السبت 2025/8/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 41.95 مئويـة
نيوز بار
مدن المعجزات ومدن الخيبات
مدن المعجزات ومدن الخيبات
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حسين الأنصاري
النـص :

 

 

في العقود الأخيرة، شهد العالم قفزات هائلة في التطور التقني شملت جميع مجالات الحياة دول أحسنت استثمار هذه التحولات، فجعلتها أدوات بناء وتحديث، فحققت انجازات  نادرة النوع، لافتة للنظر، ومحدثة نقلة حضارية فراحت تعيد رسم خرائطها العمرانية والبشرية ،هناك مدن دمرتها  الحروب لكنها عادت للحياة أكثر جمالا وتنظيما ومدن أخرى نهضت بأقل التكاليف وأقل الميزانيات مستثمرة التخطيط السليم والإدارة الرشيدة والوطنية الحقة ،حتى تغيرت  معالمها تماما ،شوارعها وأبنيتها وجامعاتها  ومراكزها الثقافية ومسارحها ومتاحفها وحدائقها، لتصبح بيئات ملهمة لملايين البشر.لكن مدننا من الجنوب  وحتى حدود الشمال  بما فيها العاصمة بغداد ، ما زالت تعاني من بطء واضح في التحديث، بل إن ما نُفذ من مشاريع تطويرية جاء دون مستوى الطموح. والأسوأ أن بعض المدن فقدت بريقها، وتهدمت أجزاء من معالمها التاريخية خاصة الأحياء القديمة والمواقع التراثية، دون أن تجد الرعاية والاهتمام المسؤول. وهكذا ضاعت أجزاء مهمة من التاريخ الحي الذي كان يزين هذه الأمكنة العريقة

فمدن عراقية مثل بابل – التي تُعد من أعظم شواهد الحضارة الإنسانية لم تحظ بالاهتمام الذي يتناسب مع مكانتها كمدينة عابرة للتواريخ  ومدينة تتصدر عراقة الحضارات ويعرفها العالم اجمع عبر صفحات التأريخ ولكنها في الواقع غير ذلك لشديد الأسف

رغم أن العراق يمتلك إمكانات اقتصادية هائلة ويعيش في زمن  التقنيات الحديثة القادرة على إحداث نقلة نوعية في التخطيط العمراني  والبناء الحديث، إلا أن أسباب التعثر واضحة بدءا  من غياب الرؤية الاستراتيجية و ضعف الإدارات المحلية وغلبة الحلول الترقيعية  إلى تهميش البعد الثقافي والجمالي والتراثي في مشاريع التحديث مما أدى إلى هذا التراجع المحزن

إن التحضر والتنمية ليس مجرد إسفلت جديد أو عمارات إسمنتية، او مطاعم فارهة وأسواق متعددة الطوابق  بل هو عملية متكاملة تشمل التنمية البشرية ، البنية التحتية، الثقافة، الفنون، والذاكرة الشعبية التاريخية،  وخلاف  ذلك فإن مدن العراق ستبقى عالقة في منطقة رمادية بين الماضي العريق والمستقبل المؤجل ، وإن إنقاذها وإعادتها إلى مكانتها الطبيعية على خارطة الحضارة لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى إرادة سياسية واضحة، ورؤية تخطيطية طويلة المدى، وإدارة تنفيذية كفوءة. الحل يبدأ من تبني مشروع وطني شامل للتحديث الحضري يوازن بين التنمية الاقتصادية وصون الهوية الثقافية والتراثية مع إعطاء الأولوية وترميم الأحياء القديمة وصيانة المواقع الأثرية، ليس في شارع واحد بل ينبغي ان  تكون نهضة شاملة في كل المحافظات ودمجها في دورة الحياة المعاصرة لتكون مصدر جذب ثقافي وسياحي. كما أن استثمار التقنيات الحديثة في التخطيط العمراني، وإشراك الجامعات والمراكز البحثية والاستفادة من خبرات العراقيين في الخارج يمكن أن يشكل نواة لنهضة حضرية حقيقية. الزمن لن ينتظر، وإذا لم نلتحق بركب المدن التي تجاوزت محنها وصارت نماذج للتحضر،  العالم يبني المعجزات ولا نريد ان بقى نرمم الخيبات  ولا تكرار الحنين إلى ماض مجيد بدلا من أن نصنع مستقبلاً يليق بنا وبأجيالنا القادمة .

المشـاهدات 38   تاريخ الإضافـة 15/08/2025   رقم المحتوى 65677
أضف تقييـم