الإثنين 2025/9/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
نيوز بار
على ورق الورد نجاح ...جاهز!
على ورق الورد نجاح ...جاهز!
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منذر عبد الحر
النـص :

 

 

 

 

         حدثني مرة صديقي الشاعر والناقد والمتذوق الفني المتميز كاظم غيلان , عن إعادة بعض الأغنيات القديمة بأصوات جديدة , وقال لي وهو يتحدث عن أغنية الفنان الرائد في الغناء الريفي داخل حسن الموسومة "شسويت بيه " إنني شعرت بالحزن والسخرية معا وأنا أستمع لهذه الأغنية التي تلخّص ويلات ومواجع وأحزان الفرد العراقي , أما الحزن فسببه تذكّي للأغنية والأسلوب المعبّر الذي أداها فيه مطربنا الراحل داخل حسن فهو يطلق الكلمات بكاء ونحيبا بصيغة أغنية , أما السخرية فسببها أداء المطرب الشاب لها , وكأن الأغنية تعبّر عن فرح لا حزن عظيم ومواجع كبيرة , ذلك لأن المطرب الشاب أخذ منها ظاهرها مستثمرا نجاحها وقبولها في الشارع العراقي .

 

         ووفق هذا السياق أعيدت عشرات الأغنيات القديمة , التي اتسمت بنجاحها الواسع منذ اطلاقها للجمهور وظلت عالقة في الذاكرة كلمات وألحانا وأداء , لذلك جاء من يريد استثمار هذا النجاح لإعادة هذه الأغنيات وكسب الشهرة من خلالها , وأنا – والكثير من المتابعين والمعنيين والمتذوقين – نشهد جميعا على أن أداء تلك الأغنيات كان جميلا , والأصوات التي أدتها أصوات رخيمة لها طاقات جيدة وقدرات طيبة في التعامل مع اللحن والكلمة , إلا أن روح الأغنية التي ارتبطت بالظرف التاريخي والبيئي والانساني والثقافي , لم يتحقق في الأداء الجديد , ذلك أن نجاح الأغنية والاستجابة لها رهين بعوامل مختلفة ليس من السهل توفرها في واقع جديد ورؤى قد تختلف عن رؤى الماضي تبعا لطبيعة الحياة التي يعيشها الفرد الآن .

 

         إن الغناء العراقي تحديدا , يحمل سمات ٍِ خاصة ً , هذه السمات التي كانت في السابق علامات تاريخية فارقة في تضاريس جسد الحياة العراقية المتميزة بالثوابت الثقافية والاجتماعية , التي رسّخت فيها تقاليد معينة , لم تعد كما هي اليوم , ليس في العراق حسب , وإنما في العالم كلّه , حيث لا يمكننا الآن أن ندرج ماهية المرحلة الفكرية التي تهيمن علينا , إلا أن زمن التقنيات وأدوات الاعلام والاتصال الحديث هي الغالبة علينا , أما زمن التأمل والمساحات  الواسعة في التفكير , فقد غابت عنا وحلّت محلّها نزعات السرعة والزحام والأرقام واللهاث وراء دخان المدن للحاق بالوقت الضائع عبثا بين هاجس وهاجس آخر , لذلك ما عدنا كمجتمع نصغي لأغنية واحدة تمثل عندنا ظاهرة ترتبط  بهمّ معيّن , فلم تعد أغنية الراحل المنسي المظلوم "حسين السعدي" : " ألف دينار حاضرهه وخمسميه" تعني شيئا الآن لكنها في حينها انتشرت كالنار في الهشيم لتتردد في شمال العراق وجنوبه , فهي ارتبطت بهاجس ثقافي واجتماعي خاص في حينها , وكذلك الأغنية التي لحنها الراحل السعدي وأخذت مساحة واسعة من الاهتمام حتى الآن وهي التي غناها الفنان فاضل عواد " لا خبر .." التي ارتبطت هي الأخرى بظاهرة معينة .

 

         إن نجاح الأغنية القديمة يرتبط بنسيج من العلاقات المتجانسة , والتي تطلق اللحن والكلمة مع تجسيدها صوتيا , وفق رؤى الواقع بكل معطياته , أما إعادتها فيشكّل إعادة الذاكرة لاستحضار ذلك النجاح , ولكن بأداء بارد مسترخ ٍ بعيد عن الهواجس والمقومات الحقيقية التي ولّدت الأغنية وسببت إقبال الناس عليها .

 

         إذن ليس من السهل أن نقلّد الأحزان ونتمثّل المواجع لنطلقها أحاسيس , وليس من السهل إعادة النجاح الذي تحقق بعوامل مختلفة , وضعت للأغنية ركائز وأسسا أدخلتها لإلى قلوب مستمعيها الذي يرتبطون بها ارتباطا وجدانيا عميقا .

المشـاهدات 26   تاريخ الإضافـة 15/09/2025   رقم المحتوى 66686
أضف تقييـم