الثلاثاء 2025/9/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 41.95 مئويـة
نيوز بار
حين يزدحم الكوكب
حين يزدحم الكوكب
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

 

يقترب عدد سكان الأرض من حاجز الثمانية مليارات، وهو رقم يكشف مأزقاً كبيراً يواجه البشرية: كيف نوفّر الغذاء والماء والطاقة والمسكن لكتلة بشرية بهذا الحجم؟ وكيف نحافظ على التوازن بين الإنسان وبيئته في وقت تتراجع فيه الموارد ويزداد الضغط على الطبيعة؟ لقد أنقذت الرعاية الصحية الحديثة ملايين الأرواح، وارتفع متوسط العمر بشكل غير مسبوق، لكن هذه النجاحات نفسها قادت إلى انفجار سكاني يهدّد المعمورة إن لم يُقابل بتخطيط ورؤية طويلة المدى.

 

لكن اللافت أنّ الخريطة الديموغرافية ليست متشابهة: ففي حين ما تزال معدلات الولادة مرتفعة في الدول الفقيرة، نلاحظ تراجعها الحاد في الدول الغنية والمتقدمة. السبب واضح؛ فحيث يكون العمل متوفراً والإنتاج قائماً والناس منشغلين بالتكنولوجيا والحداثة وضغوط الحياة اليومية، تقلّ فرص التفرغ للأسرة الكبيرة والإنجاب المتكرر. أما في البيئات التي تعاني البطالة أو الضعف الاقتصادي، فيُنظر إلى الأبناء كـ"ضمان اجتماعي" غير رسمي، ومع غياب نظم الرعاية والدعم، تصبح كثرة الأطفال تعويضاً عن قلة الأمان. وهكذا نرى أنّ الفقر يولّد الولادات، بينما الحداثة تكبحها.

 

في العراق، تبدو الصورة أكثر حساسية. فالمجتمع ما يزال يحتفظ بمعدل خصوبة مرتفع، وهو ما يعني أنّ العقدين المقبلين قد يشهدان نمواً سكانياً كبيراً. لكن هل الاقتصاد والبنية التحتية والخدمات قادرة على استيعاب هذا التوسع؟ المدارس مزدحمة اليوم، فكيف ستكون بعد عشرين عاماً؟ المدن تعاني من الضغط السكاني أساساً، فماذا لو تضاعفت أعداد الوافدين إليها؟ البطالة واسعة، فكيف سيوفر سوق العمل فرصاً لملايين الشباب الجدد؟

 

المسألة إذن لا تتعلق فقط بالكمّ البشري، بل بجودة الحياة التي سيعيشها هذا الجيل. تنظيم الأسرة ليس اعتداءً على حقّ طبيعي، بل هو تفكير عقلاني يُوازن بين الحرية الفردية والمصلحة العامة. والأمر لا يتوقف عند حدود تحديد عدد المواليد، بل يتطلب سياسات تعليمية وصحية واقتصادية تُقنع الناس بأنّ الجودة أهم من الكثرة، وأنّ المستقبل لا يُبنى إلا بمواطن متعلّم، صحيح الجسد، منتج في عمله.

 

لقد حان الوقت لأن ننظر إلى النمو السكاني كقضية استراتيجية لا كأرقام جامدة في دفاتر الإحصاء. فالعالم يتغير بسرعة، ومَن لا يخطط اليوم قد يجد نفسه غداً محاصراً بأزمات البطالة والفقر والهجرة والنزاعات. والكثرة بلا تخطيط لا تصنع قوة، بل قد تتحول إلى عبء ثقيل يرهق الدولة ويستنزف طاقاتها.

المشـاهدات 27   تاريخ الإضافـة 15/09/2025   رقم المحتوى 66705
أضف تقييـم