النـص : في زمن تضيق فيه مساحات الجمال وتتراجع فيه الكلمة أمام ضجيج العابر والهامشي تبقى المؤسسات الثقافية الحقيقية أشبه بمنارات وسط الغبار تحفظ للروح بوصلة وللإبداع حضورا وللكلمة مكانة وريادة ..وفي العراق حيث ولادة الحرف والكتابة مازالت الكلمة جزء من الهوية والنص جزء من التاريخ.وعبر مر الزمن وتواصل الأجيال لم يكن اتحاد الأدباء يوماً ترفاً مؤسسياً بل ضرورة وجدانية وثقافية ومكوناً أصيلاً من نسيجنا الحضاري والفكري..لقد عبّر كثيرون عن خصوصية الإبداع الأدبي كفعل فردي خالص يُولد من عزلة الروح وتأملات الذات كما أشار لذلك الصديق المبدع الدكتور عبد الحميد الصائح في منشور له بمنصة الفيسبوك يوم 21/6/2025 مشخصا برؤية عميقة وصف فيها واقع الادب والثقافة وقارن ذلك بين زمنين ، لكن الحقيقة تبقى ماثلة أن هذا الفعل لا ينمو في الفراغ، بل يحتاج إلى بيئة حاضنة وفضاء مؤمن بالكلمة وأرضية تتيح للمبدع أن يكون لا مجرد كاتبا بل فاعلاً في المشهد الثقافي مؤثراً في المتلقي، ومؤسِّساً لجمال يُعاش لا يُقرأ فقط، وهنا تتجلى أهمية اتحاد الأدباء لا كهيكل تنظيمي جامد، بل كجسد نابض يتنفس الثقافة ويعيش نبض المبدعين ويمنحهم حقهم في أن يكونوا مرآة وطنهم.في الأعوام الأخيرة، لا سيما في ظل نشاط الهيئات الأخيرة ، بدا واضحاً أن الاتحاد استعاد شيئا من موقعه الريادي لا فقط من خلال تنظيمه الداخلي أو استقراره الإداري بل من خلال روح ونشاط اعضاء الهيئة المتجددة، وحضورهم الميداني الفاعل ومواكبتهم للأحداث الأدبية والإنسانية الكبرى ،لقد تحولت مقرات الاتحاد إلى ورش ثقافية حقيقية، تفيض بالأمسيات والقراءات والندوات والنقاشات حتى غدت أيام الأسبوع مشغولة بالحرف مأهولة بالأفكار، ممتلئة بالمبدعين والمتابعين من الجمهور وننتظر من الهيئة الجديدة تواصل هذا العطاء بل تجاوزه وتوسيع آفاقه ليعبر من الداخل العراقي إلى أفاق ابعد ، ويمتد إلى استقطاب المبدعين العراقيين في الخارج، حيث الانتماء الثقافي لا يعترف بالحدود بل بالمشاركة والحضور والانغماس في هم الوطن وتقديم ما يليق بتاريخه الثقافي وشعبه نحن لعلى ثقة ان الطموح لدى الجميع هو. ان يكون الاتحاد جسراً بين الداخل والخارج، بين الجيل المخضرم والأصوات الشابة، بين من أرهقتهم المعاناة في الوطن وظروفه ومن جرّب غربته في المنافي.ومع هذا الامتداد الإنساني نأمل ان تتسع دائرة العلاقات الثقافية العربية والدولية وتأخذ طابعاً أكثر فاعلية وجدية وان نشهد المرحلة القادمة حوارات مفتوحة مع اتحادات وهيئات ومهرجانات عربية وانفتاحاً على المشهد الإقليمي والدولي، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لإعادة بناء صورة العراق الثقافي بوصفه منبعاً لا تابعاً وصوتا لا صدى..أما على صعيد الامتيازات فقد لمس الأدباء عناية حقيقية من الاتحاد سواء في مجال تسهيل ودعم النشر لا سيما وان رئيسه الحالي صديقنا الشاعر د. عارف الساعدي له الخبرة والممارسة في هذا الميدان وقد استطاع ان ينشط حركة النشر والابداع في دار الشؤون الثقافية التي مازال يتولى ادارتها ، أو في فتح أبواب المشاركات الخارجية أو من خلال المنح والدعم اللوجستي وحتى عبر مبادرات إنسانية تحفظ للمبدع كرامته حين تتقاطع عليه الظروف أوحين يتعرض لحالة مرضية ..إن ما تحقق ليس مجرد نجاح إداري بل وعي عميق بدور الاتحاد بوصفه صوتا للجميع، وبيتا لا يُغلق ومؤسسة لا تفرق بين شاعر في مركز العاصمة وكاتب في أقصى ريفها. الكل بات يجد نفسه، صوته، مكانه في فضاء عراقي ثقافي مشترك.فلهيئة الاتحاد الجديدة كل التهاني والتقدير ولكل العاملين من خلف الكواليس بإخلاص وعطاء الشكر والامتنان . أنتم من تكملون التاريخ لهذا الصرح بل تصوغون وجوده بوعي جديد، يليق بهذا البلد الذي لا يزال رغم كل شيء يحمل في قلبه قصيدة، وفي ملامحه ظل نخلة، وفي صوته صدى الأزل وامام عينيه آفاق المستقبل .
|