الأحد 2025/8/24 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 44.95 مئويـة
نيوز بار
الثقافة..رهان المستقبل وصناعة الوعي
الثقافة..رهان المستقبل وصناعة الوعي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حسين الانصاري
النـص :

 

 

لم تعد الثقافة في عالم اليوم مجرد نشاط جانبي أو مظهر احتفالي تُزيّن به المناسبات بل أصبحت جسرا للتواصل بين الشعوب ووسيلة فاعلة لصياغة صورة الأمم في المحافل الدولية. فالثقافة والفنون، بمختلف تجلياتها من أدب ومسرح وموسيقى وفنون بصرية، لم تعد محصورة في دائرة الترف وإنما غدت قوة ناعمة تساهم في بناء الهوية الوطنية وتعزيز مكانة الدول على الخارطة العالمية.

لقد أدركت كثير من البلدان أن الثقافة هي المحرك الأساس للوعي والتغيير، وأنها المدخل الأعمق لتطوير السلوك الإنساني وصقل الأفكار، لذلك أولت وزارات الثقافة أهمية تفوق أحياناً وزارات الاقتصاد أو التجارة. واختارت لهذه المناصب شخصيات ذات رصيد ثقافي حقيقي، لها حضور مؤثر في الوسط الفكري والفني، إدراكا منها بأن صناعة السياسات الثقافية تحتاج إلى عقول مبدعة وقيادات مستنيرة.

أما في العراق، فما زالت وزارة الثقافة ينظر إليها في كثير من الأحيان باعتبارها وزارة  ثانوية لا ترقى إلى مستوى الوزارات السيادية. هذه النظرة القاصرة هي ما جعلت الثقافة تعاني التهميش وضعف التمويل، بينما الحقيقة أن الثقافة هي سيادة من نوع آخر سيادة على الوعي وسيطرة على الرؤية المستقبلية، وحماية لهوية المجتمع من التفتت والانغلاق

إن المسرح العراقي، على سبيل المثال، كان منبراً للوعي والتنوير، نقل صورة المجتمع، وناقش قضاياه، وفتح الآفاق أمام المتلقي ليعيد النظر في ذاته وعلاقاته ومصيره. والموسيقى والفنون التشكيلية والشعر حملت صوت العراق إلى المحافل الدولية، فعكست ثراء حضارته وإبداع إنسانه وأسهمت في بناء صورة حضارية مغايرة لما يُراد تسويقه عن بلد أنهكته الأزمات.

لذلك، فإن دعم الدولة للثقافة لا ينبغي أن يكون مجرد منح موسمية أو هبات مزاجية بل يجب أن يندرج ضمن خطة استراتيجية متكاملة، تمتلك رؤية واضحة وأهداف محددة، مع آليات متابعة وتقييم جاد لضمان أن الأموال المخصصة تُصرف في مكانها الصحيح، وأنها تحقق أثرها الحقيقي في تنمية وعي المواطن وصناعة مستقبل الأجيال.

الدول المتقدمة اليوم تضع الثقافة في قلب خططها التنموية، وتراهن على أن وعي الشعب هو الضمانة الكبرى لتحقيق التنمية والتطور والمواكبة. فالثروة الحقيقية ليست في النفط ولا في الأموال العابرة، بل في الإنسان الواعي الذي يمتلك أدوات النقد والإبداع والقادر على بناء مجتمع متماسك متجدد.

إن الاستثمار في الثقافة ليس ترفاً ولا رفاهية، بل هو رهان على المستقبل. وإذا أراد العراق أن يستعيد مكانته الحضارية ويواكب حركة العالم، فعليه أن يضع الثقافة والفنون في صدارة أولوياته بوصفها أدوات لصناعة الوعي، وتعزيز الهوية، ورسم صورة مشرقة عن حضارته أمام العالم.

المشـاهدات 233   تاريخ الإضافـة 22/08/2025   رقم المحتوى 65893
أضف تقييـم