الأحد 2025/6/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 46.95 مئويـة
نيوز بار
مُواءَمةٌ
مُواءَمةٌ
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

لطيف عبد سالم

    ذَاتَ لَيْلَةٍ مُطَيْرَة اِسْتَفَاقَ مِنْ شُرُودِهِ عَلَى صَوْتِ صَغِيرَته المُدَلَّلة، وَثَبَ مَذْعُورًا قَبْلَ أنْ يَهْرعَ حَافِيَ القَدَمين، وَقَلبهُ يَسبُق أوْسَع خُطُوَاتِه صَوْبَ حُجْرة والدتهُ، الَّتِي تَعِدها كُلّ مَا وَرَثَته عَنْ أبيِهِ.

 أصَابَهُ الذُّهُول لفَتْرَةٍ مِن الزَمنِ، وَهُوَ يُحَاوِلُ لَمْلَمَة أفكَاره خِلَال اِنْشِغَاله بِعَقدِ ذَّيْل دِشْدَاشَته العَتِيقَة بِوَسَاطَةِ حِزَامٍ مُهْتَرِئ وَهَبَهُ إيَاه  قَبْلَ أعْوَام عِدَّةٍ جَدُّه لأمِه، بَعْدَ أَنْ جَعَلَ مِنْ بَابِ حُجْرَتها المُتَهَالِك  سَندًا لِظَهْرَهِ.

أطْرَقَ للأرْضِ قَبْلَ أنْ يَترُكَ لِعَينيِه النَظَرَ إِلَيْهَا، وَهِيَ تكوِّر جِسْمهَا مُحوِّلَةً إيَاه لِمَا يُشبه كُرَةً غَيْرَ مُنْتَظِمَة الأبْعَاد بِفعْلِ احْتِضَانهَا وِسَادَة تَحْتَفِظ بِهَا مُنْذُ لَيْلَة زِفَافِها؛ لأجْلِ التَخْفِيف مِنْ شِدَّةِ الآلَام النَاجِمَة عِن أمرَاضِ الشَيْخُوخَة، التِي غَزَت جِسْمهَا.    

 كَانَ جُلَّ اهْتِمَامهُ مُنْصَبًّا عَلَى الظفرِ بِمُحَاوِلَةِ إبْعَاد كلّ مَا يَثبُط عَزِيمَته حِيالَ التَّعَامُل مَعَهَا بِطَرِيقَةٍ مِنْ شأنِها خَلخَلة وجدانها المُعَبأ غَيْظًا وَألَما. 

 وَهِيَ تُرخي عَيْنَيها في إغْمَاضهٍ خَفِيفَةٍ أعَادَت إِلَيْهِ شِدَّةَ حُزنها يَوْمَ مَاتَ أَصْغَر أَبْنَائهَا غَرقًا، تَذَكَّرَ طلبها الدّائِم مِنْهُ تَتَبُّع أخْبَار أَخِيه فِي جَبْهَاتِ الْقِتَال.

حَدَقَ فِي صَغِيرَتِهِ وأشارَ بِيَدِهِ إِلَيْهَا أنْ تَتَقَدَّمَ مِنْهُ، تحرَّكَت ببطءٍ شَدِيـْدٍ، وَقَفَت أَمَامَهُ، اِنْحَنَى قَلِيْلًا، رَفَعَت رَأْسَهَا نَحْوَه، هَمَسَ فِي أُذُنِهَا، وَهُوَ يُدَاعِب شَّعرها بإصبعِه.

ذَهَبْتَ لحُجْرتِهِ رَاكِضَةً، ثُمَّ عَادَت إلَيْهِ تَحْمِل حَقِيبَتهَا المَدْرَسِيَّة، احتضن الحَقِيبَة وافترش الأرْض، أخرجَ مِنهَا دَفتَرًا صَغِيْرَ الحجم وقَلَمَ رُصاصٍ، أمسك القَلَم مِن المُنتَصَف واِنْحَنَى به علَى الدَفتَر، مُمرِّرًا إيَاه فِي الوَرَقِ بالاِتِّجَاهَاتِ كَافةَ. 

كَانَت وَالِدَتهُ حَيْرَى فِيمَا بِوسْعِهَا فِعلَهُ، وَوسط ذُهُولها نَظَرَتْ نَحْوَهُ  ثُمَّ قَالَت:

- مَاذَا تَفْعَل يَا وَلَدِي؟

رَفَعَ رَأْسَهُ نَحْوَها مُبْتَسِمًا وَقَالَ:

- أَكْتُبُ رِسَالةً إلَى أَخِي.

قَالَت لَهُ وَالذُّعْر بَائِن فِي نَظْرَاتِها:

- كَيْفَ تَكتُب رِسَالَة، وَأنتَ لَا تَقْرأ وَلَا تَكتُب؟

أشار إِلَيْهَا بِيَدِهِ قَائِلًا:

- وَمَا الضَيْر فِي ذَلِك؟ مَا دَامَ هُوَ أَيْضًا لَا يُجِيْد القِرَاءَة وَالكِتَابَة!.

المشـاهدات 86   تاريخ الإضافـة 14/06/2025   رقم المحتوى 63903
أضف تقييـم