الإثنين 2025/7/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
ثمار جمالية في أشجار بلون الهديل لسعد ياسين يوسف
ثمار جمالية في أشجار بلون الهديل لسعد ياسين يوسف
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

  • د. راشد عيسى

 

أشجار بلون الهديل هي آخر مجموعة شعرية صدرت للشاعر د. سعد ياسين يوسف في العام الماضي 2024م. وبعد اطلاعي على المجموعات السابقة تبيّن لي أنه شاعر خصيب بالشفافية عامرٌ بحقول الحرية الجمالية، فيه من طائر الهدهد سيماءات عديدة. فالهدهد طائر متصالح مع نفسه، شاهد محايد على أخلاق الكروم التي يعيش فيها ، يقيم علاقة جيدة متوازنة بينه وبين الباشق وبينه وبين اليمامة دون تمييز, وهو في ذلك يعيش متعة التعافي من الاتجاهات الفكرية المغلقة ومن الزوايا الأيدولوجية المعتمة المغرضة، ولذلك تظهر قصيدته كما لو أنها احتفال طفولي صادق بحنين الحياة إلى الحياة، أو كأنها لوحة تشكيلية تجمع بين الانطباعية والسوريالية معًا.

       فشعريته أمّارة بمبدأ الجمال والنضال الفني ضد أشكال القبح والاستلاب والقتل والدمار على غرار قصائده المكتوبة ضد مجموعة من المآسي كالزلازل والحرائق وحرب غزة.

نتوقف قليلًا عند العنوان بصفته مُدْخلًا دلاليًّا لقصائد المجموعة. أشجار الهديل. الأشجار نبات والهديل صوت. وإذا عرفنا أن الهديل صوت الحمامة في حالة الحزن، لأن صوتها في الحالة العادية نسمية "السجع" أدركنا الصلة الوطيدة بين أشجار الحمام وأشجار الشاعر. الحمام يصدر هديله من على أغصان الشجر حتى ظن الشجر أنه نوع من الهديل، وفي ذلك اندماج وإخاء وصلة قرابة ووحدة شعورية بين الشجر والحمام الذي يهدل عليه. الأشجار هي القصائد والهديل هو الأمواج الصوتية لحزن الحمام. فالصوت أصبح نباتًا وفي ذلك انزياح دلالي مرموق أكسب العنوان شخصية فنية جديدة بعيدًا عن هديل الحمام عند المعري:

أبناتِ الهديل أسعِدْنَ        أو عِدْنَ قليلَ العزاء بالإسعادِ

وبعيدًا عن نوح الحمامة عند الحمداني أبي فراس:

أقول وقد ناحت بقربي حمامةً         أيا جارتا لو  تعلمين بحالي

      أتصور أن تقييم الشعرية عند شاعر ما يتأسس على مدى تجاوز الشاعر للأنماط الشعرية التقليدية المنهوكة وبمقدار تخليه عن مفسدات الشعر ، وهي الخطابية والمنبرية والمناسباتية والنمطية الاتباعية  والنظم الحماسي العاطفي المجاني سريح الزوال كالعطر المغشوش فبمقدار تجاوز الشاعر لهذه المساوئ يكون مقدار ابتكاره الجمالي الجديد.

       الشعر الكريم ينهض وفق مبدأ أفضل رؤيا مقدمّة بأفضل أسلوب.

      في مجموعة أشجار الهديل تتلامع منظومة الملامح الجمالية التي أكسبت النصوص فرادة ونكهة طيبة المذاق. ومنها:

أولًا:   امتلاك الشاعر خصوصية واضحة في توظيفه ثيمة "التشجير" في شعره، فأغلب دواوينه تحمل كلمة الأشجار مثل: شجر يعمر الأرض، وشجرة الأنبياء، وأشجار خريف موحش، الأشجار لا تغادر أعشاشها، أشجار لاهثة في العراء، أشجار تحلّق عميقًا، حتى لُقّب في احتفالية سابقة بشاعر الأشجار.

وأما لوحة الغلاف فهي مرموز أيقوني لشكل امرأة واقفة منسقة التقاسيم الأنثوية تنبت من جسدها أغصان خضراء محمّلة بنوايا الأمومة وازدهارات الحياة.

ولذلك استخدم الشاعر تراكيب بلاغية جعل فيها الشجر مُشبَّهاً به كقوله: شجرة الماس، شجر الغياب، شجرة قلبي، شجرة النعاس ، بالإضافة إلى أشجار حقيقية شجر اليقطين، النخلة، السرو، الإكليل. كما أسقط على الشجر سمة إنسانية حين قال: شجرة الجاكرندا لا تسقطي وردك على الرصيف، وفي ذلك تعاطف مع كبرياء الشجرة لئلا يدوس المارّة على أزهارها. أو كقوله: "يتعثر النهر في سيره إذا لم تنحنِ على كتفيه الأشجار وهي تفلّ  ضفائرها بالخضرة والحرائق". فالأشجار نساء يستنجدْن بفروسية النهر الرجل.

وقد رأى الناقد المعروف حاتم الصكر أن ثيمة الأشجار عند شاعرنا تحتاج إلى مسح من النقد البيئي ، غير أني أرى أن النقد البيئي ليس جديدًا. فالشعر في كل أنحاء العالم مستند إلى توظيف عناصر الطبيعة وهي عناصر بيئية بالضرورة بدءًا من القمر إلى الصحراء. فظاهرة الوقوف على الأطلال هي مبدأ النقد البيئي. ثم قبل أكثر من مئة وخمسين عامًا ظهر المنهج التاريخي الاجتماعي على يد تين وسانت بوف وهو منهج يستقي رؤاه من كائنات البيئة.

وإن كان لا بُدَّ من اقتراح منهج نقدي ينسجم وشعر سعد ياسين يوسف، فهو المنهج التفكيكي المستند إلى الحفر الدلالي. وعلى الرغم من ذلك فإني هنا أؤثر تجليات القراءة الحرة المتفلتة من أي سياج حُكْميّ مخطط له من قبل.

ثانيًا:  تنهض قصائد الديوان على رؤى وموضوعات تنتصر للحياة والحب، وتدين الحروب وأشكال التهجير والقتل، لكن الشاعر بالإيحاء والترميز جعل الشجر قناعًا أو معادلًا موضوعيًا يتكئ عليه في تسريب موقفه الوجودي العالي ؛ على أساس أن الشجرة رمز خالد لمعنى الحياة والخصب بدءًا من عشبة الخلود عند كلكامش وانتهاءً بشجرة السرو عندما قال: "سآوي إلى سروةٍ تشير بألف ذراع إلى السماء". وفي هذه العبارة حمولة دلالية دسمة. فالخلاص هو الإيواء بشجرة السرو العالية كعلياء فؤاد الشاعر وسموّ كينونته، فتصبح الشجرة أم الوجود كله وبشرى الخلاص. ففي الأشجار أمومة وحنان وأمن وطمأنينة، وهي الأشد إخلاصًا لمريديها من الطير والإنسان، ولذلك سمّى أحد دواوينه [الأشجار لا تغادر أعشاشها] بدلًا من الأعشاش لا تغادر أشجارها كنوع من بيان إخلاص الشجرة للطيور. نعم: كل الأشجار ترحب بالطيور المقيمة والمهاجرة. وهي القدوة في الصبر على آلام قطعها أو حرقها أو اجتثاثها من جذورها غير شاكية أو متذمرة، فأمومتها منذورة للعطاء والإيثار وليس للأخذ.

ثالثًا:  ينطوي شعر سعد على ثلاثية معايير الجودة الشعرية وهي الأصالة والمعاصرة والحداثة. فأما الأصالة فتظهر في محاسن البيان وفتنة البلاغة من مجازات واستعارات وكنايات ولغة شعرية اقتصادية توحي ولا تقرر، لغة ذات حياء سريّ لطيف تحترم ذكاء القارئ العام والمتلقي الخاص من نخبة النقاد والشعراء معًا.

وأما المعاصرة فتتمثل في أن شعر الديوان متصل بعصره. فالسياب اشتغل على شباك وفيقة اشتغالًا ثريًّا، في حين اشتغل شاعرنا على شباك (إرشالوس) المرأة العذبة التي كانت تصحّي الشمس من نومها، وتمسك الصباح من يده لتوصله إلى المدرسة.. وتحث الرعيان إلى سوّقِ أغنامهم لمراعي السماء ، ثم لا تلبث أن تستصلح الخراب في أراضي الأحلام الخائبة.. إرشالوس أيقونة المحبة والجمال ونسمة الفجر. ذلك يعني الخصب الثقافي للقصيدة. فضلاً عن اشتباك رؤى الشاعر بتاريخ الحضارة في أرض الرافدين ميثولوجيّا وتاريخيّاً كغيره من شعراء عبقرية الحزن العراقي السياب وسعدي يوسف والعلاّق وحميد سعيد وغيرهم.

وأما الحداثة فتتمثل في سير القصيدة مع اتجاه التحولات الشكلية في النص الشعري الجديد ، فقصائد الديوان نصوص مبتناة على طراز العمارة المفتوحة لقصيدة النثر ووفق مبدأ تداخل الأجناس الأدبية، وانفتاح النص الأدبي على أشكال فنية أخرى. وهي أي النصوص قائمة في هندستها البنائية على المشهديات والمواقف القصصية ضمن ما يُسمى السرد الشعري Narrative    Poetryبحيث تحمل القصيدة نفسًا سرديًا من الزمان والمكان والحدث والشخوص دون أن تتخلى القصيدة عن هويتها الشعرية. مثال ذلك:

"تلك الشجرة التي تذود عن فراخها برقصة الموت الأخيرة وهي تتلوى ذات الشمال وذات الجنوب تساقط أزهارها فارشة بساطًا أحمرَ وكلما فقدت ذراعًا وأحرقوا قلبها بذبح آخر سالت دموع لبانها وضجت الصحراء بالعطور".

إن مثل هذا النمط من المشهديات السردية هو الذي ينقذ قصيدة النثر من الفهاهة ومن سطوة المُجرّبين البائسين الذين بسبب رداءة نصوصهم لم تنل قصيدة النثر حتى الآن شرعيتها، وما زالت الذائقة العربية مترددة بحذر في تقبّلها.

 

 

 

 

 

تحليل رحلة طارق إلى إيرلندا

في رواية "توهمت أني أحلم" للروائي فريد الطائي

الوصف: C:UserslenovoDesktopef03f4cd-505b-4b9e-823c-997f985e1444.jpeg

حمدي العطار

مقدمة:

تمثل رواية "توهمت أني أحلم" للروائي فريد الطائي تجربة سردية متعددة الأبعاد، حيث تتقاطع فيها سيرة الإنسان العراقي المغترب مع تفاصيل الرحلة نحو الحلم والشفاء والمعرفة. وضمن هذا السياق، تشكل رحلة طارق إلى إيرلندا مفصلًا مهمًا في الرواية، لأنها ليست مجرد انتقال جغرافي، بل تحوّل عميق في الوعي والإحساس بالذات والانتماء.

التحليل

بعد أن خاض الطبيب طارق رحلاته مع صديقه محمد إلى عمان وتونس وليبيا، وشهد موت محمد في ليبيا، اضطر إلى مواصلة طريقه وحيدًا نحو إيرلندا، سعيًا وراء حلمه الأكاديمي والمهني في ممارسة الطب. هذه المرحلة تشكل اختبارًا حقيقيًا له في مواجهة الاغتراب بكل تجلياته.

في دبلن، عاصمة إيرلندا، يبدأ الروائي برصد المشاهد بعين طارق المندهشة: "الفرحة تغمره وهو يسير في شوارع العاصمة... الأرصفة نظيفة، نوافذ المتاجر لامعة، رغم المطر والغيوم، كان الجو معتدلًا". إلا أن هذه الرومانسية لا تلبث أن تتبدد حين يواجه طارق صعوبات السكن والجوع والبرد، حتى يعثر على مطعم مكتوب عليه "حلال"، ليكتشف أن صاحبه عربي، الأمر الذي يعيد إليه الإحساس بالألفة والانتماء.

هذا اللقاء العابر يتحول إلى مفتاح حلٍّ لأزمة السكن، حيث يرشده صاحب المطعم إلى امرأة عجوز تؤجر له غرفة بسيطة. ثم يتصل طارق بوالدته ليطمئنها، قائلًا: "مدينة دبلن... كل شيء فيها يوحي بالحضارة والرقي". لاحقًا، تدله العجوز على أعرق كلية طب في العالم، فيأخذنا الروائي في وصف شعري لفضاءات الكلية العريقة، كما ينقلنا إلى ممرات "ستفن غرين" المزهرة، وجسر أوكونيل، المرتبط تاريخيًا بالنضال ضد الاستعمار البريطاني.

يمنح الروائي هنا السرد أفقًا بصريًا وسياسيًا، حيث ترتبط الأماكن بالأحداث، وتصبح الجغرافيا جزءًا من هوية السرد. ويمضي طارق في معايشة واقعه الجديد، إذ يعمل في غسل الصحون ليلاً، ويواجه صعوبة في اختبارات اللغة، ويصطدم بموقف نقابة الأطباء في بغداد التي ترفض منحه وثيقة تثبت انتسابه، وتصفه بـ"الخائن". غير أن كلية الطب في دبلن تقبل برسالة تزكية من طبيب استشاري محلي.

وفي خضم هذه المعاناة، يتعرف طارق على "هيلين"، فتاة إيرلندية تغير مسار حياته، فتمنحه دفء الحب والاحتواء، حتى أنها ترافقه في رحلة إلى الجنوب الإيطالي، حيث تصف الرواية مدينة جنوة وبورتوفينو بوصفهما آخر قلاع العشق. غير أن الماضي لا يغادره، فيستعيد ذكريات التعذيب الذي تعرض له في معتقلات بغداد، ويعترف لهيلين بإصابته بعجز جنسي نتيجة ذلك.

لكن الأمل يعود حين يقرأ عن تطور طبي في علاج مثل حالته، فيخضع لعملية جراحية ناجحة، يعلّق بعدها الطبيب قائلاً: "كم يسعدني أن أعيد البسمة لهذه الشفاه التي استوطنها الحزن أعوامًا طويلة... هناك حياة بانتظارك".

الخاتمة:

تشكل رحلة طارق إلى إيرلندا في "توهمت أني أحلم" نموذجًا سرديًا لرحلة الذات في البحث عن هوية بديلة ومعنى للوجود بعد أن شرّدت الحروب والقمع الأحلام. تتقاطع الجغرافيا مع الذاكرة، ويصبح المكان وسيلة لاكتشاف الذات واستعادتها. ومع تنوع الأمكنة وتعدد الأصوات، تقترب الرواية من أدب الرحلات، لكنها تتجاوزه لتكتب سيرة الغربة بوصفها بحثًا عن الكرامة والحب والحرية.

المشـاهدات 45   تاريخ الإضافـة 21/07/2025   رقم المحتوى 64939
أضف تقييـم