
![]() |
الإلحاد العربي ..استيراد لأفكارٍ غربية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
وقد كانت أحداث 11 سبتمبر المحرّك الأول لموجة الإلحاد المعاصر في أوروبا، ثم انتقلت هذه الظاهرة إلى دول الشرق الأوسط. إذ إن اتهام “طالبان” بالوقوف وراء هذه الهجمات فجَّر آلاف الأسئلة حول الدين والتديُّن. ثم جاءت ثورات الربيع العربي، التي أكسبت هذه الظاهرة حيويةً جديدةً، تزامنًا مع التوسُّع غير المسبوق في وسائل التواصل الاجتماعي.إن ظاهرة الإلحاد العربي التي نراها اليوم ليست نتاج عقليةٍ متفتحةٍ تنويرية، بل هي مجرّد استيراد لأفكارٍ غربية.ولكن لماذا تفشَّى الإلحاد المعاصر بين شبابنا بهذه الطريقة الفجَّة في كل أرجاء الوطن العربي؟أرى أن هناك أسبابًا عديدةً لهذه الظاهرة، وسأسرد بعضًا منها، لكنني لا أستطيع في هذا المقال التطرُّق لجميع العوامل التي أسهمت في انتشارها.أرى أن الخطاب الديني له دور كبير في هذه الظاهرة، فهو دائمًا يحرِّم ويشكِّك في أغلب الأمور الإيجابية في الحياة، بدءًا بالفن وانتهاءً بالمساواة، مما يجعل الشاب في حيرةٍ من أمره، بين خيارين: إما التديُّن والانغلاق، أو الإلحاد والانفتاح.كذلك، هناك قصور في الوعظ الديني، حيث يعجز عن احتضان الشباب روحيًّا، مما يترك فراغًا يستغله الفكر الإلحادي.الهزيمة الاقتصادية التي تعاني منها مجتمعاتنا أدَّت إلى انتشار الفقر، وهو أحد أهم أسباب الإلحاد.السطحية الفكرية، وغياب الهدف، وضبابية المنهج، والاضطرابات النفسية، كلها عوامل تدفع الإنسان إلى الإلحاد، حيث يبحث عن إجاباتٍ واضحةٍ فلا يجدها.اضطهاد المرأة ووضعها في مكانةٍ أقل من الرجل يدفع بعض النساء إلى الإلحاد، بحثًا عن الحرية والمساواة.غياب القدوة الصالحة، سواء في البيت، أو المدرسة، أو الجامعة، يجعل الشباب تائهين، بلا نموذجٍ يُحتذى به.كذلك، الخلط بين العادات السيئة داخل المجتمع والدين، مما يؤدي إلى نظرةٍ سلبيةٍ تجاه الدين.تمزُّق الأمة، وتفرُّقها، واقتتالها الداخلي، يجعل الشباب يتساءلون عن جدوى التمسك بالدين، إذا كان لا يمنع النزاعات بين أتباعه.الانتشار الشديد لوسائل التواصل الاجتماعي، واستخدامها كمنابر لنشر الفكر الإلحادي والتشكيك في العقائد.التخلُّف الحضاري الذي تعاني منه أمتنا جعل الشباب يشعرون بالانهزام الفكري، كما أن افتتانهم بالغرب جعلهم يربطون بين التخلُّف والدين.كما أن دخول مناقشاتٍ غير متكافئة مع الملاحدة، والاستهانة بقدراتهم الفكرية، أدَّى إلى نتائج عكسية.بالإضافة إلى عجز رجال الدين عن الرد على شبهاتهم بشكلٍ عقليٍّ مُقنع، بينما وجدوا في الخطاب الإلحادي إجاباتٍ منطقية – ولو ظاهرية – لأسئلتهم.فالملحد، يا سادة، إنسان مثلنا جميعًا، قد يكون ابنًا أو أخًا أو صديقًا، وهو نتاج هذا المجتمع. لذلك، لا بد أن نتيح له مساحةً للتعبير عن رأيه دون خوف، وأن نواجه الحجة بالحجة، مستخدمين المنطق العقلي، لأنه عندما ترك الدين، اعتمد على العقل، فلا بد من مخاطبة عقله حتى يعود إليه.في النهاية، هو إنسان يبحث عن ضميرٍ أخلاقيٍّ عصريٍّ يعترف بالحقوق العالمية للإنسان، سواء كان ذكرًا أو أنثى، لكنه لا يجد في الخطاب الديني التقليدي ما يخاطب عقله أو يجيب عن شكوكه بطريقةٍ تصل إليه.وإذا كنا اليوم نشكو من الزيادة الملحوظة في هذه الظاهرة، فكيف سيكون الحال بعد عشرين عامًا إذا استمررنا في تجاهلها؟ كيف سيصبح شكل مجتمعنا حينها؟بعض الحلول لمواجهة هذه الظاهرة – وإن كان هناك المئات منها – لكني لا أستطيع حصرها في مقالٍ واحد:يجب تفعيل دور خطبة الجمعة بحيث تتناول الشبهات التي يروِّج لها الملحدون، مع ضرورة رفع قدرات الشيوخ وشباب المفتين على التعامل مع الملحدين والتحاور معهم بأسلوبٍ علميٍّ ومنطقيٍّ.بالإضافة إلى وضع خطةٍ إعلاميةٍ تشارك فيها جميع وسائل الإعلام لمواجهة الظاهرة، واستغلال الدراما لإلقاء الضوء والتوعية.مع ضرورة عقد لقاءاتٍ مفتوحةٍ مع الشباب، بالتعاون مع المؤسسات الدينية، لمناقشة أفكارهم بطريقةٍ علميةٍ ومنطقية، سواء في المدارس أو الجامعات.الحثّ على إنشاء مراكز رسمية متخصصة لمواجهة الإلحاد ونقده، مع ضرورة تجديد أساليب الخطاب الديني لتناسب روح العصر وعقول الشباب.تفعيل الدعوة الإلكترونية، بحيث يكون للعلماء والخطباء وجودٌ قويٌّ على الإنترنت، لمواجهة الأفكار الإلحادية على منصاتها نفسها.الاهتمام بالمناهج الدراسية، من خلال ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الشباب والمراهقين، ومنحهم مساحةً للتعبير عن أفكارهم بحرية.دور الأسرة مهمٌّ جدًا، لذا يجب على أولياء الأمور أن يكونوا قريبين من أبنائهم، مع الاهتمام بغرس تعاليم الإسلام، مع توضيح الحكمة من كل تشريع ديني، وليس مجرد فرض الأوامر والنواهي.بهذه الخطوات، يمكننا احتواء المشكلة والتعامل معها بوعيٍ وحكمةٍ، بدلًا من إنكارها أو مواجهتها بالعنف أو القمع، لأن العقل لا يُهزم إلا بالعقل.في نهاية مقالي، أود أن أقول: إنه إذا لم تتضافر جهود رجال الدين والدولة الآن لحماية مجتمعنا وشبابنا من خطر الإلحاد، فسيكون لذلك عواقب وخيمة. فهذه القضية يعتمد نجاحها بشكلٍ أساسيٍّ على رجال الدين، وعلى قدر استعدادهم وإرادتهم وثباتهم سيكون نصرهم في هذه المعركة الفكرية.أما الخيار الآخر، فهو الاستسلام لمجريات الأمور، وهذا أسوأ الخيارات.ما نقوم به اليوم سيُحدد مصير تماسك مجتمعنا غدًا، لذا علينا العمل بجدٍّ للحفاظ على وحدتنا وديننا، وألا تفتُر عزيمتنا بسبب الضعف الذي تعاني منه الأمة اليوم، فهذا ليس عذرًا لترك مواجهة الباطل وردّه.
|
المشـاهدات 31 تاريخ الإضافـة 18/08/2025 رقم المحتوى 65772 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |