الجمعة 2025/6/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
نيوز بار
عبد الستار شعابث..شجرة الشعر التي نبتت على ضفاف الحلة
عبد الستار شعابث..شجرة الشعر التي نبتت على ضفاف الحلة
ديرة
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

محمد علي محيي الدين

 

في الحلة، تلك المدينة التي تُنبت الشعر كما تُنبت نخيلها، وُلد عبد الستار شعابث عام 1944، في أسرة زبيدية عُرفت بالعلم والأدب، فكان المهد الذي احتضن صباه مصبوغًا بالحبر والقصيدة والمروءة. لم تكن طفولته مجرد عبور هادئ في دروب المدارس، بل كانت تمهيدًا لصوت شعري سيظل يتردد في المجالس والأماسي، صوت ممزوج برائحة الأرض ولهجة الجنوب وحنين المثقف إلى معنى الحياة.بدأ مع التعليم، ولم يكن مجرد معلم يؤدي واجبه، بل كان شاعرًا في هيئة مربٍّ، يوزّع المعرفة كما تُوزّع القصائد، ويحوّل الصف إلى بستان من الصور والتشبيهات. أعانه حسه الأدبي على تقريب العالم إلى عقول التلاميذ، وكان له في قلوب زملائه من التقدير ما يشبه الإجماع. منذ عام 1962 بدأ يطرق باب الشعر، متأثرًا بالقصيدة العربية في عنفوانها القديم، حيث كانت قوافي الفرزدق وجرير تتردد في مسامعه، قبل أن يأسره تيار الحداثة في شعر السياب ومظفر النواب. فكتب القصيدة العمودية، وجرب الحر، ثم عاد إلى جذره الشعبي، حيث الوجدان العميق والمفردة التي تشبه الناس وتمشي بينهم.في الشعر الشعبي، انطلق شعابث على خطى الحاج زاير الدويج وعبود غفلة وعبد الحسين صبره، وكان يرى فيهم أئمة للوجدان الشعبي، فحمل أوزانهم وجعلها جسرًا يعبر عليه نحو المعاصرة. ثم جاءت القصيدة الجديدة، فكان مظفر النواب بالنسبة له أكثر من شاعر، بل مرفأ وجداني وثورة بلاغية حررته من قيد القوافي الثقيلة. تأثر بشعراء مجددين كعريان السيد خلف وكاظم إسماعيل الكاطع، لكنه ظل مخلصًا لجذر القصيدة الشعبية الأولى.ولأن روحه كانت مشدودة للجمال، لم يكتف بالشعر وحده، بل كتب الأوبريت والنشيد، ومال إلى عالم الأغنية متأثرًا بالرقة الشفافة في شعر أحمد رامي، وبالسحر الرحباني المتوهج. وهكذا امتد صوته إلى فضاءات الفن، وكان من الذين جمّلوا الأغنية العراقية بالكلمة الراقية.وقد كان شعر عبد الستار شعابث محلّ اهتمام كثير من النقاد والباحثين، الذين رأوا فيه شاعرًا متنوع المشارب، واسع الخيال، يجمع بين صفاء الكلمة وبساطة الأسلوب دون أن يفقد عمق الفكرة. كتب عنه الشيخ علي الخاقاني في موسوعته "فنون الأدب الشعبي"، معدًّا إياه من الأصوات التي حافظت على روح الشعر الشعبي الأصيل رغم تسرب الحداثة إلى البناء الفني. أما الدكتور صباح المرزوق، فقد عدّه من الشعراء الذين عرفوا كيف ينهلون من التراث دون أن يغرقوا فيه، وجمعوا بين الموروث والتجديد بانسجام نادر.وأشار المؤرخ عبد الرضا عوض إلى أن شعابث "حافظ على لهجة الحلة العذبة في شعره، وصوّر المجتمع المحلي بمرآة وجدانه، دون تزويق أو افتعال"، بينما أثنى سعد الحداد على قدرته في المزج بين الأغراض الشعرية المختلفة، من الغزل والرثاء إلى الهمّ الوطني والوجد الصوفي، متحدثًا عن شاعريته كجزء من التكوين الثقافي للمدينة.أما الشاعر والكاتب كاظم بهيه، فكتب أن "عبد الستار شعابث شاعر يُنصت إلى الناس، ويكتب بلسانهم، لكنه لا يتنازل عن الشاعرية العالية"، في حين اعتبره ريسان الخزعلي "واحدًا من الأسماء التي استطاعت أن تحرر الشعر الشعبي من الجملة السطحية وتعيد إليه هيبته التعبيرية". ولعل الشاعر صلاح اللبان قالها بإيجاز بليغ حين وصفه بـ"النبض الهادئ الذي لا يحتاج إلى ضجيج ليثبت حضوره"، مؤكدًا أن شعابث كان جزءًا من التحوّل الهادئ في القصيدة الشعبية، حينما تدرّجت من العمود إلى القصيدة الحرة دون أن تفقد هويتها.نشر شعره في صحف كـ"طريق الشعب" و"الفيحاء" و"الجنائن" وغيرها، وكان قلمه موضع تقدير في الأوساط الثقافية، وشارك في معظم المهرجانات الشعرية الوطنية، يعلو صوته بالقصيدة كما يعلو موقفه بالثبات. حاز على جوائز عديدة منها درع مهرجان النجف، ومكافآت الشعر في مسابقة "قصائد الزهراء"، وجائزة القصيدة الأولى في مهرجان وزارة التربية، فضلًا عن درع المشاركة في مسابقة فضائية "بلادي"، وتكريم الحزب الشيوعي العراقي له بدرعه تقديرًا لمواقفه الوطنية وثباته المبدئي.هو عضو سابق في جمعية الشعراء الشعبيين، ومن المؤسسين الأوائل للاتحاد العام للشعراء الشعبيين بعد سقوط النظام، وعضو في جمعية الرواد المستقلة. ورغم هذا العطاء الزاخر، لم تُطبع دواوينه بعد، بسبب ضيق ذات اليد، فظلت مخطوطاته تنتظر النور، كأنما الشعر عنده ليس غاية للعرض، بل رسالة للمحبين.عبد الستار شعابث هو مثال الشاعر الذي ظل واقفًا على ضفاف الحلة، يغرف من دجلة قوافيه، ويعجنها بوجع الناس وحلمهم. شاعرٌ لم تشهره القنوات ولا عناوين الكتب، لكنه سكن في الذاكرة الشعبية بهدوء، كما تسكن الجداول في حقول الجنوب. هو صوت الحلة، وصدى الزمن الذي مرّ، والشاهد على أن القصيدة ما زالت قادرة على أن تكون بيتًا يسكنه الشرف والخيال.

 

ومن قصائده المختارة(قوس قزح):

 

ضوي يقوس القزح    يبن المطر والشمس

 

يا بو الحزن والفرح   يا طيف باچر وأمس

 

يا خوّة الألـــــــــوان   رف علــــم للإنسان

 

ضوي يقوس القزح

 

كل لـــــون منك وتر    قيثارة مـــــــن بابل

 

وشعبي نشيده كـــبر   مـــــــــن عيّد النايل

 

مــــــــن ورد الموال   مدارس وأجيـــــــال

 

ضوي يقوس القزح

 

يا جسر صوب الصوب    شوفتك صحوة أو حلم

 

يسواجي بين أگـــــلوب   أو ما بين ناس أو نجم

 

عالحــــــــــقل سيّر مي   عالمعمل أغبش ضـــي

 

ضوي يقوس القزح

 

وقصيدته "بابلي" صورة مزدحمة الألوان رائعة المعاني، كتبها بنفسه الستيني المعروف الذي هو امتداد المدرسة الحديثة في الشعر الشعبي، صور من خلالها القضية الحسينية باسلوب يتماشى وافكار وتطلعات العصر الحديث، يقول فيها:

 

انه بن لوح او رقم شايل حضارة بابلي ..

 

والمسلة والفكر

 

انه ابن الأمس واليوم او ابن باچر نصر

 

انه ابن هور الكصب والبردي ونسفه اچفوف

 

سفره للخطار نوبه .. او نوبه فعله ايصير عالغاصب مثل فعل السيوف

 

انه عزم اجبالنه او عزهه ابرغم كل الظروف

 

دمي من نهرينه او صارت لها اضلوعي جروف

 

انه بن ارض النخيل الڰاعه صارت ..

 

اول القرطاس بالدنيه او حضن نور الحروف

 

المشـاهدات 179   تاريخ الإضافـة 22/06/2025   رقم المحتوى 64134
أضف تقييـم