
![]() |
نساء على الخشبة الجزائرية.. تجارب مسرحية تجاوزت الأحكام الجاهزة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
متابعة ـ الدستور تكفي معاينة بسيطة للعروض المسرحية الجزائرية الماضية، بما فيها تلك التي تُقدَّم في الآونة الأخيرة، لإدراك أن الحضور المسرحي للمرأة قد شهد نقلةً كبيرة، ليس على مستوى التمثيل فقط، بل أيضاً على مستوى العناصر الأخرى؛ من إخراج وكتابة وكوريغرافيا وسينوغرافيا. ويدفع هذا التحوّل اللافت للانتباه إلى التساؤل عن الأسباب الموضوعية التي أدّت إليه.
بدايات ذكورية
إذا اعتمدنا مطلع العشرية الثالثة من القرن العشرين عتبةً لانبثاق المسرح في الجزائر، إذ شهدت زيارة فرقة المصري جورج أبيض إلى الجزائر المحتلّة وتقديمها عروضاً في عدّة مدن، فإنّنا سنقف على مفارقة استمرّت حتى نهاية النصف الأول من القرن، وهي أنَّ المخرجين المسرحيين الجزائريين كانوا يعمدون إلى تأنيث ألبسة وأصوات ممثلين من الرجال ليؤدّوا أدواراً نسائية.كانوا يفعلون ذلك لأن البيئة المحافظة لم تكن تسمح بظهور النساء على الركح، وكان ذلك ممكناً فقط إذا كان الدور يسمح بأزياء تقليدية تنسجم مع العادات والتقاليد. وكان مثيراً لحفيظة المجتمع ظهور المرأة بلباس عصري، بما يجعلها شبيهة بالفرنسيات.من هنا، نستطيع إدراك حجم معاناة ومكابدات الرعيل الأول من الممثلات الجزائريات، مثل عائشة عجّوري المعروفة بـ"كلثوم" (1916–2010)، وفريدة صابونجي (1930–2022)، ونورية قصدرلي (1921–2020)، التي كانت مجرّد مرافقة لزوجها المسرحي في إحدى جولاته المسرحية عام 1945، فاضطر إلى الاستعانة بها لتعويض ممثلة غابت بسبب الضغوط العائلية.وحتى قسم المسرح في الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، التي تأسّست عام 1958 لتمثيل الثورة فنيّاً، لم يضمّ إلا امرأتين، هما رقية دري ومليكة إبراهيمي، في مقابل خمسة عشر عضواً من الرجال، ما يُشير إلى صعوبة اقتحام المرأة مجال التمثيل في ذلك السياق الزمني، رغم أن المسعى كان تحرّرياً نبيلاً.وفي عام 1964، أُسّست مدرسة الفن المسرحي، التي ستصبح لاحقاً معهداً وطنياً عالياً، فتجدّد السعي إلى التحاق المرأة الجزائرية بالممارسة المسرحية، دراسةً وتمثيلاً.
ثقة تاء التأنيث
حدّثتني الممثلة والمخرجة صونيا ميكيو، قبل رحيلها عام 2018، عن قدومها من الشرق الجزائري إلى العاصمة، ولمّا يتجاوز عمرها 17 عاماً، لتلتحق بمدرسة الفن المسرحي. فوجدت نفسها مخيّرة بين أن تتخلّى عن أسرتها، التي رفضت خيارها، أو تنحاز إلى طريقها الفني وتترك للزمن مهمة تصحيح النظرة وتغيير الأحكام.قالت: "كان دوري جمالياً ونضالياً في الوقت نفسه، فقد كنتُ مطالبة بأن أُكوِّن نفسي مسرحياً من خلال الدراسة والممارسة والاحتكاك. لم أشأ أن يستمدّ حضوري مصداقيته من أنوثتي فقط، بل أردت أن أُعطي انطباعاً للمحيط العام بأني امرأة سويّة ومحترمة وذات أصول، حتى تتشكّل حالة من التقبّل الاجتماعي لوجود المرأة في الفضاء الفني".ساهمت إجبارية تعليم الإناث، التي تبنّتها حكومة الاستقلال، وتغلغل الثقافة التلفزيونية في الأوساط الشعبية بعد أن كانت محدودة في الحقبة الاستعمارية، خلال العقدين التاليين للاستقلال الوطني عام 1962، في ترسيخ الحضور النسائي في الفضاء العام.ومن مظاهر تشبّع الفنانة المسرحية الجزائرية بصوتها وصورتها، خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، إقبال العديد من الوجوه على العروض الفردية، خاصة المونودراما، مثل دليلة حليلو، وصونيا ميكيو، وسعاد غجاتي، ووهيبة باعلي، ومفيدة عدّاس، وفتيحة طاهري، حيث أصبحت لهذا الخيار المسرحي تظاهرة دولية تُنظَّم في مدينة وادي سوف.
من التمثيل إلى التنظير
أدّى هذا الواقع الجديد إلى تعزيز الفضاء المسرحي الجزائري بوجوه نسائية عملت على تفكيك الأحكام الجاهزة التي كانت سائدة، وساهمت في تطوير وإثراء الرصيد المسرحي المحلي، ما برّر انبثاق مهرجان وطني للمسرح النسوي في مدينة عنّابة عام 2012، على أيدي نخبة من الفنانات.غير أن المهرجان، الذي تعاقبت على إدارته عدة وجوه نسائية، كانت آخرَهن الممثلة راضية سيروتي، وجد نفسه أمام رهان منهجي؛ إذ لم يُفصل في ماهية المسرح النسوي وما يُميّزه عن المسرح الذي يقدّمه الرجال، بل يُطرح التساؤل: ما الداعي الموضوعي لهذا التقسيم أصلاً؟ وهو ما يجعل المهرجان أقرب إلى مجاملة من وزارة الثقافة للمرأة المسرحية، منه إلى محاولة تعميق حضورها وتمييزه والتنظير له. |
المشـاهدات 23 تاريخ الإضافـة 05/08/2025 رقم المحتوى 65420 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |