الإثنين 2025/7/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 31.95 مئويـة
نيوز بار
سرديات الرعب في ... رهينة في العالم السفلي
سرديات الرعب في ... رهينة في العالم السفلي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

دراسة نقدية                                           يوسف عبود جويعد
رواية " رهينةٌ في العالم السُّفلي´ للروائية نادية الجبوري، هي واحدة من الروايات النادرة، لأنها صنعت بنمط روايات الرعب الذي يعد من السرديات شبه المعدومة في الساحة الادبية في العراق، بينما نجد أن العالم العربي والعالم الغربي، يعج بهذا النمط من  السرديات، والدليل في ذلك هذا الكم من أفلام الرعب، التي لا يمكن لها أن تظهر للنور، أن لم يكن هنالك نص روائي اعتمد
عليه مخرج هذه الافلام، حتى تطور تطوراً ملحوظاً في فن صناعة رواية الرعب.

وروايتنا هذه التي نحن بصدد تحليلها تنحى هذا المنحى، في احداثها، وعملية بناءها، والمشاهد المروعة والمخيفة والمرعبة، التي صيغت بها الاحداث، إذ سرعان ما نجد بطلة الرواية التي عمدت الروائية أن تكون بلا اسم، لتكون عامة وتشمل كل فتاة مرت بهذه الحوادث.

واستطاعت الروائية أن تختار سياق فني لعملية سرد الاحداث، ينسجم وطبيعة تدوين هذا النمط من النصوص السردية، حيث نجد وفي مستهل الرواية تنبيه للقارئ الذي لا يؤمن بوجود الجن، تقول فيه الروائية:

لا تلمس هذا الكتاب إن كنت :

*  ستكذّب ما رأته عيناي كما ترى أنت تلك الكلمات الآن.

* مستهزئاً لا يؤمن بوجود الجن.

* من أصحاب القلوب الضعيفة.

وهو مدخل موفق لزجّ القارئ في خضم الاحداث التي تختلف تماماً عن النصوص السردية التي تتناول أنماط أخرى من الرواية، كما سنجد أن بطلة الرواية تدعو القارئ في رحلتها الغريبة هذه ليدخل الى عالمها، عالم الجن، العالم السفلي، لتصف للقارئ معالم بيتها قبل ثمانية وعشرون سنة، وتفاصيل عن الحديقة وما تحويه من أشجار، وهي تعود معه الى ذلك الزمن الذي كانت فيه طفلة تبلغ خمس سنوات:

"لقد رأت الطفلة ما جعلها تقطب حاجبيها، إذ لاحظت أن البالون لم يعد وحيداً، فهنالك شيء ما خرج من العدم، ثم أخذ يهبط برفقة بالونها، ويبدو أنه أثقل بكثير منه، فسرعة سقوطه تفوق سرعة البالون.. على ما يبدو، فقد حصل ذلك البالون على رفيق في رحلة عودته الأخيرة تلك!" (ص 37 )

وهكذا نجد هذه الكرة السوداء، لم تكن إلا واحداً من الجن، رافق بالون، ليختفي في جسد هذه الطفلة، لتتغير بعدها وجه الحياة، فلم تكن حياتها طبيعية كما اعتادت أن تعيشها، بل تغير كل شيء فيها.

وقد قطّعت الروائية روايتها الى فصول بعناوين غريبة، تكشف رحلة بطلة الرواية مع هذا الجني الملحد الذي استعمر حياتها، وصار يحركها كيفما يريد وكيفما يشاء، وبعد اختراق الجني لجسد هذه الطفلة، استعمر يدها، وصارت يدها تتحرك حسبما يريد هو، وبعدها صار يحرك يدها لتكتب ما يريد، ثم أضحى جزءاً لا يتجزأ من كيانها، وصار يرافقها، لترحل معه إلى العالم السفلي، من خلال ما تراه عند نومها، فلم تعد تنام نومها الطبيعي، بل إن ليلها صار رحلة مخيفة، نحو هذا العالم السفلي، التي كانت ترى فيه كل ليلة عالماً غريباً من هذا العالم السفلي، وتدخل معهم في صراع رهيب ومخيف حتى الاختناق والصراخ لإيقاظ اسرتها الذين يهرعون لها لمواساتها، وهي تحدثهم عما رأته :

" إن العالم السفلي أكثر كآبة ووحشةٌ مما تتخيل، وأعرف أنني قد دخلت فيه حين أرى علامات معينة تدل عليه، كالظلمة والوحدة وما الى ذلك. فعندما أكون في حلمٍ عادي، فأنني ألج بغتة في ذلك العالم، فيراودني في بادئ الأمر إحساس باليأس التام الذي لا أمل في أن يعقبه أمل، وهو شعور مقيت جداً ينتابني؛ بسبب شحوب الألوان التي أراها أمام عيني، وكآبة الأجواء في ذلك العالم البائس." (ص 61 )

وهكذا أصبحت بطلة الرواية جليسة المشايخ والمختصين من الجانب الروحي، والرقاة، من أجل تخليصها من هذا الجن، لكن تلك المحاولات تبوء بالفشل بسبب عناده وإصراره في البقاء داخل جسدها، وأن لا يفارقها طيلة حياتها، ويحاول هذا الجني أن يسحبها إلى الإلحاد والكفر، كونه ملحد، إلا إن إيمانها وقراءتها لسور القرآن الكريم يجعله يبتعد.

ثم تقطّع لنا الروائية رحلة بطلة الرواية الى العالم السفلي، إلى عناوين الجزر التي تدخل فيها بطلة الرواية إلى العالم السفلي، ففي الجزيرة الاولى: (رأس الشيطان) يريها الشيطان مشاهد مخيفة ومرعبة من تصرفاته من أجل إخافتها وزيادة الفزع داخل نفسها وهي تفاصيل غريبة جداً.

وفي الجزيرة الثانية: (وجهٌ بلا ملامح) تنظر بطلة الرواية في مرآة كبيرة، فتكتشف أن عينها اليسرى قد محيت، تماماً كما تمحي الممحاة الكتابة، وتفاصيل مرعبة وأحداث مروعة.

والجزيرة الثالثة: (الطفلة الملعونة) فيها أحداث وتفاصيل عن طفلة ملعونة لها رأسين، أحدهما رأسٌ طبيعي، والآخر رأس صغير مدمج مع الأول، ونعيش صراع رهيب مع هذه الاحداث المخيفة حد اختناق بطلة الرواية.

أما الجزيرة الرابعة: ( البديلة) ففيها تفاصيل عن ظهور الجني الذي يستعمرها، مع شاب وفتاة من الجن وأحداث بينهم تحبس الانفاس..

وهكذا، نطوف في أربع عشرة جزيرة، في كل جزيرة عالم مرعب مختلف عن بقية الجزر، وبشكل يثير الخوف والهلع لدى القارئ. وهكذا تبقى تلك الفتاة التي رافقها هذا الجني، في صراع مفتوح، وبلا نهاية، وهي مصرّة، إما أن تنتصر أو تموت.

رواية "رهينة في العالم السفلي" للروائية نادية الجبوري، تعتبر أول رواية حديثة كتبت بنمط روايات الرعب، وبشكل متقن.

من إصدارات دار الورشة الثقافية – بغداد – المتنبي  لعام 2025 ط2

المشـاهدات 53   تاريخ الإضافـة 28/07/2025   رقم المحتوى 65198
أضف تقييـم