النـص :
تقترب الانتخابات النيابية في ظل أزمات متراكمة ومشهد سياسي مضطرب، مع ارتفاع في الخطاب الطائفي، ووضوح للنفوذ الخارجي، يرافقها ضعف ثقة الشارع بالعملية الديمقراطية، وتصاعد للمطالبات بإصلاح شامل لأوضاع البلد رغم كل ذلك تلوح في الأفق ملامح خارطة سياسية جديدة, قد تعيد تشكيل موازين القوى، وتمهّد لمرحلة انتقالية في بنية الحكم، رغم أن البيئة الانتخابية في العراق لا تزال مأزومة، نتيجة تراجع الثقة الجماهيرية بالمؤسسات، وتراكم ملفات الفساد، واستمرار تأثير السلاح المنفلت والمال السياسي.. وقد أظهرت التجارب السابقة، لا سيما انتخابات 2021، إزدياد عمق الفجوة بين المواطن والطبقة السياسية، مع ارتفاع نسبة العزوف عن التصويت، وما رافقها من إتهامات بالتزوير، وانعدام الشفافية في النتائج. مفاتيح التحول السياسي المحتمل، قد تستند على صعود القوى المستقلة والحركات الشبابية، كقوى تشرين والتيارات المدنية والتي تشكّل تحديًا للقوى التقليدية، خاصة في ظل تراجع شعبية الأحزاب الكبيرة، وتآكل مكانتها وشرعيتها الاجتماعية، إذا استطاعت هذه الحركات، التوحد ضمن برامج واقعية وتحالفات واسعة، فهي مرشحة لإحداث اختراق واضح في الخارطة السياسية، رغم صعوبة تحقيق إشتراطات ذلك.. جانب اخر يجب الإلتفات له، يتعلق بإعادة فرز القوى الشيعية، فالتيار الصدري وإن انسحب من البرلمان، فهو لا يزال لاعبًا قويًا في الشارع، ويسعى إلى إعادة تعريف الشرعية الانتخابية، بناءً على مشروع الدولة كما يراه هو.. بالمقابل فأن قوى الإطار التنسيقي تحاول الحفاظ على موقعها، لكنها تواجه تحديات داخلية وخارجية، كبيرة وكثيرة جدا..الدور الكردي والسني هو الآخر له دور في المعادلة المقبلة، فالقوى الكردية تعاني من الانقسام والصراع الداخلي، ما قد يضعف موقفها التفاوضي، أما القوى السنية فهي تحاول إعادة تشكيل نفسها، وتجد لها مكانا جديدا للتموضع ضمن الخارطة السياسية، مع بروز تحالفات جديدة، خارج عباءة الزعامات التقليدية، مما قد يغير توازنات السلطة في بغداد. دور المرجعية الدينية العليا، قد يكون إلى جانب ضغط الشارع، ويشكل كلاهما عوامل حاسمة في رسم المشهد القادم، إما من خلال توجيه الأول للمشاركة الفاعلة أو كبح محاولات التزوير وفرض الإرادات، وسيستجيب لها الطرف الثاني بكل تأكيد، وبنسبة عالية جدا يبقى النفوذ الخارجي وتحديات السيادة، هو احد العوامل الاكثر تأثيراً في المشهد السياسي،وأن اللاعب الإقليمي والدولي في الانتخابات لا يمكن تجاهله، فإيران والولايات المتحدة كلٌ وفق أدواته، تتابعان المشهد وتدعمان أطرافًا مختلفة، ما قد يُدخل البلاد في دوامة صراع الإرادات، ويضعف المسار الوطني المستقل.مع هذه التغيرات فأن يرجّح أن تتشكل خارطة سياسية جديدة تقوم على: * تراجع هيمنة الكتل الكبرى لمصلحة توازن كتل أصغر وبشكل أكثر تعقيدًا. * بروز قوى مستقلة وشبابية قد تحصل على مقاعد مؤثرة. * إعادة توزيع التحالفات وفق معايير المصلحة الوطنية لا الانتماء الطائفي. * احتمال تشكيل حكومة بأغلبية سياسية مقابل معارضة برلمانية معقولة وهو تطور إيجابي إن تحقق. بعيدا عن تحديد مدى تحقق تلك الإحتمالات من عدمها، فالانتخابات المقبلة تمثل لحظة فاصلة في تاريخ العراق السياسي.. فإما أن تكون بوابة لإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، أو محطة إضافية في مسلسل الانقسام والشلل السياسي، والرهان اليوم ليس فقط على من سيفوزون، بل على ما إذا كان هؤلاء المنتصرون سيفهمون رسالة الشعب، ويتجهون لبناء مشروع وطني جامع، يقدّم العراق على الولاءات، والسيادة على التبعية.
|