النـص : يمتلك العراق كنزاً تُراثياً غير مادياً يَحمل ثقافة سبع حضارات لبلاد ما بين الرافدين التي تمثلت بالحضارة السومرية وهي المؤسس الاول للمُدن البشرية وللكتابة المسمارية التي عَلمت البشرية القراءة والكتابة وليومِنا هذا تُستخدم الكتابة كأداة لتناقل الحضارات والثقافات فتمكنت كل الحضارات من بَعدِها استخدام اسلوب الكتابة لنقل حضاراتها، كما تركت الحضارة السومرية مُدنها شاخصة كتُراثٍ ماديٍ مثل مدينة اور واوروك، والحضارة الاكدية والحضارة الاشورية وكل الحضارات تركت معالم اثارية وتراثية فضلاً عن الحضارة البابلية والتي تركت معلماً شاخصة في التطور العلمي والفني والادارة البشرية حتى عُدت اول الحضارات التي سَنت القانون واشتهرت "مسلت حمورابي" من ابرز مَعالِمها الاثرية وايضاً اثار بابل التي مازالت ليومِنا هذا يحقق وجودها مفخرة تاريخية لأعظم حضارة عراقية أسست التنظيم والتخطيط وادارة التنوع وسن قانون للحياة البشرية العادلة وحفظ الموروث الثقافي والعلمي ونقلهُ للأجيال، فضلاً عن (مملكة الحضر والحيرة والحكم العباسي) الذين اشتهروا بالعصور الذهبية للفن والعلم والازدهار العمراني والعلمي والادبي. وكل هذا الارث حمل ممارسات وتقاليد وفنون شعبية للبلاد جُسدت كذاكرة حية للشعب العراقي تناقلت شفاهياً وممارسياً بين الاجيال المتعاقبة عبر التاريخ وكل هذهِ الممارسات المتناقلة تسمى بالتراث غير المادي والتي تشمل (المقامات العراقية والصناعات اليدوية من النخيل والبردي والعادات والتقاليد والافكار والقصص والامثال والاغاني والاهازيج والانتماءات سواء كانت دينية ام عرقية كلها تُعد تراث للهوية العراقية وجذورِها المُمّتدة عبر الاف السنين).كل ما تم التطرق لهُ في مقدمة الحديث يتعرض لجملة من تحديات صون التراث الثقافي غير المادي وتهديدات اندثارهِ الثقافي مما يؤدي الى تهديد التنوع الثقافي في البلاد وطمس هويتهِ الثقافية وتأثرهِ بالأزمات الامنية والسياسية والاقتصادية والثقافية وعالم الحداثة والعولمة والغزو الثقافي الوافد والمهاجر فتغُير نمط الحياة اليوم بما يتماشى مع حداثة التطور العلماني للحياة السريعة حال دون نقل هذا التراث من جيل الاباء الناقل للتراث الثقافي غير المادي لجيل الحداثة المرتبط بالعولمة والأتمتة والاجهزة الالكترونية والاعلام الرقمي السريع وامتزاج الحياة بعادات وثقافات وافدة ومهاجرة مما شكل تحدي جديد لانتقال التراث غير المادي بين الأجيال فمثلاً مهنة الحياكة اليدوية للصوف والبردي والنخيل وحياكة السجاد اليدوية والفخار لم تعُد من المهن المطلوبة في الحياة العصرية. لذى باتت عُرضة للاندثار ناهيك عن المهددات للازمات الامنية والسياسية التي تعرضت لها البلاد من صراعات وحروب وتهجير قسري ونزوح كل هذهِ تودي الى اكتساب سلوكيات ولغات وعادات جديدة تتماشى والسعي للبقاء على قيد الحياة دون الاهتمام بالثقافة والفن والتقاليد والمعارف يضاف لها الثورة الاعلامية المعاصرة الالكترونية والتي باتت تروج عبر مواقِعها المدعومة ثقافات لحضارات اوربية او غربية او اسيوية وانماطاً لسلوك حياة مغايرة للبيئة العراقية لا تتماشى وحضارة العراق وتقاليدهِ وعاداتهِ وقيمهِ وموروثهِ فقل تناقل الامثال والحكايات والقصص والاغاني والاهازيج واللهجات واللغات العراقية وباتت الامثل الوافدة والحكايات والرسوم الغربية والاوربية والصينية والكورية تغزو ثقافة الاجيال الشابة ناهيك في ضوضاء الانشغال بالملفات السياسية والانتخابية وتناسي الملفات الثقافية في الاوساط المحلية. ورغم كل هذهِ التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية فقد انضم العراق لاتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي اسهم في توثيق وتسجيل العديد من الممارسات الثقافية التراثية للعراق كان منها (نخيل التمر، وبيت القصب، والنقش على المعادن، والة العود، وعيد نوروز) ومع ذلك فأن هذه الجهود المنجزة في اليونسكو لم تلاقي صدى اعلامي واهتمام تعليمي ومهرجانات توعوية وتثقيفية في داخل العراق فصون التراث الثقافي غير المادي يتطلب وعياً مجتمعياً ممنهجاً عبر الجامعات والمدارس والمؤسسات التربوية والثقافية والتعليمية ومشاركة المؤسسات غير الحكومية في نشر الوعي والثقافة العراقية واشراك الشباب بهذهِ البرامج التي تُعد هي اولى البرامج لامتصاص العنف المجتمعي وترسيخ الترابط والتواد بين الافراد والجماعات والمجتمعات، فضلاً عن كونها تُعد الوسيلة الامثل للتناقل الجيلي وردم الفجوة الجيلي…
|