الأربعاء 2025/8/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 45.95 مئويـة
نيوز بار
"هناك حيث أنا" سرد يطمح إلى تأريخ التحولات الثقافية والروحية لبادية سيناء
"هناك حيث أنا" سرد يطمح إلى تأريخ التحولات الثقافية والروحية لبادية سيناء
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

 حسن غريب ـ

مصر

 

يُعد الروائي والقاص المصري عبدالله السلايمة، المولود في شمال سيناء، من أبرز الأصوات الأدبية التي كرّست كتاباتها لتوثيق حياة البدو وثقافة الصحراء، خاصة في منطقة سيناء.

تُظهر أعماله التزامًا عميقًا بتصوير الواقع الاجتماعي والسياسي والإنساني لسكان هذه المنطقة، مما جعله يُصنَّف ضمن كتّاب "أدب الصحراء" في مصر.

تأثرت كتاباته ببيئة البادية التي نشأ فيها، تمما أضفى على أعماله طابعًا خاصًا يمزج بين الأصالة والتجديد.

 

أصدر عبدالله السلايمة العديد من الروايات والمجموعات القصصية التي تعكس تجاربه ورؤاه، منها المجموعة القصصية الأخيرة"هناك حيث أنا"، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠٢٥.

تُمثّل المجموعة تجربة سردية متميزة، تنبع من عمق البيئة البدوية في سيناء، وتستحضر عناصرها الثقافية والاجتماعية والروحية، لتخلق نصوصًا ذات خصوصية في الرؤية واللغة والبناء الفني.

 

يحمل العنوان" هناك حيث أنا" بعدًا دلاليًّا غنيًا ومفتوحًا على عدة تأويلات، سواء من ناحية اللغة أو المعنى الفلسفي والوجودي.

فـ"هناك" تشير إلى مكان بعيد، بينما تشير "أنا" إلى الذات الحاضرة. يخلق هذا التباعد بين"هناك" و "أنا" مفارقة وتوترًا وجوديا، وكأن الذات ليست متصالحة مع مكانها.

وتوحي"أنا" بأن القصص تدور حول تجارب شخصية أو غيرية، سواء كانت حقيقية أو متخيلة. و تجعلنا "هناكنتوقع أن تكشف القصص عن الحدود بين الشخصي والغيري، بين الواقع و المتخيل، بين السارد والعالم أو المكان الذي يمثّل جزءًا من هذا العالم.

هذا المكان، الذي سيتضح للقارئ، بعد قراءته المجموعة، أن"هناك" تشير إلى "سيناء" كمكان، بينما تشير "أنا" إلى السارد أو الراوي، والأدق تشير إلى الكاتب عبدالله السلايمة.

تضم المجموعة (٢٢) قصة متنوعة. تتناول هذه القصص حياة أهل البادية في سيناء، مُسلطة الضوء تفاصيل حياتهم اليومية، عاداتهم، تقاليدهم، بأسلوب سردي يكشف الجوانب الإنسانية والثقافية لهذا المجتمع.

 

تتفاوت قصص المجموعة في الطول والبنية والتيمات، لكنها تلتقي جميعًا في فضاء واحد من التأمل في الإنسان ومصيره وتحوّلاته.

 

يعتمد السلايمة في نصوصه على لغة مكثفة، ذات طابع تصويري، تجمع بين الطابع السردي الوصفي واللمسة الشعرية، دون أن تقع في الترهل أو الخطابة.

كما تتسم البنية السردية بقصر القصص واعتمادها علىالومضةالتي تقتنص لحظة التحول أو التوتر أو الإدراك.

تحتل البيئة السيناوية مكانًا مركزيًا في المجموعة، لا بوصفها خلفية جغرافية فحسب، بل بوصفها كيانًا حيًّا يفرض إيقاعه على الشخصيات والسرد.

الصحراء، الجبل، البدو، الطقوس، والعادات، كلها عناصر تؤسس لعالم متكامل يحمل خصوصية اجتماعية وثقافية. لكنه، في الوقت ذاته، عالم يعاني التآكل والتحول، نتيجة الضغط الحضاري والمدني.

نجد في قصص مثل "الشاب"، "الطنيبة"، و"الشيخة نافعة"، تصويرًا لحالات إنسانية مأزومة تعاني من التهجين الثقافي والانفصال عن الجذور. وهنا، يبرز الصراع بين الأصالة والتحديث، بين القيم البدوية التقليدية وموجات الحداثة.

في عدد من النصوص، يتجاوز السرد الطابع الواقعي ليبلغ مستوى من الرمزية، خاصة في قصص مثل "سدرة المنتهى" و"ذاكرة حمراء". في هذه القصص، تُوظّف الرموز الدينية والأسطورية لتقديم رؤية وجودية عن الذات والقَدَر والهوية. وتتخذ القصص شكل سرد ذاتي يتعامل مع القلق، والحنين، والارتباك أمام مفاهيم كبرى مثل الله، والسلطة، والزمن.

مثلاً، قصة "سدرة المنتهى" تبدو للوهلة الأولى كسيرة ذاتية "غيرية" مقتضبة، لكنها تنفتح على أسئلة لاهوتية وفلسفية تتعلق بالمقدس والنسبي، وتضع القارئ أمام مفارقات التأويل والتوريث الثقافي.

رغم تنوع القصص من حيث الطول والأسلوب، إلا أن وحدة الموضوع بارزة، فكلها تنبع من سؤال جوهري عن الهوية

المشـاهدات 395   تاريخ الإضافـة 03/08/2025   رقم المحتوى 65383
أضف تقييـم