الثلاثاء 2025/9/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
مهرجان القاهرة التجريبي الـ 32..المسرح بين التجريب والترهيب
مهرجان القاهرة التجريبي الـ 32..المسرح بين التجريب والترهيب
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

   

 

وائل سعيد

 

في دورته الثانية والثلاثين، أثار مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي دوامة من الجدل ربما لم تشهدها أي من الدورات السابقة، حيث لم يقتصر الأمر هذا العام على العروض أو البرنامج أو حتى تفاصيل التنظيم، بل امتد إلى اسم المهرجان ذاته، الاسم الذي ارتبط بهويته لأكثر من ثلاثة عقود منذ انطلاق دورته الأولى. صار ذلك محلًا موسعًا للنقاش بعد ما أثير من دعوات لاستبدال الاسم القديم بمجموعة من البدائل تنتفي منها مفردة التجريب، وكأن إدارة المهرجان تختبر قدرة جمهوره ومتابعيه على التمسك بالهوية أو تقبل التجديد، مما أسفر عن ظهور تيارين متباينين بين مؤيد ومعارض لهذا القرار. حدثت هذه الجلبة قبل انطلاق فعاليات الدورة الجديدة، التي استمرت على مدار ثمانية أيام من الأول وحتى الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري.ما زاد من اشتعال الموقف تأييد وزير الثقافة في حفل الافتتاح ودعوته إلى مناقشة هذا المقترح الذي "طالما كان حلما لنا جميعًا"، حسب قوله...، "على أن تظل العروض التجريبية جزءًا أصيلًا ضمن برامج المهرجان، بما يثري تنوعه ويعزّز مكانته على الخريطة المسرحية الدولية"، تلك المكانة التي يحظى بها المهرجان بالفعل، ولا يختلف عليها تقريبًا، رغم التواضع الملحوظ في عدد من الدورات في السنوات الأخيرة. ربما لم يحسم بسهولة قرار كهذا، وهو ما يمكن استشفافه من كلمة الوزير في حفل الختام المقام على "مسرح الجمهورية"، حيث أكد أن "التجريب فرع أساسي من الحرية في التعبير المسرحي"، مثمّنًا الصدى الذي حققه حدث كهذا على مدار أيام المهرجان، تأييدًا أو اعتراضًا.في مقدمة فريق المؤيدين لقرار التغيير يأتي رئيس المهرجان، د. سامح مهران، في فترة رئاسة تالية بعد أن انسحب منذ سنوات بغرض إفساح المجال لدماء جديدة. ولكن سرعان ما تم استدعاؤه من جديد، كما أشار في المؤتمر الصحافي، مؤكدًا على أن طلبه تغيير اسم المهرجان ليس وليد اللحظة، بل طالب به منذ سنوات حين كان يترأس لجنة المسرح. وكان من الملاحظ، خلال فترة إدارة المهرجان، حرصه على الجمع بين رئاسة المهرجان وبعض اللجان الأخرى بدون مبرّر واضح، بما في ذلك لجنة الندوات ولجنة مشاهدة العروض العربية والأجنبية، بعضوية كل من مدير ومنسق عام المهرجان، فيما اقتصر باقي الأعضاء على اللجنة العليا.تقدّم لدورة العام ما يزيد عن 300 عرض من مختلف أنحاء العالم، فيما بلغ عدد المشاركات المعتمدة 32 مشاركة، تنوعت بين العروض والورش والندوات إضافة إلى مشاركات الضيوف. ومثلما تكرر عدد من الأسماء على مستوى كافة الأقسام تقريبًا، من جديد، استأثر اللبناني وليد عوني بإخراج عرض الافتتاح "انتصار حورس"، بعد أن قدم افتتاح الدورة الماضية وحصل عنه على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

 

11/11

 

شهدت قائمة تكريمات الدورة الجديدة حضورًا ملحوظا بتنوعها، إذ ضمّت أحد عشر اسمًا من ثماني دول، وهو نفس العدد الذي تكرر في قائمة الدورة السابقة، بما يوحي باستقرار مساحة التكريم. فيما توزعت الأسماء بين إنكلترا وفرنسا والكاميرون والعراق والكويت ولبنان وقطر، بالإضافة إلى مصر التي استحوذت على أربعة تكريمات ذهبت إلى: صبري فواز وحنان يوسف (في مجال التمثيل)، ود. حسن خليل (عن جهوده الأكاديمية والفنية)، وبهيج إسماعيل (كاتبًا مسرحيًا). كما بدا واضحًا في القائمة محاولتها تقديم مقاربة تتسع لعناصر متنوعة من العرض المسرحي، مع تغليب البعد الفكري واحتفاء متكرر بأسماء مرتبطة بالكتابة أو الجانب التنظيري، مثل فيكتور جونغ تاكو (الكاميرون)، وحمد الرميحي (قطر)، ورفيق علي أحمد (لبنان) الذي يجمع بين الكتابة والتمثيل والإخراج.شمل التكريم هذا العام أسماء مختلفة من ميادين متعددة، فجاء الاحتفاء بالعراقية الراحلة د. إقبال نعيم بوصفها واحدة من الشخصيات المؤثرة في المسرح العربي، إلى جانب تكريم الممثل الكويتي محمد المنصور، بينما مثّل فرنسا د. باتريس بافيس، الناقد والمنظّر المسرحي المعروف، أحد أهم المساهمين في تطوير نظريات الأداء وفهم العلاقة بين النص والعرض والجمهور. من إنكلترا، تم تكريم السير روفوس نوريس، المدير الفني والرئيس التنفيذي الأسبق للمسرح الوطني البريطاني، الذي أشرف خلال فترة رئاسته على أكثر من 170 عرضًا مسرحيًا جذبت ملايين المشاهدين من مختلف أنحاء العالم.امتدت التكريمات أيضًا إلى برنامج المحور الفكري من خلال قسم سُمي بـ "ردّ الجميل"، حيث كُرّمت ثلاثة أسماء لشخصيات راحلة تركت أثرًا ملموسا في المجتمع المسرحي، هم: د. هناء عبد الفتاح، مصر- د. حسن المنيعي، المغرب- د. سامي عبد الحميد، عميد المسرح العراقي، كما وصفه الناقد السوداني عادل حربي خلال شهادته. أما برنامج المحور فقد عقد بدءًا من اليوم الثاني للفعاليات، على مدار خمسة أيام. وقد جمع عددًا من المسرحيين يمثلون أربع قارات لمناقشة العنوان الرئيسي، "المسرح وما بعد العولمة"، ضمن عشر جلسات تناولت عددًا من المواضيع المختلفة مثل "المسرح والذكاء الاصطناعي" و"المسرح والتنمية المستدامة"، إضافة إلى قسم خاص لتسليط الضوء على عدد من التجارب المسرحية المعاصرة.الطريف أن الرقم 11 تكرر مرة أخرى هذا العام من خلال إصدارات الدورة، تمامًا كما هي الحال في الدورة السابقة،  كأن إدارة المهرجان وجدت في هذا الرقم فألًا حسنًا لا ترغب في تغييره، فيما ترجمت الإصدارات الجديدة من ثلاث لغات رئيسية، الإنكليزية، الفرنسية، والألمانية، بموضوعات تغطي مساحات واسعة من المسرح المعاصر والتجريبي، بداية من الدراماتورجيا والميتاتيرو إلى المسرح الرقمي وتدريب الممثل، من بينها: "الدراماتورجيا الركحية" لآن فرونسواز بنيامو، "الميتاتيرو والتناص" لمانفريد شميلنغ، و"المسرح الرقمي: صناعة المسرح الرقمي ومعناه" لناديا ماسورا، وصولًا إلى "التجريب في تدريب الممثل" تأليف د. مدحت الكاشف.

 

أهلًا بالتجريبي

 

في سابقة جديدة وبالتعاون مع المركز القومي للمسرح، دشّن المهرجان برنامجًا مصغرًا سبق انطلاق فعاليات الدورة الجديدة تحت عنوان "أهلًا بالتجريبي"، لعرض أربع مسرحيات مصورة مستعادة من أرشيف ذاكرة المهرجان استضافتها شاشة سينما مركز الإبداع في دار الأوبرا. شملت العروض مسرحية "الطوق والأسورة" للمخرج ناصر عبد المنعم، عضو لجنة التحكيم هذا العام، و"مخدة الكحل" إخراج انتصار عبد الفتاح، إلى جانب "خالتي صفية والدير" للمخرج محمد مرسي ابراهيم، و"قهوة سادة" للمخرج خالد جلال.وكما تقلصت أيام إقامة الفعاليات مقارنة بالدورة السابقة، انعكس ذلك أيضًا على برنامج العروض الذي اقتصر هذا العام على عشرين مشاركة فقط؛ أقل بستة عروض من العام الماضي. شمل البرنامج عرض الافتتاح إلى جانب مشاركة من المسرح الجامعي بعنوان "هل تراني الآن؟" من إنتاج المعهد العالي للفنون المسرحية، قُدّمت على الهامش. أما المشاركة المصرية فبقيت ثابتة عند الكوتة السابقة بثلاثة عروض فحسب، رغم العدد الكبير من الأعمال المتقدمة الذي تجاوز المائتي عرض.على أي حال، لم يخرج عرضان خاليي الوفاض، حيث حصلت ياسمين سمير على شهادة تقدير عن دورها في مسرحية "رماد من زمن الفتونة"، وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى عرض "الجريمة والعقاب". بينما ضمت قائمة العروض العربية تسع مشاركات من ست دول، استحوذت ثلاث منها، السعودية والإمارات وتونس، على النصيب الأكبر بواقع عرضين لكل دولة.تتنافس عروض المهرجان على خمس جوائز تغطي مختلف عناصر العمل المسرحي، وقد كان للعروض العربية النصيب الأوفر منها هذا العام بحصولها على ثلاث من أصل خمس جوائز، وجاء العرض العراقي "سيرك"، من تأليف وإخراج جواد الأسدي، في الصدارة بعد أن حصد ثلاث جوائز قيمة كل منها مائة ألف جنيه: "أفضل نص"، "أفضل ممثلة" لـ شذى سالم، و"أفضل ممثل" لعلاء قحطان مناصفة مع محمد عبد الله عن دوره في العرض البحريني "قهوة ساخنة". واعتمدت غالبية العروض على ديكور متقشف مع احتفاء خاص بالجسد والحضور الإنساني، في مواجهة الهيمنة الصناعية.في "روضة العشاق" (تونس) بدا وكأن الطموح الفني يكاد يلامس سقف العرض، وربما لذلك حصد مخرجه معز العاشوري بسهولة جائزة "أفضل إخراج". يمزج العرض بين الأوبرالي الصوتي والسرد المسرحي في قالب صوفي يستدعي ابن عربي ومن على شاكلته من السالكين، ويعد من أطول العروض في البرنامج. رغم ذلك، نجح المخرج في إدارة عناصره، خصوصًا في توظيف السينوغرافيا الرقمية التي لعبت دورًا محوريًا في ضبط إيقاع المشاهد، مستعينًا بالشاشات وأجهزة البروجكتور لتحويل الفضاء المسرحي إلى عوالم متغيرة، توزعت عبر مشاهد متوالية حمل كل منها طبقات بصرية مختلفة. ويظل مشهد "التطهّر" من أميز المناظر في العرض، حيث استُخدمت شاشات طولية في خلفية المسرح تعرض شلالات مياه متدفقة، وُضعت على مسافات تسمح للممثلين بالتحرك أمامها وخلفها، بينما نسّقت البقع الضوئية بعناية لتصعد بالإيقاع الدرامي وصولًا إلى ذروة بصرية تجسدت في رشاشات ضوئية أشبه برذاذ الماء بعد الاستحمام.ضم قسم العروض الأجنبية سبع مشاركات من ثماني دول، غلب عليها الطابع الحركي والصوتي بما يعكس ميلًا متزايدًا إلى اعتماد الجسد كوسيط للتجريب المسرحي على حساب النص التقليدي. لعل من أبرزها عرض "لقاء بين الثقافات"، وهو إنتاج مشترك بين أميركا وزيمبابوي وكولومبيا، بدا وكأنه ترجمة رمزية لفكرة الحوار بين جغرافيات متباعدة من خلال اثنين من الفنانين ولدا في نفس العام لكن في قارتين مختلفتين، حين يلتقيان صدفة ويتعرفان على الغربة بمفهوم جديد، في ظل من التناسخ أو التناسج الثقافي.في مسار مشابه، حضرت العروض الراقصة مثل "باليه ميكانيكي/ إيطاليا"، الحائز على جائزة أفضل سينوغرافيا وقيمتها مائة ألف جنيه، ما يعادل ألفي دولار، فيما حصلت بطلة العرض إليسا موتو على شهادة تقدير اللجنة، تمامًا مثلما حصلت إستريلا جارسيا على شهادة مماثلة عن دورها في عرض "بطاقات ممزقة" (إسبانيا).وفي عرض "لحظات وعي" (رومانيا)، اعتمد المخرج على لوحات جماعية قوامها ثلاثة عشر راقصًا، حيث تحول الجسد إلى لغة درامية وشعرية في آن واحد. العرض الآخر من رومانيا جاء مختلفًا في احتفائه بالجسد، الذي اقتصر على جسد منفرد لأنثى في العرض الميلودرامي "هاشتاج نوتل" مقتنصًا جائزة "أفضل عرض"، وخمسمائة ألف جنيه. أما "آلة هاملت" فهو عرض حركي من أرمينيا اعتمد على الممثل الواحد، وهو من بطولة نارك باغداساريان الذي نجح في تجسيد هواجس وأحلام النص الشكسبيري الأشهر، متنقلًا ببراعة بين شخصيات الأم والأب وهاملت، في إعادة صياغة ما بعد درامية تذيب الحدود بين الأدوار وتصهرها في تدفق جسدي واحد.

 

المشـاهدات 24   تاريخ الإضافـة 15/09/2025   رقم المحتوى 66729
أضف تقييـم