في الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح الدولية، لم تعد الحروب تُخاض فقط عبر الجيوش والدبابات، بل أصبحت تُدار من وراء الشاشات، عبر الميديا الحديثة ووسائط الاتصال الرقمية. نحن اليوم أمام واقع جديد، تتشكّل فيه خريطة النفوذ العالمي، وتُعاد فيه موازين القوى وفقًا لما يمتلكه كل طرف من أدوات إعلامية وتقنيات حربية متطورة

فعالمنا اليوم يشهد تحولات جذرية في النظام الدولي، حيث تتراجع بعض القوى التقليدية بينما تصعد قوى جديدة تمتلك مفاتيح العصر الرقمي. وفي هذا السياق يعد فهم (جيوبوليتيك الميديا والاتصال) أمرًا ضروريًا لفهم طبيعة الصراعات المعاصرة والحروب الدائرة فالإعلام لم يعد مجرّد وسيلة لنقل الأخبار بل غدا أداة استراتيجية بيد الدول للتحكم في الرأي العام وتوجيه المعلومات والأخبار والتأثير في قرارات الحرب والسلم  لقد  اصبحت التكنولوجيا الإعلامية تلعب دورًا حاسما  لان المعارك لم تعد تبدأ عند إطلاق أول صاروخ بل مع أول تغريدة، أو فيديو، أو صورة مُسرّبة. الطائرات المسيّرة والأقمار الصناعية، وتحليل البيانات الضخمة جميع هذه  ألادوات أصبحت تحدد نتيجة المعركة قبل أن تبدأ فعليًا على الأرض فبفضل المعلومات الفورية والصور الحرارية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت الضربات الجوية أكثر دقة من أي وقت مضى فالقرارات التي كانت تحتاج أيامًا تُتخذ اليوم في دقائق بفضل الاتصال اللحظي والمراقبة الرقمية المتواصلة إضافة إلى الهجمات السيبرانية على أنظمة الاتصالات والطاقة والبنى التحتية التي أضحت جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الحرب، تُنفّذ في الخفاء لكنها تُحدث شللًا في قدرات الخصم وهذا ما أثبتته التجارب في الحروب الحديثة  والتي تبرز بوضوح القوة الحاسمة للإعلام في توجيه الرأي العام الدولي، وتضليل أو كشف الحقائق، بل والتحكم في مسارات المعارك عبر البيانات والتصريحات والصور الحقيقية منها والمفبركة التي تبثّها منصات التواصل أو من خلال تسجيلات الطائرات المسيرة والمعلومات الاستخباراتية المفتوحة قد تحوّلت إلى أدوات بيد من يُحسن توظيفها، لإرباك العدو وتدمير قدراته المعنوية والمادية ،في النهاية، أصبح من المسلّم به أن من يملك أدوات الميديا الحديثة يمتلك القوة الناعمة والصلبة معًا ،فالإعلام لم يعد فقط مرآة للواقع، بل صانع له وفي ظل سباق السيطرة على الفضاء السيبراني وتنامي أهمية الذكاء الاصطناعي، فإن التفوق في هذا المجال يعني التفوق في الحرب، والسياسة، والاقتصاد، والتأثير الثقافي والنفسي والاجتماعي  فما عادت الحروب الحديثة مواجهة جيوش في ساحات القتال بل اصبحت تدار عن بعد بواسطة الأزرار وخوادم البيانات، ووسائل التواصل، وعقول البشر