النـص :
في تحول مفاجئ، حلّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ضيفًا رسميًا على القاهرة، في زيارة وصفت بأنها "الأرفع" منذ سنوات، التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعددًا من كبار المسؤولين، وناقش ملفات إقليمية حساسة على رأسها الوضع في غزة، ومسارات التهدئة، والعلاقات الثنائية بين البلدين.هذه الزيارة ليست مجرد محطة بروتوكولية، بل تمثل - وفق متابعين - رسالة سياسية مزدوجة من طهران والقاهرة على حد سواء، بأن مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي ربما بدأت تلوح في الأفق، لكن من دون وعود مسبقة أو اندفاعات غير محسوبة.ما أثار الانتباه هو أن اللقاء بين عراقجي والسيسي جرى في القصر الرئاسي، وبحضور وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ورئيس جهاز المخابرات العامة حسن رشاد، مما يعكس جدية الطرح، وطبيعة الملفات التي تم نقاشها، والتي تتجاوز القضايا الثنائية إلى رؤية أوسع للتهدئة في الإقليم.من جانبها، عبّرت طهران على لسان عراقجي عن "دعمها الكامل" لجهود مصر وقطر في تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مؤكدة استعدادها للمساهمة في أي مسار يخدم أمن واستقرار المنطقة.العلاقات بين القاهرة وطهران ظلت متجمدة لعقود، تخضع لحسابات دقيقة تتعلق بالمصالح الإقليمية، وتوازنات القوى، والخلافات حول الملفات العقائدية والسياسية. لكنها اليوم تدخل منعطفًا جديدًا قد لا يرقى إلى مستوى "التحالف"، لكنه على الأقل يؤسس لمنصة حوار مباشر لم تكن قائمة منذ سنوات.مصادر دبلوماسية مطلعة تحدثت عن أن القاهرة تتعامل ببراغماتية مع المرحلة، ولا تستبعد أي تعاون يحقق مصالحها الأمنية والاقتصادية، لكنها في الوقت نفسه لن تقدم على أي خطوة دون حسابات إقليمية دقيقة، خاصة مع حلفائها في الخليج.لا يمكن تجاهل أن هذه الزيارة تأتي في ظل حساسية عربية تجاه الدور الإيراني في عدد من الساحات، خصوصًا في اليمن وسوريا ولبنان. مصر، رغم انفتاحها، تتمسك بثوابتها القومية، وترفض أي تدخل في شؤون الدول، وهو ما ألمح إليه بيان الرئاسة المصرية بعد اللقاء.الرسالة المصرية، بوضوح، مفادها أن الحوار ممكن، لكن بضوابط، وأن القاهرة لا تسعى لتحالفات جديدة، بل تفعيل دورها كوسيط عقلاني قادر على التحدث مع الجميع، دون أن يكون تابعًا لأحد.من المتوقع أن تلي هذه الزيارة جولات متابعة فنية ودبلوماسية، ربما تشمل إعادة تنشيط القنوات الثقافية أو الاقتصادية، أو حتى فتح مكاتب قنصلية، لكن دون استعجال في اتخاذ خطوات أكبر.الكرة الآن في ملعب الطرفين، خاصة إيران، التي إن أرادت تقاربًا حقيقيًا، فعليها أن تبادر بتطمينات واضحة بشأن سلوكها الإقليمي، واحترامها للخصوصيات العربية، وعلى رأسها أمن الخليج.زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة، بهذا الحجم والزخم، ليست عابرة. لكنها أيضًا لا تعني أن الجليد قد ذاب بالكامل.إنها ببساطة بداية حوار... قد يتقدم، وقد يتجمد، بحسب مآلات المرحلة، وموازين القوى، وقدرة الطرفين على بناء الثقة.
|