد. فالمتنبي هو مرآة حضارتنا، وملتقى الإبداع بكل أشكاله.

 

*الجولة الثانية: من الميدان إلى المتنبي..حكايات ترويها الحجارة

 بين أزقة بغداد العتيقة، حيث تتنفس الحضارة من حجارتها وتهمس الذاكرة بحكايات الأجداد، تبدأ رحلةٌ في عمق التاريخ والإرث الإنساني. في هذا اليوم الجميل، تحتضن العاصمة العربية للسياحة زائريها بجمالها المتنوع، الذي يجمع بين أصالة الماضي وحيوية الحاضر. انطلقنا في جولةٍ ثانية من "الميدان" إلى شارع المتنبي، رفقة ابن أختي القادم من أستراليا، لنروي له قصصاً عن أماكنٍ تحمل في تفاصيلها روح العراق ووجعَه، وألقاً لا يخفت رغم تقلبات الزمن.

 

*الميدان: شاهدة على تحولات التاريخ

لا يُختزل اسم "الميدان" في كونه مجرد ساحةٍ واسعة، بل هو كتابٌ مفتوح يحكي فصولاً من تاريخ بغداد. يعود الاسم إلى الحقبة العثمانية حين كانت الساحة مكاناً لاستعراضات الجيش وتنفيذ أحكام الإعدام، حيث لا تزال ذاكرة المكان تحمل صدى خطوات "طه ناعور الأعور"، أشهر الجلادين آنذاك. لكن الميدان لم يكن رمزاً للقسوة فقط، بل شهد ميلاد شخصياتٍ سياسية وثقافية بارزة مثل نوري السعيد وكامل الجادرجي، واحتضن مقرات الصحف البغدادية وجامع الحيدرخانة، الذي تحول إلى مركز إعلامي لثورة العشرين. أمام بوابة وزارة الدفاع القديمة، التقطتُ صورةً لابن أختي وأنا أروي له نكتة العراقيين التي طالما تداولوها: "وزارة الدفاع مقابل محل لبن أربيل!"، دليلاً على أن التاريخ قد يُروى أحياناً بلمسة من الفكاهة الشعبية.

*سوق الهرج: كنوزٌ تبحث عن إحياء

في زحام سوق الهرج، حيث تتناثر قطع الأثاث العتيق والطوابع النادرة، يشعر المرء وكأن الزمن توقف هنا ليحفظ ذكريات القرن الماضي. رغم أهميته كواحد من أبرز الأسواق التراثية، يحتاج هذا المكان إلى يدٍ تُعيد تأهيله ليكون وجهةً سياحية بجدارة. وقفنا عند جامع الأحمدية الأثري، الذي شُيّد عام 1796، لنتأمل عمارته التي صمدت أمام تقلبات القرون.

*المقاهي البغدادية: مدارسُ للأدب والفكر 

قال عبد الرحمن منيف يوماً: "المقاهي في بغداد مدارس وأحزاب"، ولعل زيارة مقهى "الأسطورة " "أم كلثوم" و"الزهاوي" خير دليل على ذلك. هنا، تحت سقفٍ يعبق برائحة القهوة والكتب، التقينا بتحسين المياح، مدير المقهى المثقف الذي يحوّل فنجان القهوة إلى حوارٍ عن الأدب والسياسة. هكذا تتحول المقاهي البغدادية إلى صالونات ثقافية، تُعيد إنتاج روح المدينة التي لم تفقد بريقها رغم كل شيء.

*زُبَالة وكعك السيد: أيقوناتٌ من حلويات الماضي

لا تكتمل الجولة دون تذوّق شربت الزبيب من محل "زُبَالة" العتيق (تأسس عام 1900)، الذي حافظ على نكهته منذ أيام العثمانيين، وارتبط بذكريات الملوك والرؤساء. أما "كعك السيد" المجاور لجامع الحيدرخانة، فقد حجبته أعمال الترميم عن عدستنا، لكن شهرته تظل جزءاً من أسطورة شارع الرشيد.

*الخاتمة:

مع غروب الشمس، ودّعنا ابن أختي متجهًا إلى مطار بغداد، حاملاً في حقيبته هدايا من سوق الهرج، وفي ذاكرته صوراً لساحات الميدان وهمس المقاهي. ربما لم تقنعه كلمتي بأن بغداد لا تشيخ، لكني أيقنتُ أن هذه الجولة أثبتت له أن المدينة، رغم جراحها، تبقى متجددةً كالنخلة: جذورها ضاربة في عمق التاريخ، وأغصانها تحمل كل يومٍ ربيعاً جديداً. هكذا هي بغداد: تُغادرها بأعينٍ دامعة، لكنك تعود إليها بقلبٍ يشتاق.

المشـاهدات 152   تاريخ الإضافـة 03/06/2025   رقم المحتوى 63677
أضف تقييـم