الإثنين 2025/6/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 38.95 مئويـة
نيوز بار
ولم تزل الرسالة في كتابي
ولم تزل الرسالة في كتابي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

فوز حمزة

 

 

مد يده فتناول بها كوب الشاي، الذي يتوسط المنضدة الدائرية أمامه، موعد شرب الشاي كان مقدسًا لديه حين يقترن بموعد سيجاره، الذي يصفه، أنه أوفى من عشيقاته، اللواتي لا يعرف لهنَّ عددًا.

 نفثَ دخان سيجاره، ثم مال إلى كرسيه معتدلًا في مقعده ما لبث أن حمل هاتفه، وكعادته فتح حسابه الفيسبوكي مطّلعًا على ما ورده من رسائل في بريده الخاص ومشاهدة المقاطع الموسيقية والشخصية، التي تصله من بعض صديقاته المقربات، والتي جعلها بملف خاص تحت عنوان "س ش".  يعني بهذا سرّي وشخصي.

 لكن ما يغريه حقًا تلك الحكايات المرسلة إليه من نساء سردن فيها قصصهن ومشاكلهن ليخرج منها بمادة تنفع لكتابة القصص.

وبينما يهم بالخروج من الحساب وإذا بدخول رسالة من إحداهن. لاحت منه نظرة للاسم، الذي لم يكن مألوفًا لديه. ترى من تكون إنعام هاشم هذه؟  كان منشغلًا في أمر آخر فلم يرد على رسالتها التي أرفقتها بباقة ورد: سيدي .. وددت شكرك لقبول صداقتي، فقد أعجبت بكتاباتك التي أسرتني وحملتني لعالم آخر. قضيت ليلتي من مساء البارحة وأنا أتجول كسائحة في محطاتك العذبة!

مضى يومان نسي فيها أمر تلك المرأة حتى جاءته رسالة أخرى في الساعة العاشرة مساءً: أستاذي العزيز .. أنا آسفة .. يبدو أنك لا ترغب في محادثتي!

كتب لها:

- أهلًا بحضرتكِ سيدتي، من قال ذلك؟!

- لقد أعجبتُ كثيرًا بقصيدتك الأخيرة .. ذكرت لحضرتك ذلك إلا أنك أهملتني فخشيت إزعاجك ثانية.

رد بالقول: من دواعي سروري، وأعتذر لعدم الرّد فإنني كثير المشاغل!

  • سعيدة بمحادثتك وأشكركَ أنك منحتني من وقتك!
  • على الرحب والسعة!

خرج بسرعة الضوء من المحادثة حتى جاء المساء .. وردت رسالة منها كتبت فيها بعد إلقاء التحية: بودي أن أسألك، هل قصصك من الواقع؟ هل بطلاتك يعشنَ في مجتمعنا أم هن وهم من نسيج خيالك؟! 

رد بسرعة هذه المرة: سؤالك غريب سيدتي، كأنك تعيشين في عالم غير عالمنا، هنَّ صور من الواقع، يأكلنَّ ويشربنَّ بيننا، سأجيبكِ بشكل آخر قد يبدو تقليدي، لكنه الحقيقة .. بعض قصصي استلهمتها من الواقع وبعضها الآخر محض خيال حسب ما تقتضيه الضرورة الأدبية.

جاءه جوابها مصحوبًا بوجه حائر: أنتم الكتاب تعيشون في عالم لا يمت للواقع بصلة!

  • أنتِ مخطئة سيدتي، إنما نحن نصور الواقع ونكشف الستار عنه.
  • ربما خانني التعبير..  الذي أعنيه أنكم تنقلونا إلى عالم يمس شغاف القلب ويروي ظمأ الروح!

انتفض ليفتح نافذته العريضة، حين عاد وجدها قد كتبت: هل لي بسرد قصتي على حضرتك لتكتبها وتنشرها في صفحتك دون ذكر اسمي؟

  • سأفعل إن وجدت فيها مادة تستحق.
  • ستجد سيدي، أنا واثقة من ذلك.
  • تفضلي احكي وسنرى.Top of Form
  • بدأت قصتي منذ ثلاثين عامًا حينما كنت طالبة في الثانوية.

 قال في نفسه مفكرًا لحظة : هذا يعني إنها الآن في النصف الثاني من العقد الخامس، ثم واصل القراءة...

 وأنا في طريق عودتي إلى البيت، لمحت شابًا وسيمًا كان ينظر إلي واقفًا عند زاوية الجسر، الذي يفصل ما بين المدرسة والشارع...

 انقطعتْ عن الكتابة لوقت أشعره بالملل والضجر .. فكتب: أنا معكِ.

فاستأنفت : في البداية ظننته ينظر لفتاة أخرى .. فلم أعر للأمر أهمية وإن كان شيء ما بيّ يود أن يكون يعنيني بنظراته تلك. تكرار المشهد عدة أيام متتالية قادني للتفكير به. صرت أنتظر رؤيته .. أعيش لحظات غريبة عليّ، لكنها تدغدغ أنوثتي وتهبني الشعور بالسعادة. وذات يوم، بينما  كنت أمشي لأقطع تلك الساحة وصولًا للجسر شعرت بخطى خفيفة من خلفي، شيء ما في داخلي أخبرني أنه هو، فجأة وفي واحدة من أروع لحظات عمري شعرت بيده تضع من فوق كتفي ظرفًا أزرق اللون أنيق يعتلي كتبي ثم مضى مسرعًا واختفى تمامًا.

كتب بعد توقفها عن الكتابة وقد بان الحماس عليه من بين حروفه: أكملي، ما الذي حدث بعدها؟

 ردّت: نعم أنا معك، لكن تنهيدة موجعة قبضت قلبي ... لقد تركني في حيرة ولوعة وفي يدي تلك الرسالة. فتحتها في خوف وأنا أرتعد كمن أصيبتْ بنزلة برد. وجدت بداخلها وردة حمراء صغيرة، في الليل قرأتها لعشرات المرات وفي كل مرة أشعر كأني أميرة فوق غيمة بيضاء تحملني لجزيرة الأحلام...

نمت ليلتي والحلم يداعب أجفاني في لقياه غدًا، أخبرني أنني سأجده في المكان نفسه، ترى ماذا سأقول له، كيف أستقبله؟ ربما أضع قليلًا من أحمر الشفاه، أواه ستقتلني أمي ولا شك! لا ضير من ذلك فأنا ذاهبة للقائه تحت شريعة الحب .. الحب؟! هل تراني أحببته؟ إذًا ماذا يمكن تسمية ما أنا فيه الآن؟ سيشرق عليّ يوم جديد، لطالما انتظرته وحلمت به، عجيب أمر هذا الحب، فحين يمر بنا يلون أوقاتنا ويجعل من خريف المشاعر ربيعًا!

كتب لها: طريقتك في التعبير عن نفسك رائعة جدًا، استمري.

عادتْ لتكتب: كنت ساهية في الساعات الأولى من دوامي ذلك النهار، يبدو عليّ القلق والشرود ومع نهاية الدوام، الذي طال كثيرًا شعرت أنني الآن أخذت أتنفس، أخبرت أمي أنني سأتأخر بعض الوقت للذهاب مع صديقتي إلى المكتبة العامة، وتلك كانت كذبتي الأولى.

وقفت في الفناء الأمامي لمدرستي أنظر نحو المكان، الذي رأيته فيه للمرة الأولى. مرت زهاء النصف ساعة ولم يأتِ، ربما حدث له مكروه! لا يمكن لكلماته في رسالته الزرقاء أن تذهب أدراج الرياح.

اليأس تمكن مني .. التفتُ عدة مرات علّني ألمحه قادمًا. تخيلت صوته يرن في مناداتي، بقي الحلم يلوح لي بلقياه في اليوم التالي. تمنيت ليلتها ألا يأتي الصّباح لأظل عالقة بخيوط الأمل ثم جاء اليوم الآخر ولم يكن مختلفًا عما سبقه. وتوالت الأيام تلو الأيام وسيد الرسالة لم أره ولم التقيه وبقيت محتفظة برسالته تلك، أقرأها كل ليلة لأكثر من مرة. مؤكد أن شيئًا ما حدث له!

 مرت لحظات صمت، شعر أنها تبكي، انتظر لحظات حتى كتب: ينبغي علينا أخذ فاصل، لا لأجلك فحسب بل ولأجلي.

  واتفقا على إكمال القصة في المساء.

في وقت مبكر من تلك الليلة كتبتْ له: أحيانًا أفكر أن ما حدث كان وهمًا أو محض خيال. لقد تخرجت وتزوجت وصرت أمًا وصارت لي حياة أخرى، لكن ذكراه بقيت عالقةً في خيالي وصورته ملتصقة جنب فؤادي. منذ ذلك الحين صار الحزن رفيقي. أعلم أنها قصة غريبة، صدقني أستاذ هذا ما حدث حقا!

  • نعم. ربما عند كتابتي لها كقصة سيكون هناك بعض التغييرات لما يخدم النص في الحبكة والبناء الدرامي. كتب لها هذه الكلمات ثم استأذنها لدقائق معدودات. وهو يعد له فنجان قهوة، لمعتْ عيناه وابتسم كمن عثر على شيء ثمين، حين عاد .. كتب لها: لو شاءت الأقدار والتقيتِ بهذا الشخص، فهل بمقدورك معرفته؟

أجابت : لا أظن، من المؤكد قد غير الزمن ملامحه!

 رد في الحال: هل لكِ أن تتخيلي أنك معه الآن؟!

ردّتْ بذهول: أوحقًا ما تقول؟!

كتب: نعم أنني أعني ما أقول!

بيد مرتعشة كتبتْ: دعني أتأكد من أنني لست في حلم،  أنا الآن مع صاحب تلك الرسالة؟!

فكتبَ بحروف متقطعة : أ ن ا .. ه و.

أجل أنا من كتب الرسالة وأنا من وضعها فوق رزمة كتبكِ، التي كنتِ تحملينها، وكنت حقًا سألتقيكِ في اليوم التالي إلا إن أمرًا حدث لي حال دون لقيانا لا يمكنني سرده الآن وحينما عدت بعد أشهر كانت قد حلتْ العطلة الصيفية، فانقضى كل شيء.

 فكتبتْ وهي تبكي: يا لسخرية القدر! أهو حقًا أنت؟! لو أني رأيت ذلك في فيلم فلن أصدقه!

ساد الصمت بينهما ..  في حين كانت تقول مع نفسها: هل سأضيعكَ لمرة ثانية؟

  وفي حين مقابل قال مع نفسه: امرأة مخبولة، لكنها قصة جميلــــــــة !

المشـاهدات 27   تاريخ الإضافـة 30/06/2025   رقم المحتوى 64394
أضف تقييـم