
![]() |
كيف نفهم الامر القرآني بضرب الزوجة الناشز؟ |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : لم يستسغ الكثيرون فكرة ان القرآن الكريم شرّع ضرب المرأة من قبل الزوج، وهي التي يوصي بها رسول الله صلى الله عليه واله بقوله (ارحموا الضعيفين المرأة والطفل)، كما ان ضرب مخلوق كرمه الله تعالى يتناقض مع هذا التكريم. وصار موضوع هذا الضرب مورداً للتشنيع على الإسلام واستغلاله لتنفير المسلمين عن دينهم فضلاً عن غيرهم بتصنيفه كدين عنيف لا يحترم حقوق الانسان عموماً، ويضطهد المرأة خاصة. ومع كل هذه التداعيات لهذا الامر القرآني فأن قبوله سهل بالنسبة للمؤمنين الذين يعتقدون بحق الطاعة لله تعالى عليهم، ومن ثم، فهم لا يحتاجون تقديم تصورات جديدة لأزالة اللبس الذي يحيط بهذه المسألة كالتي سنقدمها بعد قليل، اما غيرهم فهم بحاجة لها، بل الظن أنه حتى المؤمن بحاجة لها بشكل صحيح حتى يطمئن قلبه. ولأزالة اللبس الذي يحيط بهذه المسألة لابد -قبل كل شيء- من معرفة امران هما: ان الإسلام يريد ان يحافظ على كيان الاسرة كونها نواة المجتمع، فاذا تفتت سيضعف تماسكه، ويفقد الإسلام بذلك خاصية الامة الواحدة التي تحتضنه، والامر الاخر هو أنه لابد للقرآن ان يقدم حلولاً جاهزة لمعالجة المشاكل الاسرية في المجتمع الإسلامي حتى لا يترك المجال للبحث عن حلول متحيزة قد تقود اما الى ظلم المرأة او ضياع حق الرجل، ثم يضع حدوداً لهذه الحلول من يتخطاها سيحاسبه القانون. وهذه الحلول، على كل حال، ليست الزامية بل هي مقترحة يمكن للفرد أن يسترشد بها عند حدوث المشكلة. ولمعالجة المشكلة التي قد تحدث بين الزوج والزوجة وفقاً للرؤية القرآنية نقسم الحلول التي ورد فيها الامر بالضرب على شكل خطوات ومراحل حسب تطورها حتى نفهمها بشكل جيد. ونبني تقسيم المراحل من نقطة محورية وهي حالة الشقاق بين الزوجين فيكون لدينا مرحلة ما قبل الشقاق ثم مرحلة الخوف من الشقاق، ثم مرحلة الشقاق، ولكل مرحلة خطوات خاصة بها. فمرحلة ما قبل الشقاق تتضمن عدة خطوات لاصلاح الوضع المتوتر بين الزوجين هي: الموعظة ثم الهجر (من الفراش فقط وليس الهجر التام) ثم الضرب (لغرض تنفيذ العقد (عقد الزواج)). اما مرحلة الخوف من الشقاق (التي عندها يتدخل طرفي الإصلاح) ففيها خطوة حاسمة وهي محاولة الإصلاح وانتهاء مسبب الخلاف الزوجي، فاذا لم تنجح فنتحول الى مرحلة الشقاق وهو نهاية الزواج بالطلاق.وعملية إزالة اللبس عن قضية ضرب الزوجة يتركز كله على طبيعة العقد بين الرجل والمرأة او عقد الزواج. وهذا الفهم لطبيعة هذا العقد يمثل نقطة الارتكاز في فهم الغرض من اللجوء الى الضرب. وأول شيء يمكن الانتباه له ان عقد الزواج ليس كبقية العقود التي تتم بين طرفين، فهو عقد ذو سمة خاصة مميزة لا يشبه العقود المتداولة في المعاملات. فالتعاقد بين الطرفين (المرأة والرجل) هو عقد شراكة للاستمتاع المتبادل وليس خدمة الزوج او ارضاع الاولاد الناتجين عن الزواج وإن كانوا اولادها. ولا يحصل الاستمتاع – طبعاً-الا من خلال التمكين. وهذا التمكين لا يمكن التحقق من تنفيذه كما يتم التحقق من بقية العقود التي تبرم بين الناس الا اذا انتهكت حرمة المرأة من خلال جرّها الى الفحص السريري او المختبري، وهو أسلوب اشنع من الضرب، ولا يقبله عاقل في الظروف الطبيعية، وحتى اذا قبلت المرأة بالتحقق السريري او المختبري فأن هذا النوع من التحقق لن يساعد في ايجاد حل لمشكلة عدم التمكين؛ لأن الغاية من الضرب ليس فقط التحقق من أُس المشكلة بل سيكون مقدمة للحل: فاما بالتمكين او الذهاب الى الخطوة اللاحقة وليس مجرد التحقق منه فقط. وكما سنرى بعد قليل فأن التحقق من تنفيذ هذا العقد الاستثنائي لا يكون الا لفظياً لا عملياً، ولولا عملية الضرب لن يحصل اي اقرار من الزوجة عن هذا الموضوع السري. ولهذا العقد اشتراطاته الفريدة، ويجب قبول الرجل والمرأة بهذه الاشتراطات الموجودة فيه قبل الشروع بتوقيع عقد الزواج، والمفروض ان يتم إضافة تلك الاشتراطات الى العقود الحالية التي تجرى في المحاكم حتى تكون المرأة خاصة على بصيرة من امرها، وحتى لا يحصل خلاف حولها. اما اشتراطات عقد الزواج فهي مذكورة في الايات 34و35و128 من سورة النساء في قوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا، وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا اية 34-35)، (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ، وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا، اية 128). فموجب سياق الايات، فأن على المرأة والرجل ان يوافقا قبل إيقاع عقد الزواج على الشرطين العامّين التاليين:
1. ان القيمومة للزوج مقابل الانفاق على الزوجة،
2. ضرب الزوجة من قبل الزوج في حال النشوز وليس العكس.
وسنلقي الضوء على هذين الشرطين المترابطين بشيء من التفصيل عبر المحورين الاتيين احدهما يخص المرأة واخر يتعلق بالرجل:
أولا: اشتراطات مسبقة تخص المرأة وتضم ما يلي ا. قبول قوامة الرجل على المرأة الذي يستلزم الطاعة او الامتثال من المرأة للرجل ضمن حدود عقد الزواج وبما لا يتعارض مع الشريعة مقابل انفاق الرجل عليها. وقوامة الرجل هي نظام للاسرة سنه الله تعالى ولا يمكن الاعتراض عليه؛ لأنه من دون تحديد من القائم على شؤون الاسرة سيحصل نزاع بين المرأة والرجل على هذا الموضوع. لكن اذا لم يتم الالتزام بالقوامة وتخلى الرجل عنها للمرأة فهذا شأن داخلي يقرروه بينهما. ب. في حال عدم تنفيذ بنود العقد من جهة المرأة وهو ما يطلق عليه بالنشوز الذي يتحقق من خلال امرين احدهما هو عدم التمكين، والاخر الخروج من المنزل او استقبال اشخاص في المنزل من غير اذن الزوج. اما الخروج والاستقبال فيمكن اثباتهما من خلال الجيران وسواهم او حتى الكاميرات ولا يمكن للمرأة انكاره فهذا لا مشكلة فيه، اما عدم التمكين فلا يطلع عليه الا الزوج والزوجة، فهو لب المشكلة التي تستدعي الضرب في مرحلة لاحقة، لذا سنركز عليه.فاذا خاف الرجل من نشوز المرأة (عدم طاعتها او عدم الامتثال) لاسيما في التمكين فهذا يعني ان جوهر العقد بينهما لم يتم تنفيذه. والسؤال هو كيف يمكن اجبار المرأة على تنفيذه اذا ما وفى الرجل من جانبه بالعقد وقام بالانفاق عليها؟ الواقع انه لا سبيل الى ذلك الا ما طرحه القرآن من خارطة طريق للحل. فالحل يجب ان يبقى داخل الاسرة وبين الزوجين فقط. فيمكن للزوج القيام بعدة خطوات للحل وهي: ان يقوم بوعظها، فاذا لم ينفع، يحق له هجرانها مؤقتاً في الفراش مع البقاء معها في نفس المنزل؛ لأنه ملزم بالانفاق عليها لا مطلق الهجران؛ لأنه لو هجرها سننتقل الى مرحلة يفقد فيها الزوج القوامة وتخسر هي الانفاق. اما الضرب للزوجة في حالة عدم التمكين فيأتي في الخطوة الأخيرة من بعد مرحلة الخوف من الشقاق، وبصرف النظر عن شدة الضرب هل تجري من خلال ضغث (أورده القرآن في إشارة الى تصرف أيوب (عليه السلام) مع زوجته) او مسواك (المنقول عن الامام الباقر (عليه السلام))، فأن الانتقاد والاعتراض يطال عملية الضرب نفسها المسموح به فقط كحل اخير قبل الدخول في مرحلة الخوف من الشقاق. والسبب في اللجوء الى هذه الخطوة الحرجة هو من اجل الإعلان عن عدم الامتثال ولتكون بداية للحل؛ لأن الوعظ والهجران تستخدم كوسائل اولية للضغط ولا يمكن الاستفادة منهما في الاثبات اذا ما ادّعى الزوج بعدم تمكين زوجته له، فاذا حصلت واقعة الضرب سوف تذهب الزوجة شاكية اما الى أهلها او الشرطة او القضاء، فاذا سألوها عن سبب الضرب، فلابد ان تفصح عن السبب. فتظهر فائدة الضرب هنا في أنه سيكون مؤشراً على وقوع عدم التمكين وليس القصد منه إيذاء الزوجة، فاما ان يتم اثبات ادعاء الزوج فتمتثل المرأة خشية ان يطلع الاخرون على تقصيرها فيقفون مع الزوج، وأيضا تجنبا للاحراج من انتشاره بين الناس وينتهي الموضوع الى هنا. اما اذا غامرت وذهبت الى أهلها او غيرهم او الشرطة بعد واقعة الضرب لتشتكي الزوج من ضربها إياها، فتكون قد انتقلت الى المرحلة الثانية وهي مرحلة الخوف من الشقاق. وكان لابد من تمييز الضرب لهذا الغرض من غيره من أنواع أخرى من الضرب لا علاقة له بحقوق الرجل بحسب العقد وشروطه حتى يحاسب الرجل على فعله. ونلاحظ ان المرور بكل تلك الخطوات الهدف منه هو الابتعاد كلما امكن عن مرحلة الطلاق الذي يهدم كيان الاسرة المهمة في الاسلام. وللتدقيق في مفهوم النشوز نلاحظ ان معنى النشوز بالنسبة للمرأة هو خصوص عدم التمكين للزوج؛ لأنه لو كان خصاماً عادياً او مجرد تعالي على الزوج لنفر منها الرجل فلا نصل الى حالة الهجران. والهجران في المضاجع يعني من المضاجع فقط لا الهجران من الحياة معها بشكل تام بحيث يترك المنزل، ولهذا السبب خصصه القرآن وقصره على المضاجع فقط. وليس بالضرورة ان يكون معنى يهجرها ان لا يتشاركان في سرير واحد مع إدارة ظهره لها تعبيراً عن سخطه من تصرفها كما يرى البعض؛ لأنه لا يتشارك الزوج والزوجة نفس السرير او حتى نفس الغرفة دائماً بل يكون سريرهما منفصلاً ولا يتقاربان الا وقت الحاجة؛ لأن هدف القرآن من الهجران المؤقت بالصورة السابقة هو ان يبقيهما في نفس السكن ولا يغادراه لزيادة احتمال التصالح بينهما وهوما يحدث كثيراً بعد مراجعة بعضهما البعض عن طريق الحوار اكثر مما هما مبتعدان عن بعضهما البعض. فاذا خرجت المرأة من السكن وانتقلت الى مكان اخر (مستقل او بيت أهلها او اقاربها) فقد حصل الشقاق بينهما، وهناك تأتي مرحلة الصلح.
ثانياً: اشتراطات يلتزم بها الرجل وهي
1. الانفاق على المرأة من قبل الرجل. لكن ينبغ ان نعلم ان هذا الانفاق هو تابع للقوامة وليس شرطاً للتمكين، ولهذا ليس ملزماً على الام ان ترضع أولاد الزوج وان كانوا أولادها بل تأخذ عليه اجرة إن شاءت كونه لا يوجد في اشتراطات العقد. وعدم الانفاق لا يسقط القوامة ولا ينقلها من الرجل المرأة حتى اذا قامت هي بالانفاق كما يريد البعض ان يستدل على الغاء قوامة الرجل اذا ما قامت المرأة بالانفاق، ويتساوى حينها الرجل والمرأة فلا قوامة لاحد على الاخر او تتحول لها القوامة. ولا يعني ذلك ان القرآن يؤيد سيطرة المجتمع الذكوري، انما هو تعاقد حدد القرآن اطرافه، وقرر الخالق ان تكون القيادة بيد الرجل حتى وإن تخلى هو عنها كما يحدث في الواقع العملي حيث أن هناك انقلاباً قد حصل داخل الاسرة، فصرنا نسمع كثيراً هذه الأيام عن انتشار ظاهرة سيطرة المرأة على الرجل داخل المنزل ضمن اطار العلاقة الزوجية بحيث انعكس ذلك على ضعف شخصية الرجل وارتباكه اجتماعياً وفي مكان العمل لاسيما اذا كان صاحب منصب، وهذه من ضمن تداعيات كثيرة وخراب يصيب المجتمع لفقدان القوامة الممنوحة للرجل وتسليمها للمرأة حسب ما اعتقد. وانما ترتبط القوامة بالطاعة من الزوجة للزوج (او التمكين) لا الانفاق، فاذا لم تطعه او تمكنه من نفسها فلا يلغي ذلك الانفاق حتى ينفصلا بالطلاق فيتوقف الانفاق حينها. ولهذا لا يمكن الاستنتاج انه اذا لم ينفق عليها الزوج لا يحق له المطالبة لها بالتمكين، واذا لم تمكنه لا يحق لها المطالبة بالانفاق، فأن القرآن لا يربط بينهما ولم يذكرها ضمن الحلول المتدرجة لا في الأول ولا في الأخير بل ذهب الى حلول أخرى المذكورة سلفاً. اما من جهة المرأة فلم تعطى الحق بضرب الرجل الناشز كونها ملتزمة بشروط العقد وهي اقرارها بقيمومته، وضربها له يتعارض مع القيمومة التي قبلتها ضمن البند الأول من العقد التي تتجسد بطاعة المرأة وليس العكس حيث ان الطاعة غير قابلة للانعكاس فيطيع الرجل المرأة، نعم لا يحق له ظلمها اما طاعتها فلا. والنشوز لدى الرجل يختلف عن المرأة، حيث انه اما ان يكون متعلق بالانفاق وهذه مشكلة سهل حلها حيث يمكن اجباره على الانفاق من الجهات المختصة ولكن اذا فعلت ذلك ستخسر زوجها فقد يلجأ الى طلاقها ولهذا اللجوء الى الإصلاح عن طرق الاهل افضل؛ لأنه سيعود بالانفاق عليها دون خسارتها له، اما اذا كان النشوز بمعنى عدم المقاربة -وليس التمكين بالتأكيد لسبب فسلجي وهو أن الرجل لا يمتثل للمرأة في هذا الموضوع كما هو معلوم- فأن الحل عن طريق الاهل من خلال الإصلاح بينهما وهو افضل من الوقوف شاكية امام القاضي؛ لأن الحل عن طريق القضاء قد يؤدي الى تعرض المرأة لانتهاك حرمتها اذا ما قرر القاضي عرضها على الفحص السريري او المختبري.واخيرا اود ان لا اترك هذا الموضوع من دون الإشارة الى ان على الرجال والنساء ان يعوا جيداً ان ما بينهما ليس سوى عقد للاستمتاع وهو قابل للفسخ، وليس عقد يستحوذ فيه احدهما على الاخر بنحو التملك فلا داع ان يقتل بعضهم البعض، فاذا لم يرغب احدهما بصاحبه، وعجز عن الإصلاح فليفارق احدهما صاحبه، وليستمتع بحياته، فليست كل التعاقدات تنجح. |
المشـاهدات 58 تاريخ الإضافـة 23/06/2025 رقم المحتوى 64188 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |