السبت 2025/8/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 44.95 مئويـة
نيوز بار
ترامب يدمر الاقتصاد الأوروبي بخدعة الجمارك الأمريكية
ترامب يدمر الاقتصاد الأوروبي بخدعة الجمارك الأمريكية
الملحق الرياضي
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

 

 

 

باحث سياسي واقتصادي

 

في صيف 2025، وبينما كانت أنظار العالم تتجه نحو تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خرج دونالد ترامب مجدداً من خلف الستار، لا كرئيس فقط، بل كمهندس لواحدة من أكثر المناورات الاقتصادية والسياسية إثارة للجدل في تاريخ الغرب الحديث. صفقة وُصفت بأنها "اتفاق تاريخي"، لكنها في جوهرها لم تكن سوى عملية خنق ناعم للاقتصاد الأوروبي، وصفعة قوية لطموحات الاتحاد في البقاء نداً للولايات المتحدة.في 27 يوليو 2025، وقف ترامب وإلى جانبه أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في اسكتلندا، لإعلان ما بدا اتفاقاً تجارياً شاملاً. لكن خلف التصفيقات والابتسامات، كانت هناك لعبة خفية أشبه بمسرحية من إخراج واشنطن وإنتاج ترامب، بطلها الأوحد: الجمارك، والاستثمارات، والطاقة، والذكاء السياسي الماكر.بموجب هذا "الاتفاق"، التزمت أوروبا بضخ 600 مليار دولار من الاستثمارات في الولايات المتحدة على مدار ولاية ترامب الثانية. مصانع، شركات، مقرات رئيسية… باختصار، نقل تدريجي للمقدرات الصناعية من القارة العجوز إلى الداخل الأمريكي. أميركا، ببساطة، ربحت الوظائف، والضرائب، والهيمنة، بينما تحوّلت أوروبا إلى مجرّد حقل لإنتاج رأس المال يصب في طاحونة العم سام.

 

فخ الجمارك

 

ترامب، بحنكته التجارية القديمة وحدسه السياسي المفترس، لعب ورقة الجمارك بدهاء. هدّد أوروبا برسوم تصل إلى 30% على صادراتها، ثم "تنازل" فخفضها إلى 15%. في الظاهر، بدا وكأن ترامب يلين، لكن الحقيقة الصادمة أن الجمارك السابقة لم تكن تتجاوز 5%. بمعنى آخر، ما أظهره كتنازل لم يكن سوى مضاعفة العبء على الصادرات الأوروبية. والمفارقة أن الاتحاد الأوروبي وافق على خفض أو إلغاء بعض الجمارك على السلع الأمريكية، في مشهد يشبه توقيع المهزوم على وثيقة الاستسلام.الصفقة شملت أيضاً التزاماً أوروبياً بشراء 750 مليار دولار من الطاقة الأمريكية، من نفط وغاز وطاقة نووية إلى شرائح إلكترونية. أوروبا، التي كانت تطمح إلى تنويع مصادر طاقتها، تحوّلت إلى زبون دائم للولايات المتحدة، في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية اضطرابات غير مسبوقة. بهذا، نجحت واشنطن في تحويل أزمة الطاقة العالمية إلى فرصة لصناعة تبعية دائمة للقارة العجوز.

 

الهزيمة بصوت منخفض

 

فرنسا وصفت الاتفاق بـ"الهزيمة الناعمة"، وألمانيا، صاحبة الاقتصاد الأقوى في أوروبا، تلقّت ضربة مباشرة، خصوصاً في قطاع السيارات. علامات مثل "مرسيدس وبي إم دبليو وأودي" أصبحت تواجه جمارك تثقل كاهل صادراتها، فيما ظلت رسوم الصلب والألمنيوم عند 50%. وفي الداخل الأوروبي، بدأ نواب يتحدثون عن "استسلام ناعم" وتسليم مفاتيح الاقتصاد للبيت الأبيض.هذا الاتفاق لم يكن اقتصادياً فقط، بل رسالة سياسية تقول بوضوح: أوروبا لم تعد نداً، بل شريكاً أضعف. الشركات الأوروبية بدأت فعلاً بنقل بعض أعمالها إلى الولايات المتحدة لتجنب الجمارك، ما يعني فقدان الوظائف داخل القارة، وتراجع الثقة بالاتحاد ككيان اقتصادي موحّد.

 

بورصة بلا أخلاق

 

لكن المشهد لم يتوقف عند ضفاف الأطلسي. داخل الولايات المتحدة، كانت هناك حلقة أخرى من حلقات لعبة المال والنفوذ. ترامب، مجدداً، استعرض قدرته على التحكم في الأسواق بتغريدة. فرض رسوماً جمركية على أكثر من 90 دولة، من بينها الصين بنسبة وصلت إلى 145%. الأسواق انهارت، البورصات نزفت، وصغار المستثمرين فرّوا مذعورين.ثم فجأة، ومن دون مقدمات، عاد ترامب ليعلن تأجيل الرسوم لـ90 يوماً فقط. في غضون ساعات، تعافت الأسواق وقفزت، وربحت النخبة المقرّبة منه مئات الملايين. تغريدة واحدة أطلقها على منصته "تروث سوشيال" قائلاً: " الآن وقت الشراء، دي جي تي"  وكانت تلك الكلمة المفتاح. دي جي تي، شركة ترامب المدرجة في البورصة، صعد سهمها 22% في يوم واحد. وترامب ربح 415 مليون دولار في ساعة.كل المؤشرات، والتقارير المسربة، بل حتى الفيديوهات من داخل المكتب البيضاوي، تؤكد أن ما حدث كان مخططاً له بعناية. إنها ليست صدفة، بل ما يُعرف في عالم المال بـ"الضخ والتفريغ" (Pump & Dump). تضرب السوق، وتخلق الذعر، وتشتري، ثم تعلن خبراً جيداً، فتربح الملايين… بينما يُسحب المال من جيوب المواطنين إلى خزائن نخبة محصنة سياسياً.

 

 أمريكا أولاً… والبقية تبع

 

ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض محملاً برغبة عارمة في إعادة "أمريكا العظمى"، لا يحكم كسياسي تقليدي. بل كرجل أعمال يرى في السياسة وسيلة للربح، وفي الدول الأخرى فرصاً استثمارية أو أوراق تفاوض. وأوروبا؟ في هذا المشهد، لم تكن أكثر من "فرصة استثمارية" خضعت للابتزاز، وخسرت المعركة تحت شعار تفادي الحرب.لقد تحوّل المنصب الرئاسي في عهد ترامب إلى رافعة مضاربة رسمية، وإلى أداة لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية تحت منطق السوق، لا ميثاق التحالفات. والسؤال المرعب الذي يتردّد الآن في العواصم الأوروبية: هل انتهى عصر أوروبا كقوة مستقلة؟ ربما يكون الجواب في واشنطن… حيث تُكتب الصفقات، وتُقرّر مصائر القارات بتغريدة.

المشـاهدات 32   تاريخ الإضافـة 02/08/2025   رقم المحتوى 65314
أضف تقييـم