السبت 2025/8/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 39.95 مئويـة
نيوز بار
طريق ترمب للسلام بين اذربيجان وارمنينيا .. يمهد لعهد جديد من السلام لدول القوفاز
طريق ترمب للسلام بين اذربيجان وارمنينيا .. يمهد لعهد جديد من السلام لدول القوفاز
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د.معتز محي عبد الحميد
النـص :

 

 

 

بعد عقود من الاشتباكات المتقطعة، فيما يشبه حرب الاستنزاف، وبعد أن فشلت "مجموعة مينسك" المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي تضم كلًا من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا في التوصل لحل دبلوماسي لتسوية الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على مدار سبع وعشرون عامًا. بدأت أذربيجان عملية عسكرية موسعة في ايلول 2020 تحولت إلى حرب شاملة في قرة باغ، حيث حققت انتصارات حاسمة خلال 44 يومًا، تمكنت خلالها من استعادة المناطق السبع التي احتلتها أرمينيا عام 1993، بالإضافة إلى نحو ثلث المنطقة الجبلية في قرة باغ نفسها بما فيها مدينة شوشا التاريخية ، وفي ايلول 2023، شنّت القوات الأذربيجانية هجومًا على ما تبقى من قرة باغ ضمن عملية مكافحة الإرهاب، وسرعان ما اتفقت أرمينيا على وقف إطلاق النار. وغادر تقريبًا جميع الأرمن الباقين في المنطقة، إلى أرمينيا.

 

خطوات السلام بعد ان توقفت المدافع 

 

بعد وقف اطلاق النار واستعادت أذربيجان لأراضيها المحتلة، بدأت خطوات التقدم باتجاه التوصل إلى اتفاق سلام دائم ينهي حالة الحرب بين البلدين، وعلى الرغم من بطء تلك الخطوات، إلا أن الرغبة كانت موجودة بين الطرفين للتوقيع على معاهدة لإنهاء النزاع. وفي عام 2024، بدأت أرمينيا إعادة بعض الأراضي المتنازع عليها إلى أذربيجان، بما في ذلك عدة قرى غير مأهولة على طول الحدود المشتركة. وقد أثار هذا التحرك جدلاً واسعًا في أرمينيا، وأشعل احتجاجات في شوارع العاصمة يريفان. وقد شكلت مسألة تغيير بعض المواد في الدستور الأرميني بعض العقبات الرئيسية أمام توقيع اتفاق سلام، فقد كانت أذربيجان تطالب أرمينيا بتغيير ديباجة الدستور التي تتضمن إشارة إلى إعلان الاستقلال الصادر عام 1990 والذي تحدث عن قرار مشترك عام 1989 يدعو إلى إعادة توحيد أرمينيا وقرة باغ التي كانت حينها أقليم ذات حكم ذاتي داخل أذربيجان السوفيتية. حيث كانت باكو ترى أن الإشارة إلى قرة باغ في الدستور الأرميني تمثل مطالبة ضمنية بأراضٍ أذربيجانية، وقد دعا رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان هذا العام، إلى إجراء استفتاء لتغيير الدستور، لكن لم يتم تحديد موعد لذلك حتى الآن. ومن المقرر أن تجري الانتخابات البرلمانية في أرمينيا في حزيران 2026، وسط توقعات بأن يتم صياغة الدستور الجديد قبل تلك الانتخابات. العقبة الأخرى التي كانت تقف أمام عملية إبرام اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا، هي إنشاء ممر زانجازور الذي تطالب به أذربيجان ويمتد نحو 32 كيلومترًا عبر أرمينيا، ويربط الجزء الرئيسي من أراضي أذربيجان بإقليم ناخيتشيوان المنفصل جغرافيًا عن أذربيجان، والذي يتصل بالحدود مع تركيا. حيث كانت أرمينيا تخضع لضغوط إقليمية بعدم السماح بإنشاء هذا الممر.

 

منصة  3 + 3 

 

ممر زانجازور الذي طالبت به أذربيجان وتضمنه اتفاق السلام الأخير لن يكون في مصلحة أذربيجان وحسب لأنه سيصل بين الأراضي الأذربيجان وإقليم ناخيتشيون المتمتع بالحكم الذاتي ، ولكن الممر يُعد حلقة أساسية في "الممر الأوسط" الذي يربط الصين ووسط آسيا بتركيا، ويوفر لأرمينيا منفذًا تجاريًا جديدًا إلى العالم. كما سيتح الكثير من الفرص الاقتصادية لدول المنطقة بشكل عام وفق رؤية الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان قد اقترح إنشاء منصة سدادسية، أو "3 + 3"، التي تضم دول جنوب القوقاز الثلاث "أذربيجان، جورجيا، أرمينيا"، والقوى الإقليمية الثلاث "تركيا، روسيا، إيران"، حيث توفر تلك المنصة فرص تعاون واعدة ضمن شبكة من ممرات للسكك الحديدية والطرق البرية وخطوط أنابيب لنقل النفط والغاز من آسيا الوسطى وبحر قزوين إلى أوروبا عبر هذا الممر.

 

التحكم في المعابر عنوان للصراعات

 

يدخل جنوب القوقاز مرحلة حساسة من إعادة هندسة خرائطه البرية على نحو غير مسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. فالاتفاق الذي تبلورت ملامحه في المفاوضات الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان .لا يقتصر على كونه تسوية حدودية أو ترتيبات لوجستية، وإنما يمثل تحوّلاً جيوإستراتيجياً عميقاً، يعيد صياغة ميزان القوى الإقليمي، ويفتح الباب أمام إعادة تموضع اللاعبين الدوليين في قلب الممرات البرية بين آسيا وأوروبا.ورغم أن ممر زنغزور يكتسب اليوم زخماً غير مسبوق في الجغرافيا السياسية، فإن جذوره تمتد إلى الحقبة السوفييتية، حين أعادت موسكو رسم الحدود الداخلية للجمهوريات القوقازية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ضمن سياسة توزيع جغرافي معقدة هدفت إلى منع تشكّل كيانات قومية متماسكة يمكن أن تهدد مركز السلطة في الكرملين.في هذا السياق، أُلحق ناخيتشيوان بأذربيجان كجمهورية ذات حكم ذاتي، بينما تُرك شريط زنغزور ضمن أراضي أرمينيا، ليشكّل حاجزاً برياً يفصل بين أذربيجان وناخيتشيوان من جهة، ويمنح أرمينيا منفذاً إلى إيران من جهة أخرى. هذا الترتيب عكس موازنة دقيقة بين المكوّنات العرقية الأرمنية والأذرية والكردية في الإقليم، وهو ما جعل الممر منذ ذلك الحين نقطة احتكاك كامنة بين يريفان وباكو، تنتظر فقط اللحظة التاريخية المناسبة لتنفجر.

 

ممر زنغرور..وحلقة الوصل مابين ايران وارمينيا

 

من منظور جيوسياسي، يكتسب ممر زنغزور الممتد لأكثر من أربعين كيلومتراً على أقصى جنوب أرمينيا، على تماس مباشر مع الحدود الإيرانية أهمية مضاعفة، إذ إنه يشكّل حلقة الوصل الوحيدة بين أرمينيا وإيران، وفي الوقت ذاته الممر المفترض لربط أذربيجان بجمهوري ناخيتشيوان ذات الحكم الذاتي، ومن ثم بتركيا، ضمن مشروع أوسع تسعى أنقرة إلى تسويقه تحت لافتة “العالم التركي”. وإذا ما تم تنفيذ الربط البري وفق الشروط التي تسعى إليها باكو وحلفاؤها، فإن ذلك سيعني عملياً فصل أرمينيا عن إيران، وتطويق يريفان برياً وسط حدود مغلقة أو شبه مغلقة مع جيرانها كافة، باستثناء منفذ جوي هش وخطوط إمداد معقدة عبر جورجيا المضطربة في علاقاتها السياسية معها.منذ خسارة أرمينيا لإقليم ناغورنو قره باغ في حرب 2020، ثم حلّ الكيان الأرمني المعلن هناك عام 2023، تحوّل ميزان المبادرة بشكل حاسم لصالح باكو. ففي السنوات التي سبقت تلك الهزيمة، كانت يريفان قد طرحت صيغة “تبادل الأراضي” كحل للنزاع: ممر لاتشين مقابل ممر زنغزور. غير أن تبدّل موازين القوة بعد الحرب، وتزايد النفوذ العسكري والسياسي التركي – الأذري، أفرغ هذه المعادلة من توازنها، وجعل من ممر زنغزور مطلباً إستراتيجياً غير قابل للمساومة بالنسبة إلى باكو، ولم يعد مشروطاً بتنازلات مقابلة.

 

ايران وتركيا وروسيا .. واوراق التفاوض

 

الانعكاسات على إيران لا تقل أثراً، ففقدان أرمينيا لحدودها البرية مع طهران يعني قطع شريان جغرافي – اقتصادي مهم، وتحويل المجال الحيوي الإيراني في القوقاز إلى رقعة مُراقَبة من قبل أطراف غير صديقة. وإذا ما تم إنشاء الجسر المزمع في زنغزور تحت إدارة شركة عسكرية أميركية فإن الأمر يتجاوز البعد الاقتصادي إلى تهديد أمني مباشر، مع تمركز بنية تحتية حساسة في خاصرة إيران الشمالية. هذا التهديد يكتسب وزناً أكبر إذا أخذنا بالاعتبار أن طهران ترى في الحدود الأرمنية منفذاً إستراتيجياً لتجاوز الضغوط التركية – الأذرية ومحاولات حصارها اللوجستي.بالنسبة إلى روسيا، التي تواجه انكفاءً نسبياً بفعل الحرب الأوكرانية وتزايد العزلة الغربية، يشكّل ممر زنغزور ساحة محتملة للحفاظ على موطئ قدم في جنوب القوقاز، عبر السعي لفرض صيغة إشراف أو مراقبة تمنحها دوراً في حركة الإمداد والتجارة الإقليمية. غير أن هذا المسعى يصطدم باندفاع أنقرة وباكو نحو تقليص أيّ نفوذ روسي مباشر، ما يجعل الدور المحتمل لموسكو هشّاً وعرضة للتهميش.أما تركيا، فتبدو على أعتاب تحقيق أحد أكثر أهدافها الجيوسياسية جرأة منذ نهاية الحرب الباردة: الربط البري المباشر مع أذربيجان، ومن ثم مع كامل الامتداد التركي – الآسيوي وصولاً إلى آسيا الوسطى. هذا الربط يتجاوز المسألة الرمزية لـ”الوحدة التركية” ليمنح أنقرة قدرة عملية على التحكم بجزء من سلاسل الإمداد والطاقة بين الشرق والغرب، ويمنحها أوراقاً إضافية في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وإيران.إن الصراع على ممر زنغزور ليس مجرد تنازع على خطوط خرائط، بقدر ما هو انعكاس لمنطق أوسع تتحدد فيه السلطة والسيادة عبر التحكم بالممرات والمعابر. فالتحكم بالممر هنا يعادل في أثره السيطرة على خط أنابيب، أو ميناء إستراتيجي، أو قاعدة عسكرية؛ إذ يحدد مسارات التجارة، واتجاهات النفوذ الثقافي والسياسي، ويعيد رسم حدود النفوذ في قلب آسيا الصغرى والقوقاز.

 

اهداف الاتفاق المستقبلية للاذربيجان

 

ينص الاتفاق على تعهد أرمينيا وأذربيجان بوقف أي نشاط عسكري وفتح الطرق التجارية وإقامة علاقات دبلوماسية واحترام السلامة الإقليمية لكل منهما، كما تقوم الولايات المتحدة التي كانت تفرض قيودًا على التعاون العسكري مع أذربيجان بتجميد التعديل 907، الذي بموجبه ترفع الولايات المتحدة القيود عن تعاونها العسكري مع أذربيجان. كما ينص الاتفاق على مطالبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بحل "مجموعة مينسك" التي فشلت في ايجاد حل سياسي للنزاع بين البلدين منذ 1994. الرئيس إلهام علييف، قال بعد توقيع اتفاق السلام مع أرمينيا، إن بلاده ستطوي صفحة الجمود والمواجهة وإراقة الدماء"، والبدء في مرحلة جديدة حيث يتم كتابة تاريخ جديد وعظيم اليوم. بينما قال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، أننا وصلنا إلى مرحلة مهمة. فنحن نضع حجر الأساس لكتابة قصة أفضل من تلك التي صنعناها في الماضي. اتفاق السلام الذي وقعه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان يوم 8 أيلول  2025، يعد انجازًا تاريخيًا للبلدين في سبيل التحول من مرحلة الصراع والقتال إلى مرحلة السلام والتعاون والازدهار، كما يتيح لدول منطقة جنوب القوقاز فرصًا واعدة في جذب الاستثمارات والتجارة وطرق العبور.في هذا السياق، يصبح الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان اختباراً نموذجياً لمعركة الممرات في القرن الحادي والعشرين، حيث تلتقي الجغرافيا مع القوة العسكرية ومع الإستراتيجيات العابرة للحدود. ولعل ما يجعل هذه المعركة شديدة الحساسية هو أنها تجري على تخوم ثلاثة من أكثر الفاعلين الدوليين تنافسية وتعارضاً في المصالح: روسيا، تركيا، وإيران، مع حضور أميركي متجدد يسعى لاختراق المسرح عبر البنية التحتية الأمنية والاقتصادية.

المشـاهدات 390   تاريخ الإضافـة 15/08/2025   رقم المحتوى 65698
أضف تقييـم